الثلاثاء 27 فبراير 2024 – 22:31
لا أقصد حرب رمضان 1973 (6 أكتوبر 1973) وإنما حرب رمضان 2024 القادمة، التي تأتي هذه السنة في ظروف استثنائية من الجفاف وهروب الماء من السدود والفرشات المائية والغلاء ودوخة التعليم والتكوين ومصائب أخرى أتتنا من الخارج كالعادة.
رمضان ركن من أركان الإسلام، الحكمة منه إحساس المسلم الميسور والمستور بأخيه المسلم المحتاج إلى الحد الأدنى من الحياة الكريمة. ثم إنه مناسبة للتخفيف من فعل الشر ماديا ومعنويا. ومن المنطقي أن يبقى مستوى الإنفاق عاديا كما في الشهور الأخرى، إن لم يكن باعثا على الاعتدال وترك الهدر والتبذير.
لكن رمضان في المغرب ولدى بعض الشعوب الإسلامية هو انفجار فجائي للاستهلاك يجعل هذا الشهر مكلفا مرتين أو أكثر من شهر عادي، لماذا؟ للانتقام من حرمان ما بين الفجر والمغرب؟ لتعويض اللذة بمعانيها المختلفة؟ لجعل الليل أكثر متعة من نهارات الشهور الأخرى؟
في الأسبوع الأخير من شعبان، سيشن المغاربة هجمات واسعة على محلات البيع التقليدية والعصرية، وسيشترون بعمى الجوع والحرمان ما يفوق حاجاتهم أضعاف الأضعاف، حتى تحس وكأن البطنة تذهب الفطنة، لا شيء منطقيا في هذا الفعل السوريالي. هذا عما يُشترى يابسا أو قابلا للتخزين والتجميد، أما الطري اليومي فسيساير مضان كل يوم، من فواكه وخضراوات وحليب ومشتقاته وغير ذلك، بسرعة قياسية.
هذا الاستهلاك الزائد عن اللزوم سيمس الشعائر الدينية أيضا، حيث ينخرط جمع كبير من تاركي الصلاة والمهملين للمساجد في حج هائل إلى بيوت الله. سيقول قائل إن ذلك من أمارات التوبة، وربما كان مناسبة لمراجعة الناس لعلاقتهم بخالقهم لعله يغفر لهم إغفالهم لواجباتهم الدينية، لكن مجرد وداع هذا الشهر الكريم يعيد الزمن إلى الوراء، وتهجر المساجد ويترك الدين والسلوك الجميل. وستلمع-كالعادة-نجمة رمضان دون نزاع، النوافل العزيزة المحببة الرائعة، التي تُلبس الناسَ عباءة التصوف بالكمال والتمام، لأن كثرة الصلاة والابتهال والذكر هي مخصوصة بالمتصوفة على مر الأيام، وليس لشهر واحد. ليتضح لمن له بصر وبصيرة أن النوافل عادة أكثر منها عبادة.
في حرب رمضان يجد المغاربة أعذارا قوية للعمل أقل والارتخاء أكثر، في المرفق العمومي والخصوصي، ويجد المدمنون المناسبة الملائمة لتفجير عدوانيتهم، حتى يقال عن المختل في سلوكه منهم: “ما تدّيش عليه راه مقطوع مسكين”. وفي رمضان يموت الصباح ويزدهر الليل، تُقفل المقاهي والمطاعم في النهار وتُفتح الليلَ كله إلا قليلا. وحين يلتحق المغربي بشغله في الصباح يكون ناقصَ نومٍ ومن ثمةَ ناقصَ عطاء ونشاط، فلماذا يبقى الموظف أو العامل ساهرا في المقهى أو في بيته حتى منتصف الليل ثم يتناول سحوره ثم يغفو قليلا قبل أن تناديه الساعة التاسعة مناداة ثقيلة مكروهة؟
رمضان شهر للقيا الله في هدوء الأسنان والأضراس بعيدا عن “بوهيوف” الذي نصنعه بجهلنا، وهو مناسبة لمراجعة الذات والنقص من غلوائها ومن البحث عن المال بالحرام والتقليل من الإساءة للأهل والأحباب والأصدقاء والمواطنين وكل إنسان. هو شهر لقمع الشهوات وتعديل سطوتها والخروج من ازدواجية الأفعال والأقوال والتزام الصراحة والابتعاد عن النفاق والكذب والرياء والتباهي، لعل رمضان يَلبسُ ثوبَ “السِلْم” وينزع عنه دروع وأسلحة “الحروب”.
المصدر: وكالات