كشفت بيانات جديدة أن درجات حرارة المحيطات «العالية» في عام 2023 أسهمت في زيادة الطقس «المتقلب بشدة»، في جميع أنحاء العالم مع استمرار تفاقم أزمة المناخ.
ومن المعروف أن المحيطات تمتص 90% من الحرارة المخزنة في الكربون والناجمة عن احتراق الوقود الأحفوري، ما يجعلها المؤشر الأكثر وضوحاً لارتفاع حرارة العالم. وامتصت المحيطات مستويات قياسية من الحرارة في عام 2023، وفق ما قاله العلماء، وكما أظهرت البيانات المأخوذة من العقد المنصرم للمحيطات كان كل عام أكثر سخونة من العام الذي سبقه.
وأدت الحرارة أيضاً إلى مستويات قياسية من التقسيم الطبقي في المحيطات، حيث يؤدي الماء الموجود على سطح المحيط إلى تقليل الاختلاط مع المياه الموجودة في الأعماق، ما ينجم عنه أن تصبح حرارة مياه السطح أعلى من الأعماق، وهذا من شأنه أن يخفّض كمية الأوكسجين الموجودة في المحيطات ويهدد الحياة البحرية، ويؤدي أيضاً إلى تخفيض كمية ثاني أوكسيد الكربون والحرارة التي يمكن أن تمتصها البحار في المستقبل.
الوتيرة الأسرع منذ 1000 عام
وتعود قياسات درجة حرارة المحيط إلى أربعينات القرن الماضي، ولكن على الأرجح فإن حرارة المحيطات أصبحت الآن في أعلى مستوياتها منذ 1000 عام خلت، كما أن هذا الارتفاع يسير بوتيرة هي الأسرع من أي وقت خلال الـ1000 عام الماضية.
وارتفع المقياس الأكثر شيوعاً لأزمة المناخ، وهو معدل درجة حرارة الهواء في العالم، عام 2023 إلى أعلى مستوى له، لم يشهده العالم من قبل في أي دراسة للمناخ في العالم. ولكن درجات حرارة الهواء أصبحت الآن أكثر تأثيراً في تنوّعات المناخ الطبيعية، بما فيها عودة ظاهرة «النينو» الساخنة العام الماضي.
وقال البروفيسور جون إبراهام من جامعة سان توماس في ولاية مينيسوتا، وهو من الفريق الذي توصل إلى هذه المعلومات الجديدة: «تعتبر المحيطات هي المفتاح الذي يبلغنا ما الذي يحدث في العالم، وتعطينا صورة مقنعة للأعوام التي ارتفعت فيها درجات الحرارة بصورة متعاقبة». وأضاف «نواجه الآن العواقب المترتبة على هذا الارتفاع من كوارث طبيعية في شتى أنحاء العالم، بما فيها ذوبان جليد القطبين، وهي ستسوء للغاية إذا لم نتخذ الإجراءات المناسبة. ولكننا نستطيع حل هذه المشكلة باستخدام الموارد المستدامة كطاقة الرياح والشمس، والمياه، وعندما يدرك الناس أنها تمنحنا الطاقة اللازمة نستطيع أن نبشر باقتصاد الطاقة الجديدة في المستقبل، ونستطيع توفير المال، والبيئة في الوقت ذاته».
حرارة استثنائية
وطرحت درجات الحرارة الاستثنائية في ارتفاعها، خلال عام 2023 سؤالاً حول ما إذا كانت حرارة العالم في تصاعد أم لا. ولكن إبراهام يقول «نحن نراقب ذلك، في الوقت الحالي، ولم نكتشف أي تصاعد ذي دلالة إحصائية. ويوجد الآن، وبصورة أساسية ارتفاع بصورة ثابتة، عما كان عليه في دراسة مماثلة أجريت في عام 1995».
واستخدمت الدراسة الجديدة، التي تم نشرها في مجلة «أدفانسيس أتموسفيرك سينس» بيانات درجات الحرارة التي تم جمعها عن طريق العديد من الأجهزة عبر المحيطات لتحديد محتوى الحرارة في مياه المحيطات في أول 2000 متر من عمق المياه، حيث يتم امتصاص معظم الحرارة، إضافة إلى درجات حرارة مياه البحار.
وفي عام 2023، امتصت المحيطات 15 زيت جول إضافية (الجول وحدة قياس الحرارة، وزيت رقم كبير جداً يساوي مليار تريليون) من الوحدات الحرارة، مقارنة على ما تم امتصاصه في عام 2022.
وتستند هذه الأرقام إلى بيانات مأخوذة من معهد «أتموسفيرك فيزكس» في الأكاديمية الصينية، وأشارت معلومات منفصلة من إدارة المحيطات والبيئة الوطنية في الولايات المتحدة إلى زيادة مماثلة وميول مشابه مع مرور الوقت.
انبعاثات الكربون
وقال الباحثون إن درجات حرارة سطح المحيط في عام 2023 كانت «بعيدة عن المخططات» أي لم تتم دراستها، وكان السبب الرئيس لذلك هو عام آخر من انبعاثات الكربون القياسية التي ساعدتها ظاهرة «النينو». وطوال عام 2023 ظل معدل درجة الحرارة يزيد على ما كان عليه في عام 2022 بـ0.1 درجة، ولكن في النصف الثاني من عام 2023 كانت درجة الحرارة قد ارتفعت عن العام السابق بـ0.3 درجة مئوية.
وقال العلماء إن المستوى القياسي من التقسيم الطبقي ونقص الأوكسجين في المحيط سيكون له «عواقب وخيمة» على الحياة الحيوانية والنباتية فيه. وضربت أمواج الحرارة البحرية عبر المحيطات في عام 2023.
وكشف تقرير صادر عن ائتلاف منظمات مراقبة البحار العالمية عن أن بعض أسوأ الكوارث في عام 2023 نجمت عن أعاصير قوية بصورة غير عادية، وفي أماكن لم تعهد مثل هذه الأعاصير المدمرة، نجم عنها سقوط أمطار غزيرة للغاية في موزامبيق، وملاوي، وميانمار، واليونان، ونيوزيلندا، وأستراليا.
وقال البروفيسور ألبرت فان ديجك من ائتلاف منظمات مراقبة البحار العالمية «شاهدنا أعاصير تتحرك بصورة غير متوقعة وبطرق كارثية، وأطول هذه العواصف بقاءً التي تم تسجيلها حتى الآن هي التي ضربت جنوب شرق قارة إفريقيا، واستمرت على هذا النحو لأسابيع عدة، وأسهمت درجات حرارة البحار العالية في تأجيج هذه السلوكيات الغريبة للعواصف، ويمكن توقّع رؤية مزيد من هذه الأحداث المتطرفة التي ستقع مستقبلاً».
وقال إبراهام إن ثمة حاجة إلى وضع نهاية للوقود الأحفوري أو التقليل من استخدامه، وأضاف «إذا لم نعمل على وضع حد لتغير المناخ الذي يسير نحو التدهور بسرعة، فإننا سنتعرض لأشكال أكثر تطرفاً من المناخ، والمزيد من اضطرابات وتقلبات المناخ التي ينجم عنها أضرار كبيرة على البشر، والمزيد من فقدان إنتاجية القطاع الزراعي. وسنواجه خسائر مهولة تكلف ملايين الدولارات، وكذلك من الأرواح البشرية أيضاً نتيجة مشكلة يمكننا تجنبها. وبصورة عامة، فإن الكثير من الأشخاص الذين لا ناقة لهم ولا جمل سيعانون، وهو ظلم لا يوصف».
• تعتبر المحيطات المفتاح الذي يبلغنا ما الذي يحدث في العالم، وتعطينا صورة مقنعة للأعوام التي ارتفعت فيها درجات الحرارة بصورة متعاقبة.
• شاهدنا أعاصير تتحرك بصورة غير متوقعة وبطرق كارثية. وأطول هذه العواصف بقاءّ تم تسجيلها حتى الآن هي التي ضربت جنوب شرق قارة إفريقيا، واستمرت على هذا النحو لأسابيع عدة. وأسهمت درجات حرارة البحار العالية في تأجيج هذه السلوكيات الغريبة للعواصف، ويمكن توقّع رؤية مزيد من هذه الأحداث المتطرفة التي ستقع مستقبلاً.