أفاد مختصون بأن مبادرات «عام الاستدامة» أسهمت في تراجع إسراف وهدر الطعام بنسبة تراوح بين 20% و30%، لتصل إلى نحو سبعة مليارات درهم سنوياً، بعد أن كانت تزيد على 10 مليارات درهم في السنوات السابقة، مؤكدين أهمية غرس مبادئ وثقافة حفظ النعمة في المجتمع. وطالبوا أفراد المجتمع وفئاته كافة بضرورة محاربة ثقافة الإسراف، خصوصاً في شهر رمضان، الذي يستحوذ على نسبة 30% من إجمالي الأغذية المهدرة سنوياً، لاسيما أن الشهر الكريم يشهد الكثير من العزائم والولائم، التي تنتج عنها غالباً أطنان من الأغذية المهدرة.
من جهته، أكد مدير عام مشروع حفظ النعمة في هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، سلطان الشحي، أن مبادرات «عام الاستدامة»، و«كوب 28» أسهمت بشكل كبير في تراجع نسب الهدر منذ بداية العام الجاري، بفضل تعزيز ثقافة الاستهلاك والحد من الهدر، لتتراجع هذه المعدلات إلى أدنى مستوياتها بنهاية العام الجاري.
وقال الشحي إن «حجم الهدر والإسراف في الطعام، تراجع خلال العام الماضي بنسبة تراوح بين 20% و30% بالدولة، ليصل إلى نحو سبعة مليارات درهم، بعد أن كان يتجاوز 10 مليارات درهم»، مشيراً إلى أن نحو 30% من الطعام المهدر يكون في شهر رمضان فقط، موضحاً أن بقاء هذه النسبة عند هذا الحد يعود بشكل أساسي إلى الزيادة السكانية التي تشهدها الدولة عاماً بعد عام، مشدداً على ضرورة انتقال أفراد المجتمع إلى ثقافة التدبير، بدلاً من التبذير.
وأكد أن غياب الثقافة المجتمعية بشأن الاستهلاك الأمثل للطعام هو العائق والسبب الأكبر وراء ارتفاع نسبة الهدر، وتقليص هذه النسبة إلى الحد الأدنى يبدأ بتغيير هذه الثقافة، وغرس قيم حفظ النعمة.
وشدد على ضرورة تحلي الأسر والأفراد بالسلوكيات الحضارية، والتعاليم الإسلامية المتعلقة بالحد من ثقافة الهدر وعدم الإسراف، مشيراً إلى أن مشروع حفظ النعمة بدأ قبل ست سنوات بتنفيذ خطة توعوية تثقيفية لعلاج هذه الظاهرة، من خلال مبادرة سفير حفظ النعمة، التي شملت الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة على مستوى الدولة.
وذكر أن مشروع حفظ النعمة قام ضمن مبادراته لـ«عام الاستدامة» بمكافحة هدر الطعام في المجتمع من خلال عدد من برامج التوعية، والمبادرات التي تنفذ مع عدد من الشركاء، إضافة إلى ورش تثقيفية توعوية، أسهت بشكل كبير في التقليل من الاستهلاك الجائر للطعام.
ولفت إلى أن جهود مكافحة ظاهرة الإسراف والهدر، أيضاً، شملت المناهج الدراسية، من خلال التنسيق مع وزارة التربية والتعليم، لتضمينها في المناهج الدراسية، بهدف ترسيخ ثقافة الحفاظ على النعمة في أذهان الأطفال منذ الصغر. وذكر أن هيئة الهلال الأحمر الإماراتي تعمل، من خلال برنامج أنماط الحياة الإيجابية، وبرنامج سلامة البيئة، على تعزيز السلوك الاسترشادي، والتوعية بمخاطر الأمراض التي قد تنتج عن اتباع أساليب غذائية سلبية، قد تكون ناتجة عن الإسراف والمبالغة في الغذاء.
وأوضح الشحي أن هيئة الهلال الأحمر، متمثلة في مشروع حفظ النعمة، تطبق إجراءات جديدة، لتحقيق الاستفادة القصوى من كميات الطعام المهدرة، تقوم على شقين: الأول من خلال إعادة تدوير متبقيات الطعام لتذهب إلى الأسر المتعففة، كما هو مطبق بالفعل منذ سنوات، فيما يتمثل الشق الثاني، وهو المبتكر، في أن يستفاد من الأغذية غير الصالحة للاستخدام في صناعة أسمدة للنباتات وطعام للحيوانات.
من جهتها قالت رئيس لجنة تسيير الأعمال لبنك الإمارات للطعام، منال بن يعروف، إن «بنك الطعام» وضع ضمن أولوياته مكافحة ظاهرة هدر الطعام، من خلال التعاون مع المبادرة الوطنية للحد من هدر الغذاء «نعمة»، حيث تم إطلاق مبادرة تهدف إلى نشر الوعي المجتمعي، وتثقيف وتمكين أفراد المجتمع من اتخاذ قرارات أفضل بشأن استهلاك الغذاء، وتغيير السلوكيات الحالية المتعلقة بفقد الطعام. وأضافت: «تعد مبادرات البنك خلال شهر رمضان انعكاساً لغايته السامية كمنظومة إنسانية تعلي من قيمة إطعام الطعام، وتجسيداً حقيقياً لقيم الإنسانية والخير والعطاء في دولة الإمارات، ورؤيتها لتحقيق الاستدامة في المجالات كافة».
وذكرت أن «بنك الطعام» يسعى عبر نشاطاته ومبادراته إلى نشر هذه القيم وترسيخها عالمياً، من خلال رؤيته ورسالته في تخطيط وضمان إدارة فائض الطعام، وتسليمه للمستفيدين محلياً وعالمياً، والحد من هدره.
وأشارت إلى أن المبادرة تعزز جهود التعاون لتسهيل واستلام الطعام من المطاعم والفنادق ومتعهّدي الطعام وقطاع الضيافة، وإعادة توجيه الفائض منه إلى الفئات المحتاجة، والإسهام بالتوعية المجتمعية وأهمية التبرع بالفائض من الطعام لإعادة توزيعه أو إعادة تدوير المخلفات الغذائية.
وتعد الحملات التوعوية جزءاً من المسؤولية المجتمعية لبنك الإمارات للطعام، التي يهدف من خلالها إلى تعريف أفراد المجتمع بمبادراته، ورفع الوعي المجتمعي بأهمية إدارة فائض الطعام والحد من هدره، وتعزيز ثقافة استدامة الطعام والثقافة الاستهلاكية لدى الأفراد، وتشجيعهم على التطوع مع البنك للمساعدة في تنفيذ أعماله، وإيصال الغذاء إلى مستحقيه.
ولفتت بن يعروف إلى أن بنك الإمارات للطعام حقق نتائج مميزة خلال العام الماضي، حيث وصلت كمية الأغذية التي استُلمت إلى أكثر من 11 مليون وجبة، جرى توزيعها في الإمارات وخارجها على أكثر من 11 مليون فرد، ونجح البنك في استغلال كمية فائض طعام بما يقارب 10 ملايين وجبة، وعقد 31 اتفاقية شراكة جديدة.
وتمكن البنك من تعزيز المسؤولية المجتمعية والعمل التطوعي، بعد أن وصل عدد المتطوعين في مبادراته إلى 1079 متطوعاً. فيما بلغ عدد الشركاء المساهمين 18 جمعية خيرية، و163 متبرعاً، إضافةً إلى تنفيذ 1080 زيارة تفتيشية على 45 ثلاجة، وتنفيذ 52 برنامجاً وورشة.
الاقتصاد في الطعام
أكد كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي، الدكتور أحمد الحداد، أن الإسراف والهدر في الطعام يعد من بطَر النعم، ويجب ألا يحصل ذلك في بلادنا المباركة، وأن على من لديه فائض نعمة أن يراعي الفقراء والمحرومين بإطعامهم من باب شكر النعمة.
وقال إن الطعام نعمة من نعم الله تعالى، منّ به سبحانه وتعالى على بعض عباده فرزقهم من الطيبات، بينما نرى هناك أناساً محرومين من أقل القليل منه، فعلى من منّ الله تعالى عليه بشيء من طيبات الرزق أن يشكر الله تعالى عليه، فلا يسرف فيه ولا يبذر، فقد نهى الله تعالى عن ذلك، فقال سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، فهذه الآية جامعة لما يجب على الإنسان أن يتعامل فيه مع طعامه وشرابه، حيث أباحت الأكل والشرب من غير إسراف، والإسراف هو مجاوزة الحد في ما يحتاجه الإنسان، فيزيد على حاجته، ثم لا ينتفع به في نفسه ولا غيره، وهذا من بطر النعم، وعدم شكر الله تعالى عليها، فعلى الذين منّ الله عليهم بوفرة الطعام والشراب أن يفيضوا بما زاد على حاجتهم لمن يستحق ذلك من فقراء الناس، لاسيما القريبين منهم، فإنهم يتطلعون إلى أطايب الطعام الذي يرونه معهم أو يجدون رائحته، ولهم نفوس تواقة كغيرهم، فذلك أفضل من أن يفيض الطعام على الموائد ثم لا يؤخذ منه إلا النزر القليل، كما في بعض الموائد في رمضان، وينبغي أن يقتصد في ذلك بقدر حاجة الآكلين، فإن زاد شيء من ذلك يتعين أن يحفظ في آنية صالحة للتوزيع ثم يوزع على المحتاجين.
وتابع «مما يحمد ذكره في بلدنا المبارك هذا وجود بنك للطعام، يحفظ فيه الطعام الزائد ويوزع على الفقراء، فهذا من شكر النعمة الذي يكون سبباً لحفظها والازدياد منها، كما قال الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، فالشكر قيد للنعم، والاستزادة منها، فهو قيد للموجود وصيد للمفقود، كما أن في ذلك إطعام الصائمين وتفطيرهم الذي ورد الحث الشرعي عليه كما في الحديث: (ومن أشبع صائماً كان له مغفرة لذنوبه، وسقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة)، لاسيما أنه طعام محبوب، فلعله يكون من أهل قول الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ}، فمن كثر الطعام بهذه النية وفعل ذلك فهو المشكور المأجور، ومن أسرف ولم يطعم غيره كان موزوراً غير مأجور».
. مختصون يدعون إلى محاربة ثقافة الإسراف خصوصاً في رمضان.