يحل شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ وسط أوضاع مالية “صعبة” تعيش على إيقاعها معظم الأسر المغربية، خاصة أن الغالبية سبق لها التصريح خلال بحوث الظرفية الاقتصادية التي تنجزها المندوبية السامية للتخطيط بشكل دوري بـ”تدهور وضعيتها المالية”، مع مؤشرات متواترة طيلة شهور السنتين الماضيتين بـ”عدم قدرتها على اقتناء سلع مستديمة أو قدرتها على الادخار”؛ ما يعني مباشرة “سقوط” الكثير منها في “إكراهات وحسابات الاقتراض”.
وفضلا عن دورات أزمات اقتصادية ومالية متداخلة ومتشابكة عانتها ميزانيات الأسر كما الأفراد، تزيد العادات الاستهلاكية –الغذائية منها على وجه التحديد – التي تسبق وتتخَلل شهر الصيام من “معاناة” الكثير من الأسر التي تجد نفسها ملزمة بالاقتراض، في ظل تآكل قدرتها على الادخار أو تمويل احتياجاتها بشكل متوازن.
“ارتفاع نفقات الاستهلاك”
تعليقا على الموضوع، قرأ عبد الرزاق الهيري، مدير مختبر “تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية” بجامعة فاس، في معطى “ارتفاع نفقات الأسر المتعلقة بالاستهلاك بشكل ملموس خلال هذه الفترة” بكونه “مرتبطا أكثر بعادات وتقاليد الأسر المغربية التي تستدعي استعدادات غذائية خاصة تتعلق أساسا بنوعية الوجبات التي يتم تحضيرها خلال هذا الشهر أو قبله”.
وأفاد المحلل الاقتصادي، في حديثه لجريدة هسبريس، بأن “شهر رمضان بكل قدسيته يأتي هذه السنة وسط ظرفية اقتصادية لم تعد خافية”، معددا “حلقات مسلسل متواصل من موجات تضخمية عرفتها كل من سنة 2022 وكذا 2023″، مستدركا بالقول: “إلا أن الأرقام الأخيرة لمعدلات التضخم ومكوناته في المغرب تسير في طريق الانخفاض على العموم؛ لكن مع تركها أثرا سلبيا على المؤشرات الاقتصادية الكبرى (الماكرو اقتصادية)؛ وبالخصوص على مستوى الادخار”.
“هذا الشهر يأتي في سياق يعرفُ تدهورا لمؤشر “ثقة الأسر”، الصادر فصليا عن مندوبية التخطيط (مؤسسة رسمية) منذ بداية 2008″، أورد الهيري، الذي أضاف أنه “يجب عدم نسيان معطى دال هو أن الفصل الرابع من سنة 2023 عرَف تسجيل أدنى مستوى وصله مؤشر ثقة الأسر المغربية”؛ وهو ما “يعكس إحساس الأخيرة بتدهور مستوى المعيشة، كما يعكس ظرفية غير ملائمة لاقتناء السلع المستديمة”، حسب المحلل الاقتصادي سالف الذكر.
وتابع الأستاذ الباحث في علوم الاقتصاد بأن “هذا المؤشر كافٍ للتدليل على استمرار تصور غير متفائل للوضعية المالية للأسر، مع تشاؤم سائدٍ فيما يتعلق بالقدرة على الادخار”، لافتا إلى “أثر واضح ناجم عن تزامن كل هذه العوامل”.
“رواج الدورة الاقتصادية”
بالمقابل، لم يتوان عبد الرزاق الهيري في “تأكيد” المبدأ الاقتصادي المعروف بجدلية “العرض والطلب في السوق”، وقال بهذا الشأن إن “ارتفاع الاستهلاك له أثر إيجابي على الدورة الاقتصادية بشكل عام”.
واستحضر المحلل الاقتصادي المغربي ذاته، في هذا السياق، “تحقيق قطاعات وأنشطة التجارة والخدمات (القطاع الثالث) لرقم معاملات مرتفع يسمح للتجار بتحريك عجلة الرواج خلال مثل هذه المناسبات؛ كما يمَكن الدولة من تحصيل الضرائب اللازمة لتمويل النفقات العمومية المتزايدة”.
وخلص المتحدث ذاته مسجلا بإيجابية ما عرفته الأسواق بالمغرب، في الأسابيع القليلة الماضية التي سبقت حلول شهر رمضان، من انخفاض ملموس في أسعار معظم الخضر والفواكه”، معلقا بأنه “مؤشر إيجابي يمكنه أن يسهم في تعويض زيادات الأثمان عند الاستهلاك التي عانت منها الأسر في الفترة الماضية”.
رمضان.. “شهر النفقات”
بدوره، سجل محمد الرهج، خبير مالي محلل اقتصادي، أن “ضُعف الادخار لدى السواد الأعظم من الأفراد كما الأسر المغربية لم يعد يحتاج إلى تدليل أو تفسيرات كثيرة”، معتبرا أن رمضان “ما زال محتفظا بطقوس استهلاكية خاصة، لا سيما في العشر الأيام الأولى التي تعرف تهافتا رهيبا وشراهة في شراء السلع الاستهلاكية”.
وفي إفادات تحليلية بسطها أستاذ الاقتصاد بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، متحدثا إلى جريدة هسبريس، فإن “دينامية الطلب تتفوق وتفُوق العرض، خلال شهر رمضان (النصف الأول على وجه التحديد)؛ ما يجعل الأسرة هي الخلية الأساسية في إنتاج الثروة والقيمة الاقتصادية، عكس الدور المعهود والطبيعي للمقاولات أو القطاع العمومي”.
وتابع الرهج شارحا بأن “نفقات الأسَر المغربية على الاستهلاك تلعب دورا حاسما في تحريك عجلة الاقتصاد؛ لكن في أبعاده الاستهلاكية المتعلقة أساسا بالمواد الغذائية والمأكولات، ثم الملابس مع اقتراب فترة عيد الفطر…”؛ غير أنه أكد أنها أنشطة تجارية واقتصادية ومالية لا تسهم إلا في تقوية الاقتصاد المعيشي”.
وفي تقدير المحلل الاقتصادي، يظل “تحريك الأنشطة الاقتصادية وانتعاش الطلبيات، قبل وخلال وفي نهاية الشهر الفضيل، عنصرين حاسمين يسهمان في إعادة توزيع الدخل والقيمة داخل الدورة الاقتصادية”، مستحضرا صرورة إعادة نظر عميقة وجريئة وموضوعية في “أنماط الاستهلاك لدى المغاربة من زاوية القيَم”.
المصدر: وكالات