فتحت النقاشات التي شهدها البرلمان المغربي، بمناسبة تخليد المؤسسة التشريعية ذكراها الستين، ملف الأدوار التي تلعبها المعارضة داخل البناء الحكومي وفي ما يخص تفعيل الاختصاصات والحقوق التي وردت في الوثيقة الدستورية لسنة 2011، لا سيما الفصل العاشر منه. وكان الرهان هو أن تُضمن للمعارضة شروط قانونية تخول لها ممارسة مهامها النيابية والسياسية بشكل يسهم في تعجيل “الانتقال الديمقراطي”.
الأستاذ الباحث والأكاديمي عبد الله ساعف سجل، الأربعاء، أن دسترة حقوق المعارضة “خلقت مناخا جديدا في البرلمان. وهذا الاعتراف بحقوق الأقلية من ضمن المستجدات التي عززت مكانة البرلمان في النقاش العمومي المغربي”؛ لكن التنزيل الفعلي لهذه الدسترة، وفق فاعلين سياسيين ومحللين، ما زال يصطدم “بمشكلة التمثيل العددي وبغياب الكاريزما السّياسية وانتشار الرقابة الذاتية بين فاعلين في الحقل السياسي؛ وهو ما يجهض ممارسة هذه الحقوق الدستورية”.
“قانون للمعارضة”
سعيد بعزيز، النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية، قال إن “المعارضة محاصرة بتغول كاسح تتيحه أغلبية مريحة للحكومة”، مؤكدا أن “هذه الأغلبيّة يمكن أن نقول إنها راجعة إلى أسس ديمقراطية وإلى عملية انتخابية؛ ولكن، من ناحية أخرى، هذا الوضع لا يتيح للبرلمانيين في فُرق المعارضة حتى إجراء لجنة لتقصي الحقائق، لكون الأغلبية تحتكر أكثر من ثلثي المجلس من حيث المقاعد، وبالتالي هذا المنطق عطّل عمل المعارضة”.
وأشار بعزيز، في تصريحه لجريدة هسبريس، إلى أن “الدولة الاجتماعية، مثلا، لا أحد يمكن أن يكون ضدها لكون الفعاليات اليسارية تتبناها طولا وتقدّم تصوّرا مغايرا للمفهوم الليبرالي الذي تقدمه الأغلبية لهذا الموضوع، وهذه الأوراش المتعلقة بالدولة الاجتماعية حاضرة لدى المعارضة أيضا”، موضحا أن “الأخيرة لديها همّ الإصلاح كذلك؛ ولكن هناك عوائق ذاتية وموضوعية تربك هذه المحاولات، على الرغم من أن البعض قد يظن أن المعارضة لا تقوم بدورها، وهذا غير صحيح إطلاقا”.
وتابع النائب البرلماني سالف الذكر شارحا: “الأغلبية الحكومية محظوظة؛ لأن الملك ترأس الورش المتعلق بالحماية الاجتماعية وورش الانتقال الطاقي والورش المتعلق بالاستراتيجية المائية، إلخ”، لافتا إلى أن “هذه الأوراش تحتاج إلى رأي المعارضة، لكونه يبدو لنا أن الحكومة لا تسهر على تنفيذ المشاريع كما يجب”، وزاد: “نحتاج اليوم قانونا يوسع صلاحيات المعارضة، وينهي هذه الرقابة الذاتية التي يفرضها الفاعل السياسي على نفسه أمام ما يتيحه له الدستور من صلاحيات”.
وأجمل قائلا: “الدفاع عن مكانة المعارضة في ظل ما نعيشه من تغول سياسي ليس شأنا حزبيا، وليس من موقع المعارضة؛ لأن أحزاب الأغلبية يمكن أن تكون معارِضة غدا داخل المؤسسة التشريعية”، مستطردا أنه “في غياب التوازن بين الأغلبية والمعارضة، لا يمكن أن يكون مسار البناء الديمقراطي سليما؛ ففي وقت الإجماع حول قضايا وطنية استراتيجية، نحتاج إلى معارضة تكون في مستوى التناوب على السلطة، وبشخصيّة كاريزمية قادرة على خلق النقاش السياسي”.
“القضاء على الخوف”
عبد الحفيظ اليونسي، جامعي ومحلل سياسي، قال إن “المعارضة المغربية لم تعد مثل السابق حين كان يحضر لدينا الفاعل السياسي ببروفايل نضالي فيه الكثير من الشعور بالكاريزما داخل الممارسة السياسية”، مؤكدا أن “الدستور أعطى صلاحيات للمعارضة لممارسة أدوارها الدستورية المتمثلة في المراقبة والمساءلة وتقييم السياسات العمومية؛ غير أن تفعيل الدستور تدخل فيه اعتبارات أخرى، بما فيها علاقة الأغلبية بالمعارضة”.
وأوضح اليونسي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس، أن “التفاوت العددي في الممارسة العملية بين مقاعد المعارضة الأغلبية لا يوفر العدد الكافي الذي يمكن المعارضة من القيام بأدوارها”، مشيرا إلى أن “هناك مشكلة حقيقية أخرى متعلقة بهيمنة الرقابة الذاتية على الفاعل الحزبي داخل المؤسسة التشريعية، ويشعر دائما بالخوف في تفعيل صلاحياته التي أتاحها له دستور سنة 2011؛ فهذا الشعور لا يمتد إلى الهيئة الحزبية التي يمثلها، بل يشعر بأن تفعيل الصلاحيات الواسعة والاختصاصات الدستورية بجرأة ومسؤولية يمكن أن يعود عليه بالضرر كفرد”.
ودعا الجامعي ذاته إلى “تأطير عمل المعارضة من خلال خلق تصور جديد لهذا الفعل؛ لأننا نحتاج نوعية جديدة من البرلمانيين. وهذه النوعية لا بد أن تضمن قدرا من الخبرة والتخصص. ولهذا، يمكن أن نسهم في خلق فرق متخصصة من الباحثين لمواكبة النواب البرلمانيين، وملازمة العمل معهم لضمان تأهيل عمل المعارضة. وهذا معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية”، خاتما بأن “هذه التوجهات السياسية التي يسير عليها المغرب لابد من دور قويّ للمعارضة ليكون فاعلا فيها”.
المصدر: وكالات