أكدت المملكة المغربية في الدورة العادية الرابعة والأربعين للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي المنعقدة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الأربعاء، أهمية ضمان التشغيل الكامل للمرصد الإفريقي للهجرة الذي يتخذ من المغرب مقرا له، مشددة على الالتزام المتواصل للملك محمد السادس في هذا الصدد، وعلى أهمية التتبع الدقيق لتوصيات تقرير مفوضية الاتحاد الإفريقي ذات الصلة.
ويرى خبراء في مجال الهجرة أن دعوة المغرب إلى التفعيل الكامل لعمل المرصد تترجم رغبته في ربط قضية الهجرة بالتنمية في القارة السمراء، ومساعدة الدول الإفريقية على تدبير هذا الملف الشائك وتقوية موقفها التفاوضي مع نظيراتها الأوروبية.
التجربة المغربية
الحسين بكار السباعي، محام مهتم بقضايا الهجرة، قال إن “المرصد الإفريقي هو عصارة التجربة المغربية الرائدة في الهجرة، وهنا لا بد من العودة إلى تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان والإرادة الملكية لتسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين بالمغرب، خاصة مهاجري جنوب الصحراء، وذلك عبر عملتين سنتي 2014 و2017”.
وأوضح السباعي، في تصريح لهسبريس، أن هاتين العمليتين تؤكدان النظرة والحس الاستباقيين للملك محمد السادس، وتبرزان أن التجربة المغربية رائدة قاريا ودوليا وأن المغرب يسير بخطوات متقدمة من خلال تفعيل الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وإعلان باريس لحقوق الإنسان.
وأضاف أن “المرصد الإفريقي للهجرة، باعتباره أول هيئة للاتحاد الافريقي تتخذ من المغرب مقرا لها، يؤكد أننا في مستوى عدم التموقع في مرحلة الرغبات، وإنما نحن اليوم، خاصة مع موقف المملكة المتميز الذي أكدته خلال الدورة الـ 44 للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي، أمام تجسيد النوايا من خلال الإجراءات وتنزيل استراتيجيات وسياسات قارية موحدة على أساس القاعدة التي تربط الهجرة بالتنمية، حيث يكون التأثير محسوسا ويمكننا من تقييم الأثر لعلاقة الإنسان بالمجال على المستوى القارة السمراء”.
وتفاعلا مع سؤال حول أبرز تجليات أهمية التشغيل الكامل لهذا المرصد، أجاب المحامي ذاته بأن “المرصد سيلعب في حال تشغيله بشكل كامل دورا هاما في مساعدة الدول الإفريقية في تدبير قضايا الهجرة، خاصة في ظل تنامي المخاوف من تزايد حدة الهجرة النظامية من إفريقيا صوب أوروبا على ضوء التحولات الأمنية والجيو-سياسية التي تعرفها عدد من دول القارة”.
كما استحضر المتحدث التقرير الذي قدمه وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، في الدورة الـ 35 للقمة الإفريقية بأديس أبابا، الذي أعده العاهل المغربي باعتباره رائد الاتحاد الإفريقي للهجرة، والذي “يحمل مقترحات مختلفة لتشجيع أو توحيد لم الشمل بين مختلف الجهات الفاعلة التي تنتمي إلى مجالات محددة مدفوعة بديناميات منسجمة، حيث ربط التقرير الهجرة بالتنمية، إذ تعتبر هذه الوثيقة شاملة وذات رؤية وتوجه يصب في معرفة الاحتياجات طويلة الأمد، وتقييم التوقعات، وبالتالي الحصول على استراتيجية تخطيط مناسبة ومتناسقة”.
خارطة طريق
لفت المهتم بقضايا الهجرة إلى أن “هذا التقرير يعتبر خارطة طريق للعمل الجدي لمعالجة معضلة الهجرة برؤية إفريقية مائة في المائة؛ فالمرصد يحتاج إلى تقارير وإحصائيات ودراسات، ويبدو لنا أنه من الصعب الحديث في التفاصيل بالنظر إلى النقص الكبير في البيانات والأرقام على المستوى القاري، غير أنه، وبتفعيل المرصد الإفريقي، فإن توفير البيانات سيكون أولوية للمرصد من أجل العمل بكفاءة، وفهم أفضل للواقع والتصرف وفقا لذلك”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “الملاحظة الميدانية تمكننا من بناء سياسة على أساس حوكمة الهجرة أو الخطوط الرئيسية للنهج لمتابعة وتوجيه وتشجيع ودعم دينامية اقتصادية تحمل تطلعات التقدم الاجتماعي، ولكن اليوم يبقى السؤال المطروح هو: كم عدد المهاجرين على المستوى القاري؟ من أين أتوا؟ وأين هم؟ ومن الضروري أيضا الاهتمام بعاداتهم ومساراتهم الهجرية والمهنية والعائلية المختلفة، وتوقعاتهم وعلاقاتهم مع البلد الأم، لنصل في نهاية المطاف لفهم الواقع بشكل أفضل، لإدراجه ضمن رؤية طويلة المدى بغية إشراك المهاجرين في التنمية القارية والإقليمية والمحلية”.
من جانبه، قال خالد مونة، باحث في قضايا الهجرة، إن “المرصد الإفريقي للهجرة هو آلية سياسية لتوجيه الهجرة على الأقل على المستوى السياسي”، موضحا أن “عدم التفعيل الكامل لهذا المرصد يعني غياب الاهتمام الفعلي بالموضوع من طرف العديد من الدول الإفريقية التي ربما ترى في الهجرة الدولية حلا سياسيا لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها”.
وأشار الخبير ذاته، في تصريح لهسبريس، إلى أن “غياب وضوح الرؤية السياسية في ملف الهجرة ستبقى معه الدول الإفريقية تحت ضغط الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني فقدان الدول الإفريقية الفرصة الحقيقية لفرض نفسها في هذا الملف عن طريق موقف موحد تجاه السياسات الأوروبية في هذا الملف، حيث أضحت الهجرة اليوم واحدة من أكثر القضايا إثارة للانقسام السياسي بين الدول”.
وخلص مونة إلى أن “الهجرة كانت حلا للأزمة التي تعيشها بلدان الانطلاق كما هو الحال بالنسبة للمغرب في فترة الستينات والسبعينات، إلا أن المملكة المغربية اليوم، ومن خلال دعوتها إلى التشغيل الكامل للمرصد الإفريقي للهجرة، فإنها تبحث عن بناء تحالف إفريقي للهجرة؛ لأن هذا التحالف يُقوي وضعها مع الشركاء الأوروبيين”.
المصدر: وكالات