استحضر الباحث المغربي محمد شقير ازدواجية المواقف التي يتخبط فيها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فما كان يحلم بالانضمام إلى حكومة أخنوش غدا ملوحا بضرورة تحريك ملتمس الرقابة وإسقاطها.
وأضاف شقير ضمن مقال توصلت به هسبريس معنون بـ”القيادة الاتحادية بين التعديل الحكومي وإسقاط الحكومة”، أن هذا التغيير في المواقف يثير التساؤل عن الأسباب الحقيقية التي دفعت القيادة الاتحادية إلى تبني هذا “الموقف الشرس” من حكومة أخنوش بعدما تودد لها طيلة بداية تدبيرها للشأن العمومي.
وهذا نص المقال
دعا المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في بيان اجتماعه ليوم الثلاثاء 5 شتنبر 2023، إلى ضرورة إجراء تعديل يمكنه من الانضمام إلى حكومة أخنوش وهي في منتصف ولايتها بعدما طالب بالانضمام إليها وهي في بداية تشكلها. ليطالب في اجتماع مجلسه الوطني المنعقد في 27 يناير 2024، بإسقاط نفس الحكومة التي كان يرغب في الانضمام إليها من خلال التلويح بملتمس رقابة؟؟؟!! الشيء الذي يفضي إلى التساؤل عن الدواعي التي تدفع بقيادة هذا الحزب إلى نهج هذا التحول في الموقف السياسي من النقيض إلى النقيض
الرغبة في الانضمام للحكومة
يبدو أن هناك عدة عوامل ثاوية وراء التشبث بهذه الرغبة السياسية لدى قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الانضمام إلى حكومة أخنوش من بينها:
– الحفاظ على تماسك القيادة الاتحادية وضمان حفاظ ولاء مكونات الأجهزة القيادية للكاتب الأول للحزب. إذ ينبغي التذكير أن شرعية رئاسة إدريس لشكر لولاية ثالثة تقوم على تحقيق مكاسب سياسية تتمثل في حقائب وزارية ضمن حكومة أخنوش. حيث أن توقع الحزب لأي تعديل قد تشهده حكومة عزيز أخنوش سواء بشكل موسع أو بتعيين بعض كتاب الدولة، دفع الكاتب الأول للاتحاد، إدريس لشكر، إلى الإعلان أمام “النواة الصلبة من المكتب السياسي” احتمال دخول الحكومة، بعد انتهاء نصف ولايتها في أبريل الماضي.
– تركيز البرنامج الحكومي في مرحلته المقبلة على إنجاز المشروع الملكي حول الحماية الاجتماعية كالسجل الاجتماعي والتغطية الاجتماعية، حيث يرى الحزب أنه المؤهل لتنزيل مثل هذه المشاريع نظرا لحسه الاجتماعي ورفعه شعار الدولة الاجتماعية، حيث يعتبر أن هذه القرارات تدخل في عمق مشروعه السياسي “كحزب ديمقراطي اشتراكي دافع ولا يزال يدافع عن تحقيق هذا التحول الجوهري في الدولة وفي المجتمع”.
– الوضع المتذبذب للحزب داخل المشهد السياسي، بعدما خفَّف من حدة انتقاداته لحكومة أخنوش، وبعدما رفض أي تنسيق مع باقي فرق المعارضة حيث عمد إلى تغيير اسم فريقه بالبرلمان إلى “الفريق الاشتراكي/ المعارضة الاتحادية”. وبالتالي فحالة التهدئة التي مارسها هذا الحزب المتموقع في المعارضة تجاه حكومة عزيز أخنوش، رغم أنه يملك أكبر فريق برلماني معارض ويتوفر على أذرع نقابية ومدنية، التي تمكنه من إرباك عمل الحكومة، تعكس رغبة سياسية وربما شخصية في مقايضة هذا الموقف السياسي بأية إمكانية للانضمام للحكومة وبأي شكل من الأشكال.
– اهتبال الظرفية الاقتصادية والاجتماعية المواتية التي تتميز بوقع أزمة التضخم وارتفاع كبير في أسعار المواد الاستهلاكية واستمرار ارتفاع أسعار المحروقات، بالإضافة إلى إضرابات أساتذة التعليم التي قد تساعد على إجراء تعديل حكومي، يسمح بانسلال بعض أعضاء هذا الحزب للحكومة كمحاولة لاحتواء وطأة الانتقادات الحادة الموجهة لحكومة أخنوش سواء في ضعف التواصل أو في ضعف بعض الوزراء في تدبير قطاعاتهم.
– الرغبة في إسقاط الحكومة
طالب حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في اجتماع مجلسه الوطني المنعقد يوم السبت 27 يناير 2024 “ببناء جبهة للمعارضة من أجل حماية التوازن المؤسساتي وصيانة الخيار الديمقراطي في البلاد في مسعى لإسقاط الحكومة” ملوحا بضرورة تحريك ملتمس للرقابة مما يثير التساؤل عن الأسباب الحقيقية التي دفعت القيادة الاتحادية إلى تبني هذا “الموقف الشرس” من حكومة أخنوش بعدما تودد لها طيلة بداية تدبيرها للشأن العمومي.
– الفشل في الانضمام للحكومة
دعا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى توفير شروط تقديم ملتمس رقابة بالنسبة لمجلس النواب، تمهيدا لإسقاط الحكومة، من خلال تفعيل الفصل 105 من الدستور مما يعكس يأس القيادة الاتحادية من أي انضمام لحكومة أخنوش في إطار أي تعديل مرتقب. ولعل هذا ما عبر عنه أحد نواب حزب التجمع الوطني للأحرار المتصدر للحكومة، الذي صرح لأحد المواقع الإلكترونية بما يلي: “إن هذه المبادرة جاءت من حزب نحترمه بحكم تاريخه، وهو الذي عبر عن رغبته في الانضمام للحكومة مباشرة بعد الانتخابات؛ وأكد هذه الرغبة في الكثير من المناسبات؛ آخرها قبل أسابيع، حين اعترف بأن الحكومة تقوم بمجهود وأنه لا يوجد مبرر لبقائه في المعارضة دون مساندتها… فإذا بنا نتفاجأ بمثل هذه الدعوات غير المفهومة”.
وتساءل هذا البرلماني التجمعي مستغربا عن “ماذا تغير بين الأمس واليوم لدى حزب الوردة؟ هل لأن الأغلبية لم تستجب لرغبته في الانضمام للحكومة وبذلك شرع في ممارسة الشطط والتشويش على مكوناتها بمثل هكذا مبادرات؟ أم أن رئيس هذا الحزب له أهداف سياسية ضيقة من وراء كل هذا؟”، مردفا “الواضح من كل هذا أن هذا الحزب يعيش ترددا واضحا، بحيث أنه يساند الحكومة منذ بدايتها ومنذ أسابيع قليلة؛ وإذا به اليوم يخرج بمثل هذه الدعوات”.
– التشويش على الحكومة
على الرغم من الظرفية الاقتصادية والسياسية الصعبة التي واجهت حكومة أخنوش منذ توليها تدبير الشأن العام المتمثلة في المخلفات الاقتصادية والاجتماعية للوباء، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية بالإضافة إلى استمرار الجفاف وتداعيات زلزال الحوز المدمر، فقد أظهرت الحكومة عن مثابرة في تدبير مختلف هذه الأزمات، في الوقت الذي واصلت فيه تنزيل بعض الأوراش الاجتماعية خاصة ورش الحماية الاجتماعية ومحاولة احتواء احتجاجات قطاعات اجتماعية خاصة الإضرابات غير المسبوقة لنقابات وتنسيقيات التعليم وكذا احتجاجات قطاع الصحة.
وبالتالي فتلويح القيادة الاتحادية بملتمس الرقابة لإسقاط الحكومة في هذه الظرفية الاقتصادية والمناخية والاجتماعية الصعبة لا يمكن إلا أن تحركه حسابات سياسية تروم التشويش على عمل الحكومة وإرباك تدبيرها لمختلف هذه الأزمات. ولعل هذا ما عبر عنه حمادي توحتوح، عضو فريق حزب التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب؛ الذي أشار إلى أنه “في ظل حكومة تدبير الأزمات المختلفة وتنجح في الوفاء في التزاماتها وتسير بخطوات ثابتة في ظروف جيوسياسية ومناخية صعبة، يعتبر طرح مثل هذه المبادرات تشويشا على العمل الذي يتم القيام به على كافة الأصعدة” إذ أن طرح هذه المبادرة في وضع مثل الذي نعيشه وفي ظل حكومة مثل هذه؛ فالأمر غير مفهوم، والمصلحة الوطنية تقتضي من الحزب الذي فشل في الانضمام للحكومة العمل على توفير مزيد من شروط النجاح في ظل الظروف الجيوسياسية والمناخية الصعبة التي تفرض علينا العمل جميعا لخدمة الوطن”، مؤكدا أنه إذا كان تقديم ملتمس رقابة يعتبر آلية ديمقراطية دستورية يمكن اللجوء إليها من طرف مكونات المعارضة والأغلبية إذا توفرت مبررات؛ من قبيل فشل الحكومة وإخلالها بالتزاماتها، فلجوء حزب من حجم الاتحاد الاشتراكي اليوم إلى تبنى مثل هذه المبادرة وهو يعلم تماما أنها لن تنجح لأن الأغلبية البرلمانية والحكومية منسجمة وقوية، سيكون الغرض منه “التشويش والضغط على الحكومة ولأسباب خاصة”.
– تقوية موقع الحزب داخل المعارضة
يبدو أن القيادة الاتحادية بعدما يئست من أية إمكانية للانضمام لحكومة أخنوش، تحاول جاهدة العمل على تقوية تموقعها داخل المشهد السياسي من خلال التنسيق مع حزب التقدم والاشتراكية، حيث اتفق نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وإدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال لقاء جمع بينهما على إمكانية “تحالف سياسي” بينهما من خلال تشكيل لجنة مشتركة بين المكتبين السياسيين للحزبين، قصد تقديم تصور عام حول محاور وبرنامج عملهما المشترك. ولعل القيادة الاتحادية كانت تتغيا من خلال هذا التنسيق السياسي مع حزب التقدم والاشتراكية إنشاء تكتل يساري معارض يمكن الحزب من تقوية موقعه داخل المعارضة التي تعاني مما أسماه الحزب بتغول الأغلبية داخل البرلمان. ولعل هذا ما عبر عنه الكاتب الأول للحزب خلال الاجتماع الأخير لمجلسه الوطني حيث أشار إلى أن دعوة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لتحريك ملتمس الرقابة تأتي ردا على “محاولات الحكومة إفراغ المؤسسة التشريعية من محتواها وتعطيل أدوارها، خاصة في ظل تهرب رئيس الحكومة ووزرائها من جلسات المساءلة الشهرية والأسبوعية”. إذ يسعى الاتحاد الاشتراكي للاستفادة سياسيا من موقعه داخل البرلمان مما أسماه تخبط أحزاب الأغلبية، خصوصا تلك التي سقط بعض أعضائها بين يدي القضاء بتهم الفساد. حيث يريد الحزب إظهار نوع من الشراسة السياسية في معارضة الحكومة، مركزا على الأثر السياسي الذي سيخلفه هذا الملف على اختيار الناخب المغربي في الاستحقاقات المقبلة. وقد لجأت القيادة الاتحادية في هذا السياق إلى نفض الغبار على خطاب سياسي تمرس عليه الاتحاديون في سنوات الستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من قبيل حكومة المخزن، والهيمنة… وهكذا عبر لشكر، في كلمته أمام المجلس الوطني عن رفضه هيمنة وتحكم الأغلبية، مشيرا إلى أن “المكونات المشكلة لتحالف حكومة المخزن على المستوى المركزي، وفي الجهات والأقاليم والعمالات والجماعات، تسعى إلى تكريس منطق الهيمنة والتحكم، رغم انعدام التجانس بين هذه المكونات وتعارض مصالحها في العديد من الأحيان”. لافتا إلى أن “شدة التغول الذي وصلت إليه حكومة المخزن، تتجلى في تغولها حتى على مؤسسات الدولة”.
– استعداد الحزب للاستحقاقات القادمة
يبدو أن الأحزاب الكبرى خاصة داخل الأغلبية الحكومية ترنو وهي في منتصف ولايتها إلى الاستحقاقات القادمة: فحزب التجمع الوطني للأحرار يعمل جاهدا لتصدر المشهد الحزبي لسنة 2026 من خلال مواصلة تنظيم الدورات واللقاءات الجهوية بكل جهات المملكة، في حين أن حزب الأصالة والمعاصرة بدأ يخطط للمحطة الانتخابية المقبلة بالتحضير لقيادة جديدة في المؤتمر الوطني شهر فبراير الجاري، لتجاوز صعوباته الداخلية وتجاوز قضايا الفساد التي التصقت ببعض أعضائه. ولعل وعي القيادة الاتحادية بهذا الوضع، في سياق الضعف السياسي الذي تعاني منه أحزاب المعارضة داخل البرلمان، دفعها بلا شك إلى محاولة استرجاع الحزب موقعه داخل المشهد السياسي، سواء من خلال الانفتاح على أحد مكونات المعارضة المتمثل في حزب التقدم والاشتراكية أو من خلال إعادة ترتيب بنيته التنظيمية الداخلية. وبهذا الصدد، صرح الحبيب المالكي، رئيس المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، “أن حزبه يعيش تحولا سيفتح آفاقا جديدة من بينها كل ما له علاقة بترسيخ التنظيم على المستوى القطاعي والوطني، وأيضا على المستوى الجهوي”. ووفق هذه الرؤية أيضا تؤكد قيادة الحزب أن المبادرات التي سيقترح العمل عليها مستقبلا، تتعلق بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشعب المغربي، خاصة الفئات المسحوقة والمتوسطة والتي تضررت كثيرا من سياسة هذه الحكومة، إلى جانب المبادرات السياسية التي يتم الاشتغال عليها والتي تهم الإصلاح المؤسساتي والسياسي.
وبالتالي، فتلويح قيادة الحزب بملتمس الرقابة لإحداث رجة داخل المشهد السياسي، يمكن تأويله من واجهتين:
– الأولى اعتبار هذا التلويح آخر محاولة تقوم بها القيادة الاتحادية للضغط على رئيس الحكومة لضم هذا الحزب إلى حكومته تفاديا لأي إزعاج سياسي مقبل، وذلك من خلال تعيين بعض قيادييه في وزارة التربية والتعليم للتغطية على الأزمة التي عرفها هذا القطاع أخيرا خصوصا وأن هذا التعيين لن يؤثر على التوازن داخل الحكومة، بحكم أن بنموسى يبقى وزيرا تقنوقراطيا لا ينتمي لأي من الأحزاب الثلاثة المكونة للحكومة
– الثانية اعتبار هذا التلويح شعرة معاوية التي قطعها الحزب مع الحكومة، وإشارة سياسية على دخول الحزب في تنافس انتخابي محموم في أفق الاستحقاقات القادمة التي ستجرى بعد سنتين الشيء الذي قد يتماشى مع رغبة صانع الخرائط السياسية المقبلة التي تتطلب إيجاد بديل سياسي يمكن أن يؤثث المشهد السياسي المقبل.
المصدر: وكالات