بالأرقام، تأكد رسميا ما كان قد ورد ضمن نشرات سابقة لمكتب الصرف، مع إنهاء ثلاثة مؤشرات اقتصادية حاسمة في دفة “المبادلات الخارجية” للمغرب مسارها المتألق نحو الصعود، ما يضمن “نهاية سنة سعيدة” في انتظار باقي المعطيات الرسمية المحينة التي ستدمج إحصائيات متم شهر دجنبر 2023 لتكتمل الصورة.
وشهرا بعد شهر، مازالت أرقام تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج تعتلي مداخيل المملكة من العملة الصعبة بشكل متميز، مشكلة إحدى أبرز دعامات “التوازن الماكرو اقتصادي” للمغرب، إلى جانب “مداخيل الأسفار”، فضلا عن “صادرات قطاع السيارات” التي من المنتظر أن تكمل-بدورها-سنة متألقة يرى متابعون أنها “من بين الأفضل على الإطلاق”.
هي، إذن، دينامية مستمرة في منحنى صاعد لتحويلات مغاربة العالم، حاملة معها مفارقة جديرة بالاهتمام؛ فـرغم الجائحة وما استتبعها من تداعيات تشابكت مع مختلف الأزمات الجيو-سياسية والاقتصادية التي تعتمل في عالم اليوم منذ العام 2020، أفاد مكتب الصرف بأن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بلغت أزيد من 105,46 مليار درهم خلال الـ11 شهرا الأولى من 2023.
آخر نشرات المكتب حول “المؤشرات الشهرية للمبادلات الخارجية” أكدت ارتفاع هذه التحويلات بما نسبته 4,4 في المئة مقارنة بمتم شهر نونبر 2022 (أي الفترة نفسها قبل عام). هذا الارتفاع المطرد الذي انعكس إيجابا على “ميزان مبادلات الخدمات” سجل ارتفاعا في فائضه بنسبة 19,6 في المئة إلى 124,63 مليار درهم.
هذه الزيادة عزاها المصدر الرسمي للبيانات الخارجية إلى “ارتفاع الصادرات بنسبة 17,5 في المئة إلى 238,62 مليار درهم، الذي فاق الواردات (114 مليار درهم، زائد 15,3 في المائة)”.
“نقطة ضوء في سنة صعبة”
في قراءته لهذه الأرقام، قال محمد الرهج، خبير اقتصادي أستاذ بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات بالدار البيضاء، إن هذه الحصيلة التي تحتسب فقط 11 شهرا من السنة الماضية، تعد “نقطة إيجابية جدا في سنة صعبة اقتصاديا وباعثة على التفاؤل أن تحقق التحويلات المالية للجالية المغربية 11 مليار دولار سنة 2023 أو تتجاوز هذا المبلغ بقليل”.
الرهج أفاد في تحليله لجريدة هسبريس الإلكترونية بأن “هذه التحويلات شاهدة على ارتفاع مطرد بشكل يعيد مطلب الاعتناء بشؤون الجالية وعدم تضييع هذا المورد المالي الهام الذي يدعم موازنة البلد الأم ويضمن تحريك عجلة الاقتصاد، سواء في الشق الاستهلاكـي أو الاستثماري الذي ما يزال العقار غالبا على معظمه”.
كما أكد الخبير الاقتصادي “أهمية هذه التحويلات في ظرفية اقتصادية إقليميا ودوليا تسمها الصعوبات”، ضاربا المثال بالمقارنة مع تحويلات الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج التي لم تتعد مليار دولار فقط نظرا لهيمنة التعامل بالسوق السوداء، مقابل شفافية ووضوح وتعامل مصرفي واضح في الحالة المغربية”.
“جالية لا تنسى الأصل”
وزاد الرهج شارحا: “رغم كل المصاعب والتحديات، فإنها جالية مغربية لا تنسى بلادها، علما أن أمنيات عدد من المغاربة وقتما ضاقت بهم السبل، الهجرة بسبل عديدة، إلا أن الرابط المادي يستمر في أن يصير أكثر متانة، إذ بمجرد الاستقرار في المهجر، فالفعل الأول هو إرسال المال إلى العائلة بالمغرب”.
وأكد أستاذ التجارة وعلوم الاقتصاد أن “الاستثمارات من الجالية مازالت أساسا حبيسة قضايا العقار والاستهلاك أو الادخار عموما”، داعيا إلى الاقتداء بتجربة الهند الرائدة في عالم الاستثمارات التقنية والإعلاميات”، وختم بالقول: “وجب تحويل التكنولوجيا والتقنيات، وليس فقط الأموال، إلى المغرب من طرف الكفاءات المغربية المقيمة بالمهجر؛ لأن هذا ما يخلق ثروة حقيقية مستدامة، ونتمنى أن نرى بوادر هذا التوجه مع الأجيال الجديدة للمهاجرين”.
“رقم تاريخي” و”تميز مغربي”
من جهته، علق الطيب أعيس، خبير مالي محلل اقتصادي، على بلوغ تحويلات الجالية متم نونبر 105 مليارات درهم بالقول إنه “الرقم التاريخي الذي يبين تزايدها بوتيرة متسارعة منذ أزمة الجائحة الصحية لعام 2020”.
ولفت أعيس، في تصريح لهسبريس، إلى أن “فوائد هذه التحويلات تظل ثابتة الأثر في تقوية نسيج الاقتصاد الوطني وأداء الميزان التجاري (خصوصا ميزان المبادلات والخدمات)، فضلا عن تقوية عملة الدرهم المغربي وتعزيز مكانته وقوته، خصوصا مع تزامن هذه التحويلات مع مسار تعويم تعتزم المملكة تسريعه لمراحل متقدمة”.
وبعدما شدد على أن هذه التحويلات أداة اجتماعية للتماسك الاجتماعي بين مغاربة العالم وأسرهم بالمغرب، ما يعني اشتداد الرابط الاجتماعي، وصف المحلل المالي ذاته الأمر بـ”التميز المغربي بين عموم الجاليات عبر العالم”.
وأضاف أعيس أن “تحويلات مالية تلامس 11 مليار دولار تشكل بحق طوق نجاة للاقتصاد المغربي وتعزيز مرونته وصموده تجاه ظرفية الأزمات”، خاتما بأن “توجيه هذه التحويلات للاستهلاك واستثمارات العقار، ثم الادخار، يظل أمرا محمودا، لأن دينامية الاستهلاك (العرض والطلب) تخلق رواجا اقتصاديا مهما”، قبل أن يخلص إلى “استثمار مغاربة العالم لأموالهم المحولة في قطاعات صناعية ذات قيمة مضافة عالية، يظل مسألة وقت فقط”.
المصدر: وكالات