منذ تصريح الحكومة بدقة وخطورة الوضع المائي في البلاد، بدأ الشك يساور الكثير من المغاربة بخصوص الصعوبات التي يمكن أن تواجههم في الأشهر المقبلة في ضمان تأمين حاجياتهم من الماء الصالح للشرب، خاصة في فصل الصيف الذي تفيد كل المؤشرات بأنه سيكون أقسى من سابقيه.
وفي عز فصل الشتاء، بدأت تواجه العديد من المناطق صعوبات في الوصول إلى الماء، وسط تضارب الأنباء حول الإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها لضمان استدامة تزويد المغاربة بهذه المادة الحيوية أصل الحياة، من ضمنها خفض الصبيب وقطع الماء في أوقات محددة.
في تعليقه على الموضوع، يرى الخبير عبد الرحيم هندوف أن العطش الذي يتهدد مجموعة من المدن المغربية خلال هذه السنة “ليس مفاجئا”، مؤكدا أن معضلة الماء “بدأنا نحس بها في الثمانينات، وسنة بعد أخرى من المؤكد أن الأزمة ستستفحل والموارد المائية ستقل”.
وأضاف هندوف، ضمن تصريح لهسبريس، أن كميات الموارد المائية بالمغرب “محدودة، حيث إن حجم المياه التي تتساقط كل سنة يقدر بـ22 مليار متر مكعب، وهي الأرقام التي مازلنا نستعملها منذ سبعينات القرن الماضي”.
وسجل المتحدث أن المغرب ليست لديه مشكلة خلال هذه السنة في تأمين حاجيات المواطنين من الماء الصالح للشرب، التي تقدر بـ 4 مليارات متر مكعب، مبرزا أن هذه الكمية موجودة في السدود التي تبلغ نسبة ملئها حوالي 23 بالمائة.
وأكد الخبير ذاته أن التحدي الذي يواجه المغرب خلال هذه المرحلة ناتج عن “سوء التخطيط والتوزيع الجغرافي للسدود التي تتوفر على المخزون المتبقي من المياه”، معتبرا أن مشكل “التخطيط والبرمجة وتنفيذ المخططات، هو سبب الأزمة”، مشددا على ضرورة تسريع مشاريع تحلية مياه البحر لضمان الماء الصالح للشرب لسكان المدن الساحلية مثل الدار البيضاء.
وأشار المصرح لهسبريس إلى أن نقل المياه المحلاة إلى المناطق البعيدة من الساحل التي تواجه صعوبات على هذا المستوى، سيتطلب استثمارات ضخمة، معبرا عن تخوفه أن يصبح المغاربة “مهددون بالجوع بسبب تقلص المساحات والأراضي المسقية، لأن مشكل الغذاء سيصبح مشكلا على الصعيد الدولي، وينبغي أن تشتغل الحكومة على هذا المستوى”.
وشدد هندوف على أن “تحيين الأرقام والمعطيات الخاصة بالموارد المائية في المغرب سيجعلنا في وضع الفقر المائي حيث يقل نصيب الفرد من الموارد المائية عن 500 متر مكعب في السنة”، محذرا: “ليس لدينا الحق في تضييع أي قطرة ماء اليوم”، داعيا إلى إعادة النظر في أصناف الزراعة والنموذج الزراعي ككل لمواكبة التغيرات والتحديات المطروحة على البلاد.
من جهته، اعتبر إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، أن قلة التساقطات التي واجهها المغرب لسنوات أدت إلى محدودية الماء كمورد طبيعي وأساسي للحياة، مؤكدا أن حق الإنسان في الماء “لا يمكن الاستغناء عنه للعيش عيشة كريمة، وشرط مسبق لإعمال حقوق الإنسان الأخرى، وفي مقدمتها الحق في الحياة والحق في الصحة والكرامة والغذاء”.
وسجل السدراوي، في تصريح لهسبريس، أن استمرار العجز في الموارد المائية وغياب التساقطات أمر “سيؤدي إلى حرمان المغاربة أو نقص في معدلات استهلاك الماء الصالح للشرب. ونتيجة نقص منسوب المياه في السدود والأنهار والآبار، فالمغرب مهدد بتلوث المياه واستنفادها وتوزيعها بصورة غير عادلة، مع ما لذلك من انعكاس على نسبة الفقر السائد، حيث يتعين على الدولة اعتماد تدابير فعالة لإعمال الحق في الماء دون تمييز”.
ودعا الحقوقي ذاته الدولة إلى إعطاء الأولوية لـ”ضمان الحق في الماء للاستخدامات الشخصية والمنزلية”، كما حث على ضرورة إيلاء الأولوية لـ”موارد المياه اللازمة لمنع وقوع المجاعات والأمراض، وكذلك الماء اللازم للوفاء بالالتزامات الأساسية بشأن كل حق من الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي صادق عليه المغرب منذ 1976″.
وطالب السدراوي الحكومة بشكل عاجل بـ”تشكيل خلية أزمة تضم ممثلين عن كل القطاعات المعنية والخبراء من أجل تنزيل مخطط علمي قصد تدبير عقلاني للماء وسياسة فلاحية تحد من التهام الفرشة المائية، وفرض ضريبة الماء على بعض المنتوجات الفلاحية المستهلكة للماء”، مؤكدا أن “المليارات التي تنفق على مؤتمرات البعثات التي تشارك في قمم البيئة والتغير المناخي تبقى دون جدوى، إن لم تكن بهدف الحصول على توصيات وأبحاث يتم الاستفادة منها وتنزيلها على أرض الواقع لمواجهة خطر شح المياه”.
وشدد المتحدث ذاته على أهمية تشجيع البحث العلمي في تقنيات تحلية مياه البحر والري بالتنقيط، وغيرها من “الهندسيات التي يجب العمل عليها لأن الماء مستقبل المغرب، ومن دون ماء لا يمكن أن يكون لنا مستقبل، مع التأكيد على الاهتمام ماديا ومعنويا بعمال ومستخدمي قطاع الماء وعدم تسليع وخوصصة هذا القطاع الحيوي”، حسب تعبيره.
المصدر: وكالات