مازالت فرنسا، على غرار دول صناعية كثيرة، تعيش خصاصا كبيرا على مستوى القطاع الصحي، وتضع نصب أعينها المغرب، وباقي بلدان شمال إفريقيا، لسد هذا الخصاص بأطر طبية وتمريضية، بما أن السلطات العليا في الجمهوريّة أعلنت أن الحكومة تعتزم استقدام أطر طبية جديدة من الخارج أمام النقص الذي “جعل العديد من المواطنين في فرنسا لا يجدون أطباء”.
وأعلن غابرييل أتال، رئيس حكومة باريس، أنه سيتم تعيين “مبعوث مسؤول لجلب أطباء أجانب إلى التراب الفرنسي وتسهيل تعرفهم على النظام الصحي لهذا البلد الأوروبي”، لكن الفعاليات الطبية المغربية وجدت أن فرنسا تتجه لطرح “مشكلة أخلاقية”، حسب توصيف كريستين سان بيير، وزيرة العلاقات الدولية والفرنكوفونية بحكومة الكيبك سابقا، في مقال لها تحدثت فيه عن إفراغ الدول النامية من أطبائها.
نقابات صحية تخوفت من تنامي هذه الظاهرة على هامش ورش الحماية الاجتماعية، لا سيما وأن “المارد الفرنسي”، إلى جانب الألماني والكندي، يعدّ من أبرز الوجهات التقليدية التي يقصدها الأطباء المغاربة الذين تخرجوا في جامعات وكليات المغرب، وهو ما أطلق تحذيرات بهذا الخصوص، لكون “جاذبية الوظيفة الصحية مازالت تشكو من خصاص كبير، لا سيما وأن العديد من الخريجين رفضوا المشاركة في المباريات التي تعلن عنها الوزارة”، وفق فعاليات نقابية.
مصداقية مغربية
محمد وردي، الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للصحة، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، قال إن “فرنسا مازالت تراهن على التكوين الجيد الذي يستفيد منه الأطباء المغاربة، والذي يحظى بمصداقية كبيرة على المستوى العالمي”، مؤكدا أن “المغاربة يوجدون ضمن هذه السياسة الجديدة لفرنسا بلا شك، وبالتالي الحل بيد الدولة المغربية، في شخص وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، لتوقف هذا النزيف”.
وفي الوقت الذي اعترف فيه الوزير خالد آيت الطالب بأن “إيقاف الهجرة صعب، بسبب الإغراءات المالية الكثيرة التي يتعرض لها الأطباء من قبل دول متقدمة صناعيا”، أشار الوردي، ضمن تصريحه لهسبريس، إلى أن “من الضروري أن نشتغل على تحفيزات وعلى بدائل”، مشددا على أن “الاشتغال في المغرب يمنح شعورا بالانتماء، وبالتالي علينا أن نشتغل على هذه النقطة. الطبيب المغربي سيظلّ غريباً وأجنبيّا وهو في دولة أخرى”.
“قطران بلادي ولا عسل بلادات الناس”؛ بهذا المثل الشعبيّ أراد القيادي النقابي أن يفسر عنصرا أساسيّا من الحكاية: “تقوية الانتماء من خلال توفير الشروط التي تجعل الطبيب لا يفكر في المغادرة”، مبرزا أن “فرنسا ستواصل الرّغبة في اختراق الأنظمة واستدراج الأطباء من دول عديدة، من ضمنها المغرب، ولكننا نعرف أن نسبة مهمة من هيئة الطب حين تكون لها الإمكانيات تعود إلى المغرب لفتح عبادات خاصّة”.
وخلص إلى أن “الورش الملكي المتعلق بالحماية الاجتماعية رهين بتوفّر موارد بشرية كافية، خصوصاً الأطباء، وبالتالي لا يمكننا أن نسمح بهجرة الأطباء نحو فرنسا، في وقت يعيش فيه القطاع الصحي حول العالم خصاصاً كبيراً وهناك أنظمة صحية أنهكتها جائحة كورونا”، مسجّلا أن “الطّبيب لديه مكانة اعتباريّة، يجبُ أن تكون في قلب رؤية استراتيجيّة واضحة تعيد بناء تصوّرنا لملف الهجرة”.
سياسة تحصينية
حمزة الإبراهيمي، عضو النقابة الوطنية للصحة العمومية، قال إن “النقابة مازالت تنظر لهذا الموضوع بحساسية كبيرة، لكون عمليات الاستقطاب من الخارج لها سياق تاريخي متحكم فيها، لأن القطاع الصحي لم يكن من الأولويات الحكومية طيلة عقود طويلة”، مشيرا إلى أن “التكوين الجيد الذي تخضع له الكفاءات المغربية يثير الإعجاب في فرنسا وفي أوروبا كاملة، بل وحتى في أمريكا الشمالية ومناطق أخرى”.
وأوضح الإبراهيمي، في تصريحه لهسبريس، أن “المجال يحتاج اليوم إلى سياسة ناجعة لكي نعالج مواطن الخلل، لكون المغاربة في حاجة حاليا وبإلحاح إلى الأطباء أكثر من أي وقت آخر. وهذا الموضوع يجب أن يظل حاضرا على طاولة الحوار الاجتماعي القطاعي”، مؤكدا أن “تعزيز مناصب الشغل من خلال تقطيع مجالي عادل ووضع خريطة صحية متوازنة جغرافيا، هو ضمن المداخل لخلق الاستقرار الوظيفي في المجال الصحي”.
وأشار المتحدث إلى “التطورات التي يعرفها القطاع بحكم العناية الملكية”، لافتاً إلى “ضرورة إيجاد توليفة تعتبر مخرجاً لهذا المُشكل الذي يأتينا من الخارج، ولكن أيضاً للمشاكل الداخلية التي تعرفها منظومتنا الصحية”، وختم قائلا: “بهذا المعنى، فرنسا وغيرها ستستمر في استدراج ما تسد به خصاصها ولو على حساب السيادة أو الأمن الصّحيين للبلدان الأخرى، وهذا المعطى يظل حاسما وأساسيا، علينا التعامل معه بالجدية المطلوبة”.
المصدر: وكالات
