بالموازاة مع الاحتفاء الأممي والمغربي بعيد النساء، أبت جمعية صوت المرأة الأمازيغية “إمسلي” إلا أن تستغل هذا السياق بهدف التنبيه إلى الصعوبات التي تواجهها النساء اللواتي يتحدثن الأمازيغية بالمغرب في الولوج إلى مرافق العدالة؛ ما يتنافى وحقوقهن في المحاكمة العادلة.
الندوة، التي جرى تنظيمها بهذا الخصوص تحت عنوان “من أجل عدالة منصفة للنساء الأمازيغيات”، عرفت مشاركة فاعلين وفاعلات في مجال الدفاع عن رسمية الأمازيغية إلى جانب مجال العدالة، حيث رسم مجمل هؤلاء واقعا “أسود” حول استفادة النسوة اللواتي لا يتحدثن بالعربية من حقوقهن في الدفاع عن حقوقهن أمام القضاء الجالس والواقف، على الرغم من مختلف التدابير التي تتحدث عنها وزارة العدل في هذا الخصوص.
“تشريعات خارج الإجماع الدولي”
هشام المستوري أفولاي، إطار بمنظمة “تماينوت”، قال إن “طرح هذا الموضوع، اليوم، يتزامن مع اليوم الدولي للنساء ومع الورش الوطني لتعديل الأسرة، وهي مناسبة لتسليط الضوء على مدى استفادة المرأة الناطقة بالأمازيغية من الخدمات العمومية التي تقدمها الدولة؛ بما فيها خدمات التقاضي، حيث يؤكد الواقع على وجود عراقيل تقف أمام استفادتها من هذه الخدمات”.
وأكد المستوري، ضمن مداخلته، أن “الناطقات بالأمازيغية مقصيات من حقوقهن في التقاضي العادل والسلس، على اعتبار أنهن يبقين مُثقلات باللسان الذي يميزهن عن غيرهن ولا يجدن تداولا للسانهن على مستوى قاعات المحاكم؛ وهو ما يؤثر سلبا على استفادتهن من التقاضي، عكس نظيراتهن اللواتي يتحدثن بالعربية”.
وبيّن المتحدث ذاته أن “هؤلاء الناطقات بلسان أمازيغي يتعرضن للتمييز أولا باعتبارهن نساء، وثانيا باعتبارهن ذوات ميزة لغوية خاصة؛ فهنا نتحدث عن مبدأ المساواة بين الرجال والنساء أولا، وبين اللغات الوطنية ثانيا”، لافتا إلى أن “الدولة أمام تحديات كبرى بهدف إحداث التوفيق بين التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية، فضلا عن الأخذ بعين الاعتبار التوصيات الصادرة عن المنظمات واللجان الدولية”.
وحسب عضو منظمة “تماينوت”، فإن عملية الترجمة لا تعد “أمرا ناجعا”، على اعتبار أنها في نظره “تظل إجراء يمارس أساسا مع الأقليات، وهو ما لا ينطبق مع وضعية الأمازيغية بالمغرب؛ ذلك أننا أمام لغة رسمية وأصيلة”، لافتا إلى أن “التوصيات الدولية تؤكد على ضرورة تحقيق المساواة بين الأفراد في حقوقهم المدنية، خصوصا فيما يتعلق بالعدالة، على اعتبار أنها تتعلق بمسألة ظلم وعدالة”.
نساء “مقصيات” من العدالة
نعيمة الكلاف، محامية بهيئة المحامين بالرباط، قالت إن “معاناة النساء المتحدثات بالأمازيغية في سبيل استرداد حقوقهن تبدأ من مخافر الشرطة، حيث لا يجدن عادة من يفهمهن من الضباط المكلفين بتحرير المحاضر، وبالتالي يجدن صعوبة حتى في تقديم الشكاية؛ وهو ما يمكن أن يُغير من مجرى الشكاية ككل ودفعها حتى إلى التراجع، حتى قبل وصولها إلى المحاكم”.
وبيّنت الكلاف، في مداخلتها، أن “هذه الصعوبات التي تواجهها النساء في هذا الصدد ترتبط بشكل أساسي بالحق في المساواة والمحاكمة العادلة والتقاضي السلس؛ ذلك أن الفصل 118 من الدستور يظل كافلا لحق التقاضي ودفاع المواطنين عن حقوقهم ومصالحهم، فربما موضوع المحاكمة يتم تداوله عادة عند الحديث عن الاعتقال السياسي، في حين لا يتم ذكره بخصوص النسوة اللواتي يلجن إلى قاعات المحاكم لاسترداد حقوقهن”.
وزادت المتحدثة ذاتها: “رغم كل هذه السنوات التي مرت على دسترة الأمازيغية، فإنه تبين أن التنزيل ظل بطيئا، بما في ذلك قطاع العدل، فحتى القانون الأساسي للتنظيم القضائي تحدث أساسا عن العربية فقط فيما يتعلق بتلاوة الأحكام وكتابتها؛ في حين تظل الدولة مدعوة إلى إعادة هيكلة مختلف القوانين والتنظيمات التي تتعلق بعمل المرافق القضائية، حيث في بعض الحالات يكون من شأن اللغة أن تغير مجرى المحاكمة ككل”.
وأبرزت المحامية نفسها أنه “نجد خصاصا في المدركين والمُلمين بالأمازيغية على مستوى كتابة الضبط بالمحاكم، إلى جانب خلايا الاستماع إلى ضحايا العنف، فضلا عن نقص حاد في القضاة والمحامين العارفين بهذه اللغة كذلك، في وقت نجد أن لدينا مترجمين بالمحاكم يدكون يلمون باللغات الأجنبية، في حين لا يدكون لغة رسمية بحجم الأمازيغية”.
وخلصت الكلاف إلى أن “ضعف منسوب اللغة الأمازيغية بالمحاكم المغربية يظل معيقا رئيسيا أمام النساء اللواتي يتحدثن بهذه اللغة، على اعتبار أنهن يرون أنفسهن مقصيات من الدفاع عن أنفسهن بلغتهن الأصلية”، مؤكدة على “ضرورة تكثيف التوظيفات على مستوى المحاكم فيما يخص الأطر الملمة باللغة الأمازيغية؛ وهو ما بإمكانه أن يساهم في تحصين حقوق النساء في التقاضي والمحاكمة العادلة والدفاع عن أنفسهن، ما دام أن ذلك لا يحتاج إلى إمكانيات كبرى”.
المصدر: وكالات