في محاولة جديدة لإثبات “انتصاراتها” وحالة الحرب الوهمية التي تدعيها في الصحراء المغربية منذ عودتها في نونبر من العام 2020 إلى ما أسمته “الكفاح المسلح”، أكدت جبهة “البوليساريو” الانفصالية، على لسان أحد قياداتها العسكرية المسمى “محمد أوليد” الذي يحمل صفة “عضو هيئة الأركان العامة” في ميليشيا الكيان الوهمي، أن “حرب الاستنزاف التي يخوضها الجيش الصحراوي تأخذ منحى تصاعديا وتحقق نتائج عسكرية مهمة جدا”، حسب ما أفادت به وسائل إعلام محسوبة على الجبهة.
ولم يكتف القيادي الانفصالي بمحاولة إثبات حالة غير موجودة أصلا وتنفيها تقارير الأمين العام الأممي ومبعوثه الشخصي إلى الصحراء المغربية؛ بل ادعى أن “الوضع على الأرض يشهد تطورا ميدانيا ممتازا لصالح البوليساريو”، مشيرا إلى أن “الحرب التي تقودها ميليشياته أثرت بشكل كبير على معنويات القوات المسلحة الملكية وعلى الاقتصاد المغربي كذلك”؛ وهو ما اعتبره متتبعون محاولة من الدعاية الانفصالية لتجاوز حالة الانكماش الدبلوماسي التي بات يُعاني منها مشروعها ومحاولة يائسة للحفاظ على مشروعية وجود هذا الكيان، بالنظر إلى اقتناع أغلبية سكان المخيمات أنفسهم بعدم الجدوى من استمرار وجوده ومصادرته لحقهم في العيش الكريم داخل أرض وطنهم.
حرب مزعومة وساكنة محرومة
تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، إنه “على الرغم من هذه الدعاية العسكرية التي تروج لها الجبهة الانفصالية فإن الأخيرة ما زالت عاجزة عن إثبات أي منجز عسكري على الأرض في حربها المزعومة ضد المغرب، منذ تنصلها من اتفاق وقف إطلاق النار في نونبر من العام 2020”.
وأضاف عبد الفتاح أن “مجمل التقارير الدولية، بما فيها التقارير السنوية للأمين العام للأمم المتحدة نفسها، تنفي وجود أي تأثير حقيقي للأعمال العدائية التي تعكف عليها جبهة “البوليساريو” وتؤكد مقابل ذلك على مناخ الأمن والاستقرار المستتب في هذه المنطقة”، لافتا إلى أن “الأقاليم الجنوبية للمملكة تشهد احتضان تظاهرات دولية كبيرة، اقتصادية ورياضية ودبلوماسية، دون أية مشاكل أمنية عكس ما تدعيه الجبهة الانفصالية”.
وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “عودة القيادات الانفصالية للترويج لمثل هذه الادعاءات الواهية لا يعدو كونه محاولة لتصدير الأزمة الداخلية التي تعيشها “البوليساريو” في مخيمات تندوف والتغطية على الانقسامات العميقة في صفوف قياداتها نتيجة تدهور الوضع الاجتماعي والأمني والاقتصادي داخل المخيمات، إضافة إلى فشلها في تحقيق أي من المنجزات الميدانية التي وعدت بها الساكنة منذ عودتها إلى ما أسمته الكفاح المسلح ثم تراجع الدعم الذي كان يحظى به طرحها الانفصالي”.
وخلص رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان إلى أن “الهزائم المتتالية التي تلقاها المشروع الانفصالي أمام التراجع المستمر للمعسكر الداعم له وتخلي الكثير من الدول عن مواقفها السابقة تجاه هذا الملف وانكشاف وافتضاح الدعاية الانفصالية نتيجة لمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية كلها عوامل أدى إلى ضعف قدرة الجبهة على التعبئة والتأطير داخل المخيمات؛ وبالتالي فهي تحاول الترويج لانتصارها ميدانيا من أجل الالتفاف على كل هذه الانتكاسات التي لحقتها في السنوات الأخيرة”.
واقع تنموي وكيان إرهابي
محمد عاطيف، باحث في العلاقات الدولية، قال إن “الكيان الوهمي، ومنذ تحرير المغرب لمعبر الكركرات، بات يعيش مرحلة اضمحلال سياسي نتيجة تراكم فشله في إدارة ملف النزاع المفتعل حول الصحراء وفشله أيضا في تحقيق أي إنجاز دبلوماسي أو ميداني؛ وبالتالي فإنه يلجأ إلى البروباغندا الإعلامية لتخدير عقول ساكنة مخيمات الجحيم التي صادرت قيادات “البوليساريو” حقها في التعبير وحقها في الالتحاق بأرض الوطن مقابل محاولتها فرض خيارات لم تعد الساكنة نفسها مؤمنة بها”.
وأضاف عاطيف أن “الواقع على الأرض اليوم في الصحراء المغربية يثبت عكس ذلك تماما، وبشهادة التقارير الدولية؛ بل والجزائر نفسها التي اعترف وزير خارجيتها مؤخرا بالنجاحات الدبلوماسية والتنموية التي حققتها الرباط في هذه الأقاليم، في حين تحاول الجبهة وداعموها الترويج لواقع آخر يدعي وجود حرب مستمرة في الصحراء المغربية بينما الحقيقة أن الحرب لا توجد إلا في مخيلة قيادات الجبهة الانفصالية التي باتت غير قادرة على ما يبدو على استيعاب أن هذا الملف يتجه نحو الحل النهائي على أساس الطرح المغربي وبدعم دولي كبير”.
واعتبر الباحث في العلاقات الدولية أن “استمرار البوليساريو في الترويج لوجود حالة حرب مفتوحة في الصحراء المغربية، تارة عبر البلاغات العسكرية الوهمية وتارة أخرى عبر التهديد باستهداف التظاهرات والأحداث الرياضية التي تستضيفها الأقاليم الجنوبية، ما هو إلا محاولة من هذا الكيان الوهمي للحفاظ على استمراريته مشروعية وجوده، خاصة في ظل توالي أزماتها الداخلية واقتناع أغلبية سكان المخيمات بأن الطرح الذي تتبناه الجبهة لم يعد يُطرب أحدا في ظل التحولات والتغيرات الإقليمية والدولية التي بات معها المنتظم الدولي يسعى إلى تكريس سيادة الدول ووحدة أراضيها لمواجهة التحديات في إطار مشترك، وليس تقسيم الدول؛ ذلك أن عددا من تجارب الانفصال باءت بالفشل الذريع”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن “الجرائم الإرهابية التي تورطت فيها البوليساريو، سواء داخل المخيمات من خلال تجنيد الأطفال أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان داخل هذا المجال الجغرافي أو من خلال استهداف المدنيين العزل، باتت قيادات هذا الكيان مقتنعة معها بأن موضوع تصنيف هذا التنظيم ككيان إرهابي سيطرح بقوة خلال الفترة المقبلة؛ وبالتالي فهي تحاول إثبات حالة الحرب في المنطقة، ولو باللجوء إلى اختلاق الأقصاف اليومية الوهمية وادعاء تحقيق انتصارات ميدانية لا وجود لها إلا في مخيلة قيادات الجبهة”.
المصدر: وكالات