محمد الجلاهمة
تلقت المحكمة الدستورية أول الطعون الانتخابية الذي يطالب بوقف الانتخابات المقرر إجراؤها في 4 أبريل المقبل وبعدم دستورية قانون الانتخاب بعدم دستورية المرسوم لقانون رقم (4) لسنة 2024 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة ـ واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها وقف وبطلان الانتخابات التي تمت الدعوة لها بموجب المرسوم رقم 29 لسنة 2024 والمحدد موعد إجرائها في 4/4/2024.
وقال مقدم الطعن المحامي سعد اللميع في طعنه المباشر بعدم دستورية المرسوم بالقانون رقم (4) لسنة 2024 الصادر في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة لانتفاء حالة الضرورة الموجبة لإصداره والتي تتطلبها المادة (71) من الدستور، حيث صدر المرسوم بالقانون رقم (4) لسنة 2024 في شأن انتخابات مجلس الأمة، وهو بلا ريب مرسوم ضرورة وفقا للمفهوم الدستوري، والمرسوم بقانون لا يجوز له تعديل قانون الانتخاب، إلا أننا نذهب إلى أبعد من ذلك، ونرى أنه لا يجوز للمرسوم بقانون أن يعدل سوى القوانين التي تقر بالأغلبية العادية، كما أنه وأخيرا لا يجوز له الاعتداء على النطاق المحجوز للمشرع.
وردا على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمرسوم بالقانون في شأن النزاع التشريعي الناتج عن إلغاء القانون رقم (35) لسنة 1962 بصدور القانون (120) لسنة 2023 والذي أنشأ المفوضية العامة للانتخابات والتي كان يجب عليها بعد تشكيلها أن تضع لائحة تنفيذية للقانون خلال 6 أشهر من تاريخ العمل بالقانون (تاريخ نشره بالجريدة الرسمية في 27/8/2023 بعددها (1650) ـ وما قيل عن عزوف القضاة عن المشاركة في تلك المفوضية) فإن تلك المبررات لا توفر حالة الضرورة الملحة لإصدار المراسيم بقوانين ـ للآتي:
ـ صدر القانون (120) لسنة 2023 عن مجلس الأمة ـ وهو مشروع قانون حكومي في تاريخ 20/8/2023 ونشر بالجريدة الرسمية في 27/8/2023 وكان لدى الحكومة مدة جاوزت ستة أشهر من تاريخ النشر لتشكيل المفوضية، بل كان مجلس الأمة منعقدا وكان يملك تعديل أي نص شابه شائبة دستورية أو قانونية طوال تلك المدة حيث لم يتم حل المجلس إلا في شهر فبراير 2024.
وفي ذاك الوقت كان المجلس التشريعي صاحب السلطة في إصدار القانون هو من سيقوم بتعديله ـ إلا أن الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء وبإقرارها باعتراض القضاة على الانضمام للمفوضية لما يستلزمه النص من ترك عملهم بالقضاء وان مجلس القضاء أبدى هذا التحفظ ـ فقد عمدت الحكومة إلى التباطؤ في تصحيح ما ادعته من خطأ في القانون 120 لسنة 2023 وإلى ما بعد حل المجلس حتى يتسنى لها تعديل قانون الانتخاب وهو ما ينفي حالة الضرورة.
ونصت المادة (50) من الدستور الكويتي:
«يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل او بعض اختصاصها المنصوص عليه بالدستور».
والمادة (51) من الدستور:
«السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور».
لما كان ما تقدم وبالرجوع إلى النصوص الدستورية المعمول بها وفقا للنظام الدستوري وقانون الانتخاب الكويتي، نجد أن المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2024 قد اعتراه مخالفة دستورية في اعتدائه أو بخلق حادثة كان يجدر على المشرع الاستثنائي ممثلا بالسلطة التنفيذية ألا تتوسع في اختصاصاتها وتترك سبيل التشريع إلى من كلف به وفقا لمواد الدستور وهو مجلس الأمة باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل بالتشريع قبل حل مجلس الأمة مما يتسبب ببطلان مرسوم بالقانون رقم (4) لسنة 2024 لاحتوائه على مخالفات دستورية وخرق لمواد الدستور، حيث إن المشرع الدستوري قد حرص على أن يضع للسلطة الاستثنائية (للحكومة) في التشريع ضوابط وقيود ما يكفل عدم تحويلها إلى ممارسة تشريعية مطلقة فأوجب توافر حالة الضرورة لأعمال هذه الرخصة الاستثنائية بإصدار مراسيم لها قوة القانون وتوافر حالة الضرورة مناط بهذه الرخصة الاستثنائية وعلة تقديرها. واذا كان المشرع الدستوري يتطلب هذه الشروط لممارسة هذا الاختصاص التشريعي الاستثنائي فان رقابة المحكمة الدستورية تمتد إليه للتحقق من قيامه باعتباره من الضوابط المقررة بالدستور لممارسة هذا الاختصاص التشريعي الاستثنائي شأنه في ذلك شأن الشروط الأخرى التي حددتها المادة (71) من الدستور.
وطعن اللميع بعدم دستورية ما جاء بنص المادة (1) من المرسوم بالقانون بشأن تقييد ممارسة حق الانتخاب بالالتزام بالشريعة الإسلامية:
جاء بنص المادة (1) من المرسوم بالقانون (الباب الأول) ـ «الناخبون: لكل كويتي…. ويشترط لممارسة حق الانتخاب والترشيح الالتزام بأحكام الدستور والقانون والشريعة الإسلامية».
وفي ظل وضوح النص بالالتزام بأحكام الدستور والقانون لما يتصف به نصوصهما من عمومية وتجريد وتحديد، ووجود نصوص للرجوع لها ـ إلا أن عبارة الالتزام بالشريعة الإسلامية، فهو مصطلح يشوبه التجهيل وعدم التجديد، وهو ما سبق أن فسرته المحكمة الدستورية بمناسبة الطعن بعدم دستورية نص المادة (1) من قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962 المعدل بالقانون 17 لسنة 2005 التي نصت على «…. ويشترط للمرأة في الترشح والانتخاب الالتزام بالقواعد والأحكام المقررة في الشريعة الإسلامية».
وفي ظل التجهيل الذي اعترى نص الفقرة الأخيرة من المادة (1) من المرسوم بالقانون فقد تم الخروج على تفسير المحكمة الدستورية والتي قررت في الحكم الصادر في الطعن المقيد في سجل المحكمة برقم (20) لسنة 2009 طعون خاصة بانتخابات مجلس الأمة لعام 2009 الآتي:
«وحيث إن الطاعن بنى طعنه ببطلان عملية الانتخاب في الدائرة (الثالثة) وبطلان إعلان فوز المطعون ضدهما الأولى والثانية، وبطلان عضويتهما في مجلس الأمة، على أساس أنهما لم تلتزما بارتداء الحجاب الشرعي، وخالفتا بذلك قانون الانتخاب الذي اشترط للمرأة في الترشيح الالتزام بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية.
وحيث إن المادة (1) من قانون انتخابات أعضاء مجلس الأمة رقم (35) لسنة 1962 المعدل بالقانون رقم (17) لسنة 2005 نصت على أن «لكل كويتي بالغ من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة حق الانتخاب، ويستثنى من ذلك المتجنس الذي لم تمض على تجنسه عشرون سنة ميلادية وفقا لحكم المادة (6) من المرسوم الأميري رقم (15) لسنة 1959 بقانون الجنسية الكويتية. ويشترط للمرأة في الترشيح والانتخاب الالتزام بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية».
وحيث إن البين من عبارة نص الفقرة الأخيرة المشار إليها بالصيغة التي أفرغ فيها أنها جاءت مطلقة، مجملة، دون تحديد تعريف جامع مانع يكون الضابط للمعنى، وأنه وإن وردت عبارة النص بصيغة الشرط، إلا أن جوهر الشرط يحمل في تفسيره أكثر من معنى، وبه خفاء في دلالة المراد منه، فمدلول (القواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية) مدلول عام يستوعب أحكام الدين جميعها، وما يتصل منها بالعقيدة والأخلاق وأفعال المكلفين وتصرفاتهم وما ورد منها بالكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة وما يستنبط منها بالاستناد إلى الأدلة الشرعية الأخرى، كما له مدلول خاص بمعنى الفقه الإسلامي الذي يقتصر على فهم ومعرفة جزء من هذه الأحكام وهي الأحكام الشرعية العملية التي تخص أفعال المكلفين ولا تدخل ضمن أحكام العقائد والأخلاق. ولفظ (المعتمدة) الوارد بهذا النص قد يعني الأحكام القطعية في ثبوتها وفي دلالتها، كما قد ينصرف أيضا إلى الأحكام التي تستنبط بطريق الاجتهاد في نطاق الأحكام الظنية بالاعتماد على الأدلة الشرعية المختلفة سواء المتفق عليها (كالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة)، أو المختلف بشأنها كالاستحسان والعرف متى قام الدليل على اعتبارها، وكانت هناك مصلحة في إتباعها وفقا لما يقدره ولي الأمر.
وحيث إنه يبين من مطالعة مضبطة مجلس الأمة بجلسته المعقودة يوم الاثنين 8 من ربيع الآخر سنة 1426هـ الموافق 16 من مايو سنة 2005 أنه قد عرض عليه مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم (35) لسنة 1962 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة، كان يجري نصه على أن يستبدل بنص المادة (1) من القانون رقم (35) لسنة 1962 المشار إليه النص التالي: «مادة (1): لكل كويتي بالغ من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة حق الانتخاب، ويستثنى من ذلك المتجنس الذي لم تمض على تجنسه عشرون سنة ميلادية وفقا لحكم المادة (6) من المرسوم الأميري رقم (15) لسنة 1959 بقانون الجنسية الكويتية»، ثم تقدم بعض أعضاء مجلس الأمة باقتراح بإضافة الفقرة الآتية في عجز المادة (1) من مشروع قانون الانتخاب المقدم من الحكومة نصها الآتي: «يشترط للمرأة في الترشيح والانتخاب الالتزام بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية»، وبتلاوة المادة بعد إضافة هذه الفقرة إليها تمت الموافقة عليها دون أية إيضاحات أو أي بيان عن سبب هذا التعديل أو القصد منه، حيث صدر بها القانون رقم (17) لسنة 2005 بالصيغة التي أقرها مجلس الأمة، وبمطالعة مذكرته الإيضاحية لتوضيح الأسباب والدوافع التي دعت إلى إصداره بالصورة التي أفرغ فيها لفهم النص واستخلاص إرادة المشرع منها يبين أنها اكتفت بالإشارة في هذا الخصوص إلى أن هذا التعديل جاء حرصا على العادات والتقاليد التي جبل عليها المجتمع الكويتي، وأنه «أخذا بمبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، تضمنت الصياغة الجديدة للمادة أنه على المرأة عند ممارسة حقها في الترشيح والانتخاب، مراعاة الأحكام المقررة في الشريعة الإسلامية».
وحيث إنه من المسلم به في مجال استخلاص الدلالات من النصوص التشريعية أنه إذا احتمل النص أكثر من معنى وجب حمله على المعنى الذي يجعله أكثر اتفاقا مع التشريع الأعلى، وعلى النحو الذي يحمله على أصله من الصحة، وينأى به عن التعارض، حتى ولو كان هذا المعنى أقل ظهورا، وعلى ذلك يتعين أن يكون تفسير هذا النص في إطار المبادئ الحاكمة والأصول الواردة بالدستور ـ نصا وروحا، إعمالا لمبدأ تدرج القواعد القانونية، إذ لا يجوز للتشريع الأدنى مرتبة مخالفة التشريع الأعلى مرتبة، سواء جاءت المخالفة في صورة تقييد ما ورد مطلقا بالأعلى. أو إطلاق ما ورد بالتقييد، والأصل أن الدستور الكويتي لم يجعل الشريعة الإسلامية ـ بمعنى (الفقه الإسلامي ـ المصدر الوحيد للتشريع، أو يمنع المشرع من الأخذ من مصادر أخرى نزولا على أحوال الناس وشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعا، كما كفل الدستور الحرية الشخصية، وأطلق حرية العقيدة، لأنها ما دامت في نطاق الاعتقاد) أي (السرائر) فأمرها إلى الله، ولم يجز التمييز بين الناس في الحقوق والواجبات بسبب الدين أو الجنس.
والحاصل أيضا أن أحكام الشريعة الإسلامية لا تكون لها قوة إلزام القواعد القانونية إلا إذا تدخل المشرع وقننها، وليس لها قوة النفاذ الذاتي والمباشر، وإنما يتعين أن يتم إفراغها في نصوص تشريعية محددة، ومضمون تشريعي محدد يمكن أن يلتزم به كل من المخاطبين بأحكامه والقائمين على تنفيذه وتطبيقه، ولا يتسنى تبعا لذلك مساواتها في الحكم بالنصوص الموضوعية، فالنص الموضوعي يكون نافذا بذاته فيما تضمنه من أحكام موضوعية، وبالتالي فإن النص المشار إليه لا يمكن وصفه بأنه يتضمن حكما موضوعيا محددا، وإنما يعتبر هذا النص وفقا لمضمونه من النصوص التوجيهية، التي ترد مورد الإرشاد والتوجيه، والتي لا يقصد بها الإلزام والوجوب، وهو ما يجد صداه فيما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون في هذا المقام، فضلا عن أنه لا يتصور أن تكون إرادة المشرع قد اتجهت – في إطار هذا النص المجمل القائم – إلى ترك القائمين على تطبيقه وتنفيذه بتقصي هذه القواعد والأحكام غير المقننة، مما قد يؤدي إليه ذلك من اضطراب وتناقض بين هذه القواعد والأحكام بحسب اختلاف وجهات النظر الفقهية».
وإذ كانت المحكمة دافعت عن النص استلهاما منها لحسن نية المشرع وهذا ما لا يجوز في تفسير النصوص القانونية طالما كان النص واضحا جليا إذ كيف يمكن التوفيق بين هذا النص وترشح أحد الإخوة المواطنين من غير المسلمين، إذ كان سيمارس شعائر تختلف مع الشريعة الإسلامية، والنص جاء واضحا في إلزامه المرشح والناخب بالالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية دون بيان تلك الأحكام – متعمدا التجهيل ليكون الإقصاء من الانتخاب أو الترشيح بطريقة تؤدي إلى الاضطراب والتناقض وصولا لمخالفة قواعد الدستور بشأن المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات ومنع التمييز على أساس الدين ـ مما يكون معه النص مشوبا يعيب عدم الدستورية.
ـ طلب مستعجل بوقف مرسوم الدعوة للانتخابات رقم 29 لسنة 2024 بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة:
إذ وبتاريخ 28/2/2024 صدر المرسوم المشار إليه ونشر بالجريدة الرسمية بعددها الصادر بتاريخ 3/3/2024 بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة يوم الخميس الموافق 4/4/2024 ـ وحيث إن الطعن الماثل يضحى غير ذي جدوى إذا ما أجريت الانتخابات في الموعد المقرر لها ـ ما لم تفصل المحكمة الدستورية في الطعن الماثل قبل إجراء الانتخابات ـ إلا أن إجراءات الترشيح والانتخاب ستجري وفق المرسوم بالقانون المطعون فيه وستكون عرضة للبطلان المطلق حال القضاء بعدم دستورية المرسوم بالقانون المطعون فيه، وهو ما يجعل الطلب المستعجل بوقف تنفيذ مرسوم الدعوة للانتخابات قائما على سوقه وصحته ويتعين القضاء به.
بناء عليه
يطلب الطاعن من المحكمة الدستورية القضاء بما يلي:
أولا: بقبول هذا الطعن شكلا.
ثانيا: وبصفة مستعجلة: بوقف المرسوم رقم 29 لسنة 2024 الصادر بتاريخ 28/2/2024 والمنشور بتاريخ 3/3/2024 بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة يوم الخميس الموافق 4/4/2024، وذلك لحين الفصل في الطعن الدستوري الماثل.
ثالثا: وفى موضوع الطعن: بعدم دستورية المرسوم لقانون رقم (4) لسنة 2024 بشأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة ـ واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها وقف وبطلان الانتخابات التي تمت الدعوة لها بموجب المرسوم رقم 29 لسنة 2024 والمحدد موعد إجرائها في 4/4/2024 القضاء ـ وإلزام الجهات المطعون ضدها باتخاذ الإجراءات التصحيحية وفقا لما تقرره المحكمة الدستورية.