وضع اجتماعي مضطرب تعرفه مجموعة من القطاعات الحكومية ينذر باشتعال احتجاجات وإضرابات جديدة، على غرار ما عرفه ومازال يعرفه قطاع التعليم، الذي لم تنجح الاتفاقات المعلنة بين الحكومة والنقابات في إنهاء الاحتقان به وتجاوز الأزمة التي أشعلها النظام الأساسي الجديد، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كبيرة حول التراجع الذي تعرفه النقابات على مستوى قوتها وقدرتها على تأطير الموظفين وضبط صفوفهم.
ويتابع الرأي العام الوطني بشيء من الريبة والتوجس النتائج التي سيفضي إليها اتفاق النقابات مع الحكومة وما إذا كانت قادرة على ضمان عودة الأساتذة لاستئناف الدراسة وعودة ملايين التلاميذ المتعثر موسمهم الدراسي منذ بدايته، حيث يبرز نجم التنسيقيات التي باتت خيارا جذابا يستهوي موظفي عدد من القطاعات في سبيل تحقيق مطالبهم الفئوية.
جمال أغماني، وزير التشغيل الأسبق، اعتبر التمثيلية محسومة لصالح النقابات وفق القانون، وهي مؤطرة بالدستور، مبينا أن الوضع الحالي سجل بروز “ظاهرة جديدة عرفها الحقل الاجتماعي المغربي، خاصة في قطاع التعليم، بفعل العديد من التحولات التي عرفها القطاع في توظيف موارده البشرية”.
وقال أغماني، في تصريح لهسبريس، “ظاهرة التنسيقيات لم تفاجئني شخصيا، وتمخضت عن طريقة التوظيف التي تمت خلال العشرين سنة الماضية، وخلقت مشاكل عدة لدى فئات مختلفة من رجال ونساء التعليم وأدت إلى إحداث تنسيقيات للدفاع عن أهداف محض فئوية”، مؤكدا أن الحق في إعلان الإضراب كحق دستوري مضمون بمقتضى القوانين الدولية، “يعطى فقط للنقابات التي لها وضع قانوني”.
وأضاف وزير التشغيل الأسبق قائلا: “نحن أمام ظاهرة جديدة لا تتمتع وفق الدستور والقانون بأي إطار قانوني للإعلان حتى عن الإضراب، وهذه من الإشكاليات التي أعتقد أنه يجب أن يفتح حولها نقاش”، مبرزا أن النقابات كانت أمامها “إمكانيات كبرى للتأطير وممارسة كل أشكال الاحتجاج المضمونة، ولكن وفق قواعد معينة وقانونية، إلى أن جاء دستور 2011 وأكد ضرورة إصدار قانون الإضراب الذي لم يصدر إلى اليوم”.
وشدد المتحدث على أن “الإشكال المتعلق بإخراج قانون الإضراب، الذي مازال حبيس آليات الحوار الاجتماعي ولم يتم التقدم فيه، سيمنحنا إخراجه إطارا قانونيا يضمن حقوق الاحتجاج، بما فيها الاحتجاج السلمي والإضراب”، معتبرا أن الوضع الذي نعيشه بسبب اهتزاز مكانة ودور النقابات “لا يخدم لا النقابات ولا الحكومة ولا الدولة، ولا الوطن بصفة عامة”.
من جهته، قال عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض في مراكش، إن دور منظمات الوساطة “تراجع بشكل عام، سواء النقابات أو الأحزاب أو مؤسسات المجتمع المدني”، مؤكدا أن الحديث عن الضعف أو التراجع يعود إلى أسباب ذاتية وموضوعية.
وأضاف العلام، في تصريح لهسبريس، أنه “عندما كانت الأحزاب والنقابات تقول إنها تمثل وسيطا بين المجتمع والدولة، كان للملك الراحل الحسن الثاني توجه واضح يقول: لا أريد وسيطا وأنصت مباشرة إلى شعبي وأفهمه وأتواصل معه بشكل مباشر، وهذه النظرة إلى مؤسسات الوساطة تحولت فيما بعد إلى سياسة”.
وأكد الخبير في العلوم السياسية أنه في ظل هذا السياق، أصبح الانتماء إلى النقابة كـ”أنه جريمة ومسألة غير أخلاقية، وتحول العضو النقابي إلى من يبحث عن مصالحه الخاصة ويريد أن يختبئ في المسؤولية، وهذه النظرة سلبية”، مبرزا أن ولوج العمل النقابي والانتماء إلى النقابة محكوم بالمصلحة، وأن الموظف يتعامل مع النقابة “مثل بقرة حلوب، عندما يحتاجها يلجأ إليها، وعندما لا يحتاجها لا يفكر فيها”.
وتابع الأستاذ الجامعي بأن “بروز التنسيقيات جاء كخيار، وهي عبارة عن مجموعة من الأشخاص غير المعروفين وتجد السلطة صعوبة في التواصل معهم والتضييق عليهم أو تهديدهم أو إغرائهم”، مشددا على أنه في ظل هذا الوضع، “لا يمكن تجاوز النقابات، ولا ديمقراطية بدون عمل نقابي وحزبي قوي”.
وبين العلام أن التنسيقيات أو الحركات الفئوية “مطالبها فئوية ويتلاشى تأثيرها مباشرة مع تحقيق مطلب معين”، مستدركا بأن من الممكن أن تكون “مفيدة في مرحلة معينة لأعضائها، ولكن ليست مفيدة لبناء النظام السياسي بأكمله وعلى المستوى البعيد، وتأثيرها يمكن أن يكون مفيدا لكن يبقى ظرفيا، وليس استشرافيا”.
المصدر: وكالات
