لغتان قدرهما واحد: العيش المشترك والتعبير عن الهوية الوطنية المغربيّة الموحدة والجامعة، فهذه كانت هي “المهمة التاريخية” التي أدتها اللغة العربية واللغة الأمازيغيّة في أفق المغاربة؛ فـ”التجاور” خارج مختلف “أشكال الحساسيّة” هو ما بدا “مهما” لبعض الفاعلين استحضاره في اليوم العالمي للغة الأم الذي تحتفل به الأمم المتحدة كل سنة في 21 فبراير منذ إقراره من طرف “اليونسكو” بشكل رسمي سنة 2001.
ومع ذلك، يكتسي مطلب “التمييز الإيجابي” للغة الأمازيغية “الكثير من الأهمية والجدية” بالنسبة للفاعلين في حقل “تمازيغت”، على اعتبار أن “الحيف الذي وقع على هذه اللغة بعد الاستقلال بسبب تبني الدولة النموذج الفرنسي اليعقوبي ما زالت آثاره بادية في الفضاء العمومي”؛ لكن “سوء الفهم”، الذي نجم عن هذا المطلب، استدعى توضيحات دائمة بأن “الأمر لا يقف نقيضا للغة العربية، وإنما يريد أن يكمّلها في إطار المساواة اللغوية”.
“تحذير من الانقراض”
الحسين أموزاي، باحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، قال إن “الدينامية التي عرفها الإدماج الرسمي للغة الأمازيغية في الفضاء العام المغربي تزكي المسار الذي اتخذه المغرب في سبيل تأهيل اللغة الأمازيغية، كلغة أم، منذ خطاب أجدير سنة 2001″، مشيرا إلى “تمكين هذا المسار المغرب ليكون تدبيره فريدا لملف التنوع اللغوي، وتعزيز التعايش مؤسساتيا منذ إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي بدأ عمله سنة 2002”.
ونفى أموزاي، في تصريحه لهسبريس، “وجود حساسية لغوية تجاه اللغة العربية”؛ بل هناك “تعايش”، ومطلب الفعاليات الأمازيغية لتمكين “تمازيغت” من تمييز إيجابي “لا ينطلق من أي نعرة، بقدر ما يمتح من التطور الذي عرفه تدبير الوحدة في إطار التنوع على المستوى الرسمي بالمغرب”، فـ”دسترة الأمازيغية كانت خطوة حاسمة سيعضّدها لاحقا القانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”.
وحذر المتحدث عينه من “كون اليونسكو نبهت إلى اندراج الأمازيغية ضمن اللغات المهددة بالانقراض؛ ما يستدعي الحفاظ على حيوية هذه اللغة الأم واستمراريتها وتعميمها في كل أسلاك ومراحل التعليم أفقيا وعموديا”، مشيرا إلى “ما تعلنه وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بخصوص تعليم الأمازيغية اليوم بنحو 31 في المائة من مؤسسات التراب الوطني؛ هذا عنصر مهم يمكن أن نعتبره أرضية للإسراع في حماية للأمازيغية وحماية للتعايش مع اللغة الرسمية الأخرى”.
“وضع متميز”
فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، قال إن اليوم العالمي للغة الأم يجعلنا “نستحضر الوضع المتميز الذي تقدمه الحالة المغربية، فنحن إزاء لغتي أم: العربية بدوارجها ولهجاتها، والأمازيغية بتلوناتها اللهجية. لذا، فالاحتفاء بهذا اليوم هو فرصة ومناسبة أيضاً لترسيخ هندسة لغوية تؤمن بالتعدد وتؤطره حقوقيا وقانونيا”، مؤكدا “غياب أي إشكال لغوي على مدار التاريخ كما هو الحال اليوم”.
ولفت بوعلي، ضمن تصريح خص به هسبريس، إلى “قدرة المغاربة المتجددة على “تدبير تعدديتهم في تعايش وتوزيع وظيفي بين المكونات المختلفة وفق نسق ثلاثي المكونات: اللغة الجامعة ولغات الهوية ولغات الانفتاح. وقد ظل العمل بهذا المسار، كما توحي به تجربة العصر الوسيط، حتى دخول الاستعمار الذي خلق واقعا صراعيّا مازالت ندوبه حتى يومنا هذا”، وزاد: “المزيد من التعايش ممكن وضروري لو أخرج النقاش من التجاذبات السياسوية”.
ودعا رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية إلى استحضار هذه العناصر، و”استشراف مستقبل اللغات في المغرب انطلاقا من القناعة التاريخية، واستحضار الحالة الدستورية التي منحت المغاربة نصا للتعايش وتنظيم المشترك؛ وهو ما تم القفز عليه في العديد من النصوص اللاحقة في التعليم والثقافة والشأن العام في تحدّ صارخ لثوابت الدولة في واقع الافتراس اللغوي الأجنبي”، مشددا على “وجود الحل في استحضار الحالة الدستورية بعيدا عن المزايدات الإيديولوجية والسياسية وخدمة الأجندات الفئوية”.
المصدر: وكالات