“حادثة تلو الأخرى ومفقودون وغرقى”… ربما بات هذا الأمر واقعا على مستوى قطاع الصيد البحري بالمملكة، خصوصا مع توالي حوادث مراكب الصيد بالسواحل الجنوبية بشكل ملفت خلال الآونة الأخيرة، ما يعيد إلى الواجهة أسباب هذه الحوادث في علاقة بالعناصر المتعلقة بالسلامة البحرية.
كآخر مستجدات الموضوع، انقلاب ثلاثة من قوارب الصيد التقليدي على مستوى قرية الصيد “افتيسات” أو “كاب 7″، جنوب مدينة بوجدور، مطلع الأسبوع الجاري، ما خلف 3 ضحايا تم انتشال جثتهم فيما بعد، في حين تمكن أربعة آخرون من النجاة، ونتج الحادث أساسا عن تزامن نشاط هذه القوارب مع سوء الأحوال الجوية، وفقا لما أكدته مصادر مهنية.
وفي وقت سابق من الشهر الماضي، جرى فقدان بحار كان يشتغل لدى مركب للصيد الساحلي يحمل اسم “صحراء ماروك” بسواحل العيون، وهو حادث ينضاف إلى حادثة “تيليلا” التي شهدتها مصيدة الأخطبوط الجنوبية بسواحل جهة الداخلة وادي الذهب، يناير الماضي، والتي خلفت 10 ضحايا.
تعيد هذه الحوادث المتواترة إلى الواجهة موضوع السلامة بقطاع الصيد البحري، حيث أكد فاعلون، تحدثوا لهسبريس، أن المسؤولية تتحملها أطراف عديدة، ضمنها المهنيون ومصالح الوزارة، وهو ما يحتم ضرورة فتح نقاش مستفيض بين الأطراف الفاعلة بالقطاع بهدف التباحث حول الحلول لتفادي ضحايا مهنيين آخرين في المستقبل.
مسؤولية مشتركة
أفاد عادل السندادي، فاعل مهني بالقطاع عضو الرابطة الوطنية للصيد البحري بالمغرب، بأن “حوادث البحر المتواترة في الآونة الأخيرة تبين بالملموس الإشكالات التي لا تزال حاضرة بقطاع الصيد البحري، أبرزها إشكال السلامة”.
وأقر السندادي، في تصريح لهسبريس، بـ”وجود إشكال في تطبيق أدوات ومعايير السلامة بالقطاع، فضلا عن التهاون في استعمال هذه الأدوات، وهو ما يجب أن تشدد عليه الوزارة الوصية، على اعتبار أنه يتسبب في مشاكل اجتماعية كبرى، حيث نصير أمام أسر مكلومة وأيتام، وهو ما يجب معالجته بالشكل الكافي”.
المتحدث ذاته بين أن “الوزارة الوصية بدورها مسؤولة في هذا الإطار، بالنظر إلى كونها مطالبة بردع جميع المخالفين لتعليمات السلامة البحرية وإقرار تدابير زجرية وتكثيف الفحوصات التقنية للمراكب والتأكد من استفائها لمختلف الشروط القانونية، إذ يسجل تهاون في قيامها بذلك في الوقت الراهن، حيث تنشط بعض المراكب بالسواحل المغربية على الرغم من كونها لا تستوفي شروط منح التراخيص”.
ولفت عضو الرابطة الوطنية للصيد البحري إلى أن “المهنيين بدورهم يتحملون مسؤولية كبرى في الحوادث التي تقع، بالنظر إلى مخالفة عدد منهم تعليمات مندوبيات الصيد البحري، خصوصا في الفترات التي تعرف أجواء صعبة، وهنا تعود مسؤولية الوزارة التي يجب عليها أن تمر إلى المنع وزجر المخالفين لقراراتها كإجراء بديل عن الإنذار فقط”، مشيرا إلى “ضرورة فتح نقاش مع البحارة بهدف التفكير في مختلف الآليات التي بإمكانها الحد من تكرار هذه الحوادث، وعلى الأقل الحفاظ على العنصر البشري”.
“وعي مفقود”
المصطفى آيت علا، مندوب الصيد البحري بالعيون، قال إن “الحد من الحوادث البحرية يشكل هاجسا كبيرا لمختلف المتدخلين في تسيير شؤون الصيد البحري بالمملكة، من وزارة ومهنيين، على اعتبار أن الحوادث ظلت تتوالى بشكل ملفت خلال الآونة الأخيرة، ما يستوجب معه دق ناقوس الخطر بهدف الوصول إلى حلول تقف ضد استمرار هذا النوع من الظواهر”.
وبين آيت علا، في تصريح لهسبريس، أن “غالبية الحوادث تعود إلى تهور البحارة وأباطرة الصيد أنفسهم؛ ذلك أنهم لا يحترمون الوسائل المتعلقة بضمان سلامتهم، ولا يحترمون كذلك سوء الأحوال الجوية التي عادة ما تسهر مصالح الوزارة على مراقبتها وإبلاغهم بنتائج المراقبة، ومن ثم إصدار قراراتها بمنع النشاط من عدمه”.
وأوضح المتحدث أن “المهنيين عادة ما لا يحترمون حتى صدريات النجاة ولا يعون أهميتها في إنقاذهم من الغرق في الأوقات التي ينقلب فيها مركب الصيد، على الرغم من كوننا نؤكد مرارا وبشكل قانوني على ضرورة وجودها بهذه المراكب”، لافتا إلى أن “مصالح الوزارة تؤكد على التوفر على هذه العناصر خلال الفترة التي يتم فيها الفحص التقني وتسليم التراخيص”.
واعتبر مندوب الصيد البحري بالعيون أن “أي مركب يُقصى من الاستفادة من ترخيص الاشتغال إذا ما تم ضبطه غير مستوف للشروط التي تنص عليها القوانين الجاري بها العمل. وبالتالي، فمصالح الوزارة غير مسؤولة في هذا الجانب، في حين يبقى الإشكال الأساسي هو ضرورة الوعي المهني بمختلف إجراءات السلامة الصحية التي يتم التأكيد عليها مرارا”، موردا أن “95 في المائة تقريبا من الحوادث البحرية التي تقع، تكون بفعل عدم الالتزام بإعلانات المراقبة، خصوصا بالنسبة لمراكب الصيد التقليدي”.
المصدر: وكالات