مع استعداد سويسرا لاستضافة قمة للسلام في أوكرانيا بحلول الصيف، يعلق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، آمالاً كبيرة في أن تعزز هذه القمة الاستقرار في بلاده، لكن مع دخول الحرب بين روسيا وأوكرانيا عامها الثالث، فمن غير المرجح أن تحقق قمة أخرى أي انفراج، ليس فقط لأن موسكو لن تكون حاضرة في تلك القمة، ولكن الأهم من ذلك أنه لا توجد لدى أي من الطرفين رؤية واضحة لما يعنيه النصر أو كيفية تحقيقه.
ولايزال هناك الكثير من الافتراضات حول نيات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن إخضاع أوكرانيا بالكامل، لكن وفي حين أنه سيتقبل الأمر في حال عدم تحقيقه، فإن الكرملين يُبقي أهدافه غامضة كما كانت عندما بدأ «عمليته العسكرية الخاصة» قبل عامين. وقال بوتين في ديسمبر: «سيكون هناك سلام عندما نحقق أهدافنا، وهي هزيمة النازية وتجريد أوكرانيا من سلاحها، ووضعها في خانة المحايد»، وهذا ربما يعني كل ما يريده الكرملين.
ومن الحكمة أن يُصدر صُنّاع السياسات في الغرب أحكامهم بشأن نيات الكرملين، بناء على أفعاله وليس على أقواله. إن آلة الحرب الروسية، على الرغم من أنها في وضع أفضل مما كانت عليه قبل عام، فإنها بالكاد قادرة على الاستيلاء على كييف، كما حاولت أن تفعل في بداية الحرب، ومنذ منتصف عام 2022 ركزت على المكاسب الإقليمية في الشرق.
وبعد الإعلان عن ضم روسيا لمناطق لوهانسك ودونيتسك وزابورجيا وخيرسون في أوكرانيا في سبتمبر 2022، تمسكت موسكو – إلى حد كبير – بالسيطرة على تلك المناطق بأكملها. أما بالنسبة لما ستفعله إذا استعادت أوكرانيا تلك المناطق، فإن موسكو تشير إلى موقف أكثر عدوانية بكثير للغرب مما لديها من النية أو القدرة على تنفيذه.
ويقول المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أخيراً: «بدأت العملية العسكرية الخاصة كعملية ضد أوكرانيا، ومع مرور الوقت اتخذت شكل حرب ضد الغرب». وتفعل روسيا ذلك جزئياً، لأن خطط ونيات حلفاء أوكرانيا الغربيين غامضة للغاية. هل تقدم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة مساعدات محدودة لأوكرانيا للدفاع عن أراضيها (كما يبدو أنها تفعل ذلك بالفعل)، أم إنها تشن بالفعل حرباً بالوكالة من أجل «هزيمة» روسيا، كما يبدو مما تقوله؟
وكما يفعل الكرملين، فإن حلفاء أوكرانيا الغربيين يشيرون إلى عزمهم على «هزيمة» روسيا، من دون أن يوضحوا فعلياً ماذا تعني هذه الهزيمة. وبعيداً عن إبقاء الكرملين متيقظاً، فإن هذا الغموض الاستراتيجي يجعل القوى الغربية تبدو ضعيفة – في واقع الأمر – من وجهة نظر موسكو، حيث تبالغ في الوعود للتعويض عن فقدانها الإرادة السياسية. وأصبح هذا واضحاً بشكل صارخ في مؤتمر ميونيخ الأمني، حيث لخّص أحد صُنّاع السياسات جوهر استراتيجية الغرب في أوكرانيا بأنها تمثل «الكثير من الكلمات، دون التزامات ملموسة».
أحد الأسباب وراء ذلك، هو أن هدف أوكرانيا المعلن على مدى العام الماضي، يتمثل في الانتصار على روسيا، واستعادة جميع الأراضي الأوكرانية منها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ظلت تحت السيطرة الروسية منذ نحو عقد من الزمن، ولكن يبدو أن هذا الهدف غير واقعي على نحو متزايد.
هناك نقاط ضعف تكمن في نقص القوى البشرية الأكثر إلحاحاً في أوكرانيا. وعلى الرغم من تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأخيرة، بشأن «عدم استبعاد» إرسال قوات إلى أوكرانيا، فإن قوى حلف شمال الأطلسي (ناتو) لا تفكر جدياً في هذه الخطوة المدمرة والتصعيدية، وهي محقة في ذلك.
وفي أوكرانيا لاتزال القضية قائمة. فقد قال قائد سرية أوكرانية أخيراً: «إن المشكلة الأكثر إلحاحاً في كل وحدة هي نقص الأفراد»، مردداً الاعتراف المتزايد على الخطوط الأمامية في أوكرانيا بمدى خطورة المشكلة.
وأقال زيلينسكي قائد قواته الأعلى، فاليري زالوزني، الشهر الماضي وسط جدل حول اقتراحاته المتمثلة في أن هناك حاجة إلى ما يصل إلى 500 ألف جندي إضافي، إذا أرادت أوكرانيا تحقيق أهدافها. ويبدو أن هذا الاقتراح غير ممكن مالياً وسياسياً، لذلك أقال زيلينسكي الجنرال وأطلق عملية «إعادة ضبط» للقيادة العسكرية، لكن دون توسيع الجيش أو تقليص أهدافه.
وهناك مشكلة أخرى هي دفع القوات الروسية إلى مواقعها قبل 24 فبراير 2024 على الرغم من صعوبة ذلك بعد مرور عامين على الحرب، حيث إن طرد الإدارات الروسية – بحكم الأمر الواقع – من مناطق في دونيتسك ولوهانسك وجزيرة القرم، التي سيطرت عليها قبل عامين، شيء مختلف تماماً. ويبدو أن حلفاء أوكرانيا الغربيين يفشلون في إدراك هذه الحقائق. وفي ظل إحجام متزايد من جانب الأحزاب اليمينية في الولايات المتحدة وأوروبا عن تحمّل التكاليف، يلجأ الحلفاء بدلاً من ذلك لترديد خطاب الوعد بالانتصار.
وتعهد تقرير رسمي صدر أخيراً، عن وزارة الدفاع الإستونية «بهزيمة نظرية النصر الإمبريالية الروسية»، لكنه فشل في تحديد ما ينطوي عليه ذلك بالضبط. قد يكون حلفاء الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذين يعارضون حزمة المساعدات التي تعثرت في الكونغرس الأميركي مخطئين في الاعتقاد بأن مبلغ 60 مليار دولار لن «يغير الواقع في ساحة المعركة»، فالمزيد من الأسلحة يمكن أن يساعد أوكرانيا في الحفاظ على دفاعها وقوتها، وربما استعادة مزيد من الأراضي.
لكن هذه المساعدات لن تضمن «مصير العالم الحر» أو «إنقاذ الديمقراطية، كما نعرفها»، كما ادعى بعض المشرّعين الأميركيين. وتتمثل المشكلة في أن المزيد من الأسلحة والمساعدات قد يساعد أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، لكن لا توجد ضمانات بأن دولة يبلغ عدد سكانها نحو 37 مليون نسمة، قادرة – في نهاية المطاف – على هزيمة خصم يزيد عدد سكانه على 140 مليون نسمة. إن عدم الإشارة بشكل صريح إلى هذه النقطة قد يضلل أوكرانيا، ويزرع بذور عدم الثقة بين دافعي الضرائب الغربيين.
وعلى الرغم من أن هناك مجالاً لتشديد العقوبات المفروضة بالفعل على روسيا، فإنها لن تتمخض عن بعض التغيير السريع في سياسة الكرملين. ومع بدء الدول الغربية في استهلاك مخزوناتها من الأسلحة والذخائر، هناك أيضاً حد لمقدار المساعدات العسكرية الإضافية.
قد يرى القانون والعدالة أن أوكرانيا تستحق استعادة أراضيها، لكن البراغماتية تشير إلى أن هذا قد يكون هدفاً دموياً، أو حتى غير قابل للتحقيق. ويتعين على الحلفاء الغربيين أن يبدأوا في الاعتراف بمواردهم المحدودة، أو على الأقل حدود ما يمكنهم تقديمه لأوكرانيا.
وهذا يعني أن نكون صادقين في تحديد ما يمكن تحقيقه عملياً، حيث إن الهدف الوحيد المقبول هو «هزيمة» بوتين المطلقة، لكن عندما تعمل القيود السياسية والاقتصادية على الحد من الموارد التي يكون الغرب على استعداد لنشرها، فإن استمرارنا في الإصرار على ذلك قد يدفع كييف إلى الزاوية، ويضطرها إلى الاختيار بين السلام والحرب إلى الأبد، في سعيها إلى تحقيق فكرة غير واضحة عن «النصر».
ومهما كان الأمر غير مستساغ وغير عادل، فإن أفضل نصر معقول قد يتطلب ليس فقط تعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا – بما في ذلك الضمانات الأمنية الجادة – ولكن بعض الاعتراف بأن كييف قد تضطر إلى التخلي عن بعض أهدافها، سواء من خلال وعود بالحياد أو التنازل عن بعض أراضيها، وهذه حبة دواء يجب ابتلاعها على الرغم من مرارتها.
*صحافية ومحللة متخصصة في السياسة الروسية.
عن «سي إن إن»
. تتمثل المشكلة في أن مزيداً من الأسلحة والمساعدات قد يساعد أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، لكن لا توجد ضمانات بأن دولة يبلغ عدد سكانها نحو 37 مليون نسمة، قادرة – في نهاية المطاف – على هزيمة خصم يزيد عدد سكانه على 140 مليون نسمة.