“إرادة سياسية متوفرة”. هكذا ترى الفعاليات النسائية المغربية المعطيات التي كشفت عنها النيابة العامة، في شخص رئيسها الحسن الداكي، خلال افتتاح السنة القضائية الجديدة، في ما يتعلق بتزويج القاصرات؛ فقد سجلت سنة 2023 حوالي 14197 طلبا للحصول على الإذن بزواج قاصر، تم رفض 5240 منها، بينما تمت الاستجابة إلى 8452 طلبا. وخلال سنة 2022، تم تسجيل حوالي 20097 طلبا للإذن بهذا الزواج، تم رفض 6445 طلبا منها.
الاستجابة لـ13652 طلبا، أي بنسبة انخفاض في الاستجابة للطلبات المذكورة بلغت 61 في المائة، كانت أيضا نقطة مفصلية في تصور النسائيات لتعاطي المغرب رسميا وقضائيا مع ملف شائك بتعلق بتزويج القاصرات وفيه تقاطبات مجتمعية حساسة وجدية؛ لكن المدافعات عن حقوق النساء يبدين أكثر تشددا في هذا النقاش، حيث بالنسبة لهن “ليس قابلا للتفاوض أن يكون السن المسموح به للزواج هو 18 سنة، مع القطع مع الاستثناء”.
“الإرادة السياسية”
سميرة موحيا، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، قالت إن “تنامي قرارات المنع يبرز الإرادة السياسية وأخذ الدولة المغربية توصيات الحركة الحقوقية النسائية بعين الاعتبار وفهمت الأسباب الحقيقية، وهي أن الطفلة تكون غير مستعدة نفسيا وجسديا،”، مؤكدة أن “المغرب لا يزال متأخرا في الحسم مع هذه المسألة. والوقت قد حان لمنع تزويج القاصرات بشكل نهائي، لتجاوز أعطاب مدونة الأسرة التي واجهت مشكلا حقيقيا في ما يخص التنزيل القضائي”.
وأشارت، موحيا، في تصريح لجريدة هسبريس، إلى أن “معظم الملفات المتعلقة بحقوق الطفلات اللائي جرى تزويجهن اصطدمت إما ببعض العقليات المحافظة لدى رجال القضاء، أو بالتحايل الذي كان يتم باسم الاستثناء”، مبرزة أن “تقوية الجبهة الحقوقية الداخلية مطلب حيوي اليوم بعد رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان في جنيف. لذلك، يتعين، اليوم، القطع مع مسألة الفقه المالكي الذي لم يعد ملائما لوضعية النساء”.
وأوضحت الفاعلة الحقوقية أن “مطلب الحركة النسائية ذات النفس الحداثي هو يقول، وبالإجماع، إن ‘من يتزوج فتاة أقل من 18 سنة هو مغتصب، وبالتالي عليه أن يتابع بتهمة البيدوفيليا’؛ الأمر واضح، فيجب متابعة كل من تزوج أو زوج أو ساهم في تزويج فتاة أو شاب أقل من 18 سنة، والقطع مع ثقافة الاستثناء، لأنه كان دائما هو المنفذ الذي تستغله الجهات المستفيدة من منه. وبعقوبة البيدوفيليا، سنحاصر هذه الميولات المتهجة نحو الطفلات بذريعة الزواج”.
وخلصت المتحدثة عينها إلى “ضرورة اعتبار كل من تزوج بالفاتحة بعد صدور المدونة للتحايل مرة أخرى بقاصرة يجب أن نعده زواجا باطلا تحت طائلة المتابعة القانونية”، مبرزة أن “للدولة وسائلها التي تُمكنها من الوصول إلى أبعد النقط الممكنة حيث ينتعش هذا النوع من الزيجات. وعلينا أن نرفع التحسيس في هذه المناطق، وأن نرفع ولوجية الفتيات القرويات إلى التعليم وضمان مُساهمتهن في خلق الثروة، باعتبار الظرفية أساسية على هامش تعديلات مدونة الأسرة”.
“الزجر حل”
أمينة التوبالي، عضوة ائتلاف “المناصفة دابا”، قالت إن “الدولة صارت، بالفعل، تتفاعل مع مطالب الحركة النسائية، وبالتالي الحقوقية بشكل عام؛ لأن مشكل تزويج القاصرات مُشكلة مجتمعية، ولا تعني فئة أو جندرا بعينه رغم أن الفتيات هن الأكثر تضررا منه”، مشيرة إلى أن “المرحلة تستدعي المرور إلى العقاب القانوني وإلى المقاربة الزجرية والتي من الممكن أن تكون حلا لهذه المعضلة؛ فالعديد من الظواهر حد منها الزجر حين رتب الجزاءات المناسبة”.
وأضافت التوبالي، ضمن توضيحات لهسبريس، أن “المرأة منتجة الآن ومساهمة في خلق الثروة، غير عادل ألا نقوم بقراءة جديدة للعوامل المتحكمة في التطبيع مع تزويج القاصرات”، موضحة أن “مكان الفتاة هو المدرسة وليس فضاء آخر؛ كما أن الموضوع يطرح مشكلا طبقيا، لأن بنات الفقراء هن الأكثر تضررا منه، بينما بنات الأثرياء يتابعن دراستهن ويضمن مستقبلهن، ولهذه الفجوة تكلفة اجتماعية ومجتمعية مرتفعة، خصوصا وأن المغرب صادق على اتفاقيات حماية الطفل”.
ولفتت المتحدثة عينها إلى أن “المغرب لديه إرادة سياسية لحل المشاكل العالقة التي كانت محط خلاف وجدال طيلة العقدين الماضيين؛ ومنها تزويج الطفلات، نظرا لارتفاع الحاجة إلى دور المرأة في التنمية، لأن تزويجها يحصر أدوارها ويبعدها عن أدوار أخرى أكثر حيوية، وهي التمدرس والانخراط الفاعل في الحياة السياسية والاقتصادية”، خاتمة بأنه “ليس منطقيا أن نرفع سن الرشد في الأمور الاقتصادية والمالية إلى 18 سنة، بينما نحصره في أقل من ذلك بفتح الباب أمام الاستثناء في أمور الزواج”.
المصدر: وكالات