بينما يتركز قدر كبير من اهتمام العالم على الحرب الانتقامية المستمرة في غزة، فإن قضية عنف المستوطنين الإسرائيليين المتصاعد ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، التي تحتلها إسرائيل لم تعد تُذكر إلى حد كبير، ولكن يوم الخميس، كشفت إدارة بايدن عن أمر تنفيذي يفرض عقوبات مالية جديدة على المستوطنين الإسرائيليين المتورطين في مثل هذا العنف، فيما ربما يكون أهم خطوة اتخذتها أي إدارة أميركية بشأن هذه القضية حتى الآن.
وجاء في الأمر أن «الوضع في الضفة الغربية – وخاصة المستويات العالية من عنف المستوطنين المتطرفين، والتهجير القسري للأشخاص والقرى، وتدمير الممتلكات – قد وصل إلى مستويات لا تطاق»، واصفاً المستويات غير المسبوقة من عنف المستوطنين بأنها تهديد لكلا الطرفين والمنطقة والأفراد والمصالح الأميركية.
وعلى الرغم من أن أربعة مستوطنين إسرائيليين فقط تم استهدافهم في الجولة الأولى من العقوبات بسبب أعمال تشمل بدء وقيادة أعمال شغب مميتة، والاعتداء على المدنيين، وتدمير الممتلكات، وفقاً لصحيفة «هآرتس»، فإن نطاق الأمر الجديد أوسع بكثير، وينطبق على أي فرد وجّه أو شارك في أعمال العنف ضد المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك الترهيب وتدمير الممتلكات والاستيلاء. والجدير بالذكر أن الأمر التنفيذي يمكن أن ينطبق أيضاً على القادة الإسرائيليين أو المسؤولين الحكوميين الذين يُعتقد أنهم شاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر في مثل هذا العنف.
وقال نائب الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الدولية، مات دوس، الذي عمل مستشاراً للسياسة الخارجية للسيناتور بيرني ساندرز، إن هذا التحرك يشكل «خطوة كبيرة» من جانب إدارة بايدن ويمكن أن تكون «أداة كبيرة جداً». ويقول إن الإدارة تقوم بنوع من المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات»، في إشارة إلى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي تسعى إلى حشد الضغط الدولي على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية. ويضيف دوس: «هذه البنية التحتية الاقتصادية بأكملها في إسرائيل وكذلك في الولايات المتحدة وأماكن أخرى في العالم، موجودة لتمويل هذه الأنشطة غير القانونية».
انتقادات شديدة
وقد تعرض هذا الأمر الرئاسي لانتقادات شديدة من قبل وزراء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية التي ازدهرت بموجبها المشاريع الاستيطانية في البلاد. وكتب وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتامار بن غفير، وهو مستوطن، أن بايدن «مخطئ بشأن مواطني دولة إسرائيل والمستوطنين الأبطال»، وحث إدارته على «إعادة التفكير في سياستها». ورفض وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش، الذي يقيم أيضاً في مستوطنة بالضفة الغربية، فكرة عنف المستوطنين ووصفها بأنها «كذبة معادية للسامية»، وتعهد بمواصلة عمله في توسيع المستوطنات الإسرائيلية، والتي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي. وكتب في منشور على موقع «إكس»، قائلاً: «إذا كان الثمن هو فرض العقوبات الأميركية عليّ فليكن».
إن الطريقة التي تختار بها إدارة بايدن استخدام عصا السياسة الخارجية الجديدة هذه وعلى من ستحدد في النهاية تأثيرها. ويقول يوسف منير، وهو زميل غير مقيم في المركز العربي في واشنطن العاصمة وخبير في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية: «سيتم تجميد أصول هؤلاء الأفراد في الولايات المتحدة، ولن تتمكن معاملاتهم المالية من المرور عبر مؤسسات التمويل الأميركية»، متابعاً: «لن يتمكن الناس من دعمهم مالياً أيضاً، وهذا أمر كبير». وأوضح الخبير: «إن المدى الذي يصبح فيه هذا الأمر قابلاً للتنفيذ فعلياً يعتمد حقاً على عدد الأشخاص الذين يتم وضعهم في هذه القائمة ومن هم هؤلاء الأفراد».
إن عنف المستوطنين في الضفة الغربية ليس ظاهرة جديدة على الرغم من أن الأزمة تفاقمت بسبب الحرب في غزة، والتي شهد عنف المستوطنين تحت غطائها طفرة ملحوظة. ومنذ السابع من أكتوبر، وقع ما يقرب من 500 هجوم للمستوطنين الإسرائيليين على المدنيين الفلسطينيين، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة الإنسانية، ويمثل هذا أكثر من ثلث إجمالي هجمات المستوطنين التي سجلتها الوكالة في عام 2023، وهو العام الذي شهد أكبر عدد من هجمات المستوطنين على الإطلاق.
تدهور الدعم
وفي حين يمكن قراءة توقيت هذا الأمر التنفيذي الذي أصدره بايدن، كرد فعل مباشر على هذه الزيادة، فإن بعض المراقبين يشيرون إلى أنه قد تكون هناك أيضاً دوافع سياسية. ويتزامن هذا الإعلان مع زيارة الرئيس بايدن إلى ميشيغان يوم الخميس، حيث تدهور دعمه بين عدد كبير من السكان الأميركيين من أصول عربية في الولاية، بسبب تعامله مع الحرب في غزة. وفي الواقع أظهر أول استطلاع وطني للأميركيين العرب نُشر في نوفمبر أن 17%، فقط من الناخبين العرب يعتزمون دعم محاولة إعادة انتخاب بايدن، بانخفاض عن 59% الذين دعموا الرئيس في عام 2020. وبالنسبة لبايدن فقد اعتمد في فوزه قبل أربع سنوات على انتصارات ضيقة في عدد من الولايات التي تمثل ساحة معركة رئيسة، وتعتبر ميشيغان ولاية لابد من الفوز بها. وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن بايدن يتخلف عن ترامب بـ10 نقاط. وبقدر ما يمكن للأمر التنفيذي أن يصحح علاقة بايدن مع الأميركيين العرب، يقول منير، إنه ليس حلاً سحرياً. ويقول: «هذا شيء يمكن للإدارة أن تشير إليه وتقول إنها فعلت شيئاً من أجل محاسبة أولئك الذين يؤذون الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهو أمر لم يحدث من قبل، وهذا صحيح»، لكن «الحقيقة هي أنه كان ينبغي القيام بذلك منذ وقت طويل جداً، والتعامل مع عنف المستوطنين».
وفي هذه الأثناء تستمر الحرب في غزة، وهو أمر «يمثل مشكلة أكبر بكثير تدعمها الإدارة وتستمر في تفاقمها في القطاع»، كما يضيف منير: «أعتقد أن أي رصيد يأملون في الحصول عليه سيتم وضعه في هذا السياق».
ومع ذلك يرى دوس أن هذه الخطوة يمكن أيضاً تفسيرها على أنها جزء من جهود بايدن لتقديم رؤيته الخاصة للشرق الأوسط مع بدء الولايات المتحدة وآخرين في التعبير عن رؤى ما بعد انتهاء حرب غزة. ويقول منير: «إن خطوات كهذه هي طريقة جيدة لإظهار جديتهم هذه المرة»، متابعاً: «إن العواقب المترتبة على العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين سواء كان ذلك في شكل العنف الجسدي، أو نمو المستوطنات، أو طرد العائلات، أو هدم المنازل، كانت دائماً قطعة مفقودة في عملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة»، موضحاً: «لقد كانت هناك دائماً عواقب مفروضة على جانب واحد، وهو الجانب الأضعف، المتمثل في الفلسطينيين؛ لذا أعتقد أن ما تشير إليه الإدارة بشكل مهم هنا هو أن ذلك سيتغير».
عن مجلة «تايم»
17% فقط من الناخبين الأميركيين العرب يدعمون بايدن.
. الأمر التنفيذي يمكن أن ينطبق على القادة الإسرائيليين أو المسؤولين الحكوميين الذين يُعتقد أنهم شاركوا في مثل هذا العنف.
. هذه الخطوة يمكن تفسيرها على أنها جزء من جهود بايدن لتقديم رؤيته الخاصة للشرق الأوسط.