انتقد الكاتب طالع السعود الأطلسي هرطقات الإعلام الجزائري وتقلباته تفاعلا مع تأجيل زيارة وزير الخارجية الإسباني خوصي مانويل ألباريس للجزائر، مستحضرا تعطيل إمكانية إنعاش العلاقات مع الجارة الإيبيرية خدمة لمصالح الشعب الجزائري في استقطاب التعاون الدولي، جراء إقحام قيادة الجزائر المغرب في علاقاتها مع إسبانيا.
وأضاف الأطلسي، في مقال توصلت به هسبريس معنون بـ”عداوة المغرب.. فزّاعة حكام الجزائر ومَغنمهم”، أن العداوة المزمنة في سياسات حكام الجزائر ضد المغرب هي قرار بِوقع ارتدادي يضر باقتصاد الجزائر وحياة المواطن الجزائري، ولكنها القيادة نفسها، التي تدير البلاد بتنمية الخصاصات فيها، من الخصاص الديمقراطي إلى الخصاص في مقومات العيش من تغذية وشغل وصحة..
نص المقال:
وزير الخارجية الإسباني السيد خوصي مانويل ألباريس كان يُفترض أن يزور الجزائر، رسميا، الاثنين الماضي. لكن قبل 12 ساعة من موعد الزيارة أعلن عن تأجيلها من الجزائر، وراج أنّ ذلك بسبب الأجندة الجزائرية. الصحافة الجزائرية، الاثنين نفسُه، “ستُصَحِّح” الخبر، لتشرح بأن الإعداد للزيارة لم يستكمل ترتيباتها وموضوعاتها. الإعلام الجزائري نفسه سيقول إن المأمول من تلك الزيارة كان هو “طيّ صفحة انحراف إسبانيا عن حيادها في قضية الصحراء”، بإعلانها دعم الموقف المغربي. معْنى ذلك أن السيد ألباريس، في ظن حكام الجزائر وإعلامهم، كان سيزور الجزائر ليس لبحث مُتَعلِّقات العلاقات الإسبانية الجزائرية، ولكن لوضع العلاقات الخارجية الإسبانية، ومواقفها فيها، في جدول مباحثاته مع الخارجية الجزائرية. الدولة الإسبانية “لا ترضِع أصبُعَها”، ويبدو أنها أفصحت لمُحاوريها في الجزائر أنها مُتمسكة بصفحة علاقاتها مع المغرب، كما هي، وامْتنعت عن فتحها في الجزائر، فأجّلت الخارجية الجزائرية الزيارة إلى أجلٍ غير مسمّى، وذلك يعني أنها ألْغتْها.
واحد أو أكثر في قيادة الجزائر وفي مكاتِبها ومواقِع القرار فيها يسْتصْغر أو يستصغرون إسبانيا، ويتصوّر أو يتصوّرون فرض مُراعاتها لغضبهم من انْحيازها لمُناصرة المغرب في حقه الوطني التاريخي، وخضوعها لتهديداتهم. ولا ذلك الواحد أو أولئك الكثر في قيادة الجزائر لاحظوا أن إسبانيا دولةٌ ذات سيادة، وتتخذ قراراتها وهي واعيةٌ وصاحيةٌ لمصالحها. لها مُقومات الدّفاع عن سيادتها في قراراتها، ولها مكانتُها المُميزة في الاتحاد الأوروبي بما يجعلها لا تُبالي بغضب حُكّام الجزائر. قبل عشرين شهرا استدعوا سفيرهم في إسبانيا للتشاور غضبًا من تصريح الحكومة الإسبانية بكون مُقترح الحكم الذاتي المغربي، ضمن السيادة المغربية، هو “القاعدة الأكثر جدية، واقعية ومصداقية”. وبعد أشهر قليلة عيّنوا سفيرا جديدا لهم في مدريد دون أن يعْتذر لهم أحد في إسبانيا أو أن تتوسّل إليهم خارجيتها. الغضب كان مُجرد ضجيج بلا وقع على القرار الإسباني.
وها هم في قيادة الجزائر، مرة أخرى، يُقحمون المغرب في علاقاتهم مع إسبانيا، فيعَطّلون إمكانية إنعاش علاقاتهم معها. إنعاش يفترض أن يخدم مصالح الشعب الجزائري في استقطاب التعاون الدولي، وخاصة مع الجارة المتوسطية إسبانيا، لحاجات وحاجيات تنموية.. ولمُجرّد مُعاداة المغرب ومُطاردة شَبَحه الذي تراه القيادة الجزائرية حواليْها، في وهْمها وفي كَرْهِهَا، ولا يهمها أن يُكلِّفها ذلك خسائر سياسية واقتصادية واستراتيجية.. يُؤدِّيها الشعب الجزائري، في شكل الإضرار بطُموحاته في التقدم وبحقوقه في التنمية وفي أن تكون الجزائر فاعلا إيجابيا، مغاربيا وإفريقيا، تنتصر للسلم وللتعاون بين شعوب ودول منطقتها وقارتها، لا مُنتجة للأحقاد والتوتُّرات والحركات الانْفصالية في جِوارها وضدَّ مَصالح شَعْبِها.
مجلة “ذومارتيم إكزيكيتيف” الأمريكية، المُختصة في الأخبار والقضايا البحرية، نشرت مقالة، في عددها ليوم 4 فبراير الجاري، عنْوَنَته بـ”الجزائر جدُّ متضررة بمقاطعتها للموانئ المغربية”.. هي نفس السياسة العدائية للمغرب التي تُكلِّف الاقتصاد الجزائري خسائر كبيرة، ومع ذلك تُمعن قيادة الجزائر في اقْترافها ولا تُبالي بأضرارها على الجزائر من نوع إغلاق حدودها مع المغرب، البرية، الجوية والبحرية، بما يقطع على الجزائر شرايين التعاون الاقتصادي الممكن، الذي يتغذى من رصيد تاريخ الكفاح المشترك ضد الاستعمار ويفترض أن يمْتلئ بالتطلعات، الممكن أن تكون مماثلة ومتضامنة، لمُستقبل التقدم للشعبين وللمنطقة المغاربية عامة.
السلطات الجزائرية كانت قد مَنعت على شركات النَّقل البحري دخول الموانئ الجزائرية إذا كانت قد مرت من الموانئ المغربية، خاصة ميناء “طنجة المتوسط”، هذا يعني أن السّلع التي كانت تحملها ممنوعة من الدخول إلى الجزائر. وقد تردّد أن تلك السلطات تراجعت عن قرارها لما لاحظتْه من صُعوبة تنفيذه ولما تبين لها من أضراره على الاقتصاد الجزائري، هي التي تصوَّرت توَقُّف المنحى التصاعُدي للنجاح الاقتصادي وللكفاءة المينائية لميناء “طنجة المتوسط”، لكنها ستعود لتنْفي، وبشدة، شائعات تراجُعها عن قرارها. إنها تُعانِد خسائرها ولا تُبالي. أما ميناء “طنجة المتوسط” فقد حقق سنة 2023 رقما قياسيا ومُؤشِّرا عاليا على فعاليته، حققه أربع سنوات قبل توقعات المنحى التصاعدي، بحيث شغل 95 في المائة من سعته لتستوعب 8,6 ملايين حاوية، ما يُعادل زيادة قدراته بنسبة 13 في المائة قياسا إلى حصيلة سنة 2022، كما لاحظت المجلة الأمريكية.
بينما عرف توصيل السلع إلى الجزائر، بتجنب ميناء “طنجة المتوسط”، ارتفاعا في كُلفة نقلها، انعكس ارتفاعا في سعر تلك السلع، وحتى ولّد ذلك اضْطرابا في استيراد بعضها، وأحدث خصاصا في إمداد السوق الجزائرية خاصة باللحوم والحبوب، يُضاف إلى الأزمة البنيوية لتلك السوق في توفير المواد الغذائية الأساسية مثل السكر، الحليب، البيض وغيرها.
إنه قرار سياسي أملته العداوة المزمنة في سياسات حكام الجزائر ضد المغرب. قرار بِوقع ارتدادي ضار باقتصاد الجزائر، ويسري تعقيدا، آخر، في حياة المواطن الجزائري. ولكنها القيادة نفسها، التي تدير البلاد بتنمية الخصاصات فيها، من الخصاص الديمقراطي إلى الخصاص في مقومات العيش، من تغذية، وشغل، وصحة و… حتى الخصاص في المعنويات بالضغط السياسي والاقتصادي على الآمال. وبالجملة هي قيادة يسكنُها الجنرالات، بُعيْد تحرير الجزائر، ويُديمون نفوذهم فيها لضمان الانفراد بمغانمها. ومنذ ذلك التاريخ وهم يشهرون فزاعة “تهديد المغرب لأمن الجزائر”، وأن “الجيش الوطني الشعبي” هو الضرورة الأمنية والسياسية لحماية الجزائر، ويمارسون ضد المغرب سياسات العداوة في كل المجالات، ومنها معاكستهم لحقه الوطني في وحدة أراضيه، ومنها المُشاغبة ضده بما استطاعوا من إعلام تحريضي ومن قرارات سياسية أو اقتصادية حتى لو أن المُتضرر الأول منها هو الجزائر. في مثل هذه الحالة قالت العرب قديما: “يَداك أوْكتا وفوك نَفَخ”. اللهم لا شماتة، وعسى الله أن يرفع عن حكام الجزائر غشاوة هذه العداوة التي لن تنفع مستقبل الجزائر ولم يكن لها مبرر من التاريخ.
المصدر: وكالات