“عادت قضية فلسطين لتتصدّر مجدَّداً الواجهة بسبب عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها “حماس” (هجوم السابع أكتوبر 2023)، كما أنها لا تزال تَسكن العقول والقلوب والضمائر. أكثر من أي وقت مضى لا يمكن أن يظهر “شرق أوسط جديد” ويكون قابلاً للحياة بدون حل عادل ودائم لهذا الصراع المزمِن طيلة 75 عاماً مضت”.. كانت تلك أبرز خلاصات ورقة بحثية موجزة عن تاريخ وأبعاد الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني من تأليف الخبير الاقتصادي والكاتب المغربي فتح الله ولعلو، ونشرها حديثاً “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد” تحت عنوان: Note sur le conflit israélo-palestinien : l’histoire d’une injustice.
وسجل الباحث الرئيسي البارز في “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد”، في موجز للسياسات نُشر أواخر دجنبر، أن “الاسم الرمزي للهجوم المفاجئ على إسرائيل من قِبَل “حماس” وذراعها العسكرية “كتائب عز الدين القسام”، يوم 7 أكتوبر 2023، قابَلَهُ رد إسرائيلي مدمّر على السكان المدنيين والبنية التحتية في غزة، كنتيجة لذلك، جعلت قضية الشعب الفلسطيني في المقدمة”.
في هذا الموجز البحثي، الذي اختار مؤلِفُه وَسْمَه بـ”المذكرة” (note)، اقترح “إجراء قراءة تاريخية للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني من خلال ثلاث مقاربات، تتعلق أولاها بالمجتمعات الفلسطينية والإسرائيلية، والثانية تتصل بالصراع العربي- الإسرائيلي الأوسع نطاقاً، حيث تتبع كل مرحلة من مراحل العداوات ونهج سياسات التعايش بعضها بعضاً، أما الأخيرة فهي المتعلقة بعواقب هذا الصراع المزدوج على حالة الشرق الأوسط بأسره، مع عدم الاستقرار الداخلي للدول التي تشكل خريطة المنطقة، وبين الدول نفسها (inter-États).
معالِم رسمَت مسار الصراع
في ثنايا ورقته البحثية، المنشورة باللغة الفرنسية، كان لا بد للخبير فتح الله ولعلو (وزير المالية في حكومة التناوب) أن يتوقف عند محطات “قطار التاريخ” لأجل فهم جذور الصراع، مسترجِعًا في هذا الصدد أنه “لعدّة قرون كانت أراضي فلسطين، مثل سوريا الكبرى، جزءًا من الإمبراطورية العثمانية. وبعد الحرب العالمية الأولى، وفي عام 1922، تم وضع هذا البلد تحت الانتداب البريطاني من قِـبل عصبة الأمم”.
وقبل أن يتوقف مستعرضاً بالتفصيل تحت عناوين فرعية لموجزه البحثي ما بين “تاريخ الحروب الإسرائيلية- العربية” و”بحثاً عن تمكين المقاومة الفلسطينية واستقلالية قرارها”، أجمل مؤلِّف الورقة شارحاً وملخصا في الآن نفسه: “في مسار تطوّر الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني مَعلَمان، هُما عام 1948 وعام 1967، اللذان يتخلَّلَهُما تعاقب الحروب والصدامات، ومحاولة فاشلة لإيجاد حل سياسي طيلة عقد التسعينيات”.
“لقد عزّز التطور الديموغرافي الحقيقة الاستعمارية التي قامت بها إسرائيل في مايو عام 1948″، يرصد الباحث في الوثيقة نفسها التي طالعت جريدة هسبريس نسختها الكاملة. وزاد: “استعمار استيطاني مطلَق لأن السكان الفلسطينيين، الذين كانوا يشكّلون الأغلبية بالأمس، تَقلَّصوا بشكل كبير ومُطَّرِد، بينما شهد عدد السكان الإسرائيليين من الهجرة توسعاً لافتاً ليصبحوا، بذلك، الأغلبية”.
المقاومة والسلام
“الانتفاضة” شكلت محورا من محاور “مذكرة ولعلو” في الموضوع، مسجلا أنها “شكل جديد من أشكال المقاومة”، قبل أن يبسط كرونولوجيا “مفاوضات السلام”.
ووفق تقدير الباحث الرئيسي في “مركز سياسات الجنوب الجديد”، فإن “ظهور “الإسلام السياسي (islamisme) ” في العالم العربي ارتبط – إلى حد كبير- بتطور الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. إنه تعبير عن بعض اليأس في مواجهة الراديكالية الإسرائيلية التي ترفض الاعتراف بحقوقهم المشروعة للفلسطينيين”.
وسجل ولعلو في هذا الصدد أن “مسار الحركة الإسلامية في العالم العربي يرتبط بمراحل الصراع المختلفة”، قائلا: “إذا كانت هزيمة عام 1967 بمثابة فشل للعروبة، فقد أعطَت دفعة حقيقية للمقاتلين/ المقاومين الفلسطينيين في سعيهم للحصول على التمكين الذاتي واستقلالية قراراتهم عن الدول العربية والأردن ومصر وسوريا وكذا دول الخليج”.
ويرى كاتب الورقة، الواقعة في حوالي 14 صفحة، أن تطور القضية الفلسطينية نجمت عنه آثار مباشرة وغير مباشرة على جميع مكونات ودول الشرق الأوسط، التي عاشت باعتبارها “منطقة في حالة اضطراب مستمر”، وفق توصيف ولعلو، الذي رصد هذه التأثيرات وعدّدَها “من الأداء الداخلي لمؤسسات الدول إلى العلاقات المتناقضة بينها وبين الغرب وبقية العالم”.
قضية مركزية وحتميّة
مع هذه الحرب الجديدة (الدائرة رحاها منذ سابع أكتوبر 2023) “استعادت القضية الفلسطينية، وفق الكاتب، مركزيّتها في العالم بفجوة جديدة بين الغرب الداعم لإسرائيل، و”الجنوب العالمي” (sud global)”.
“أكثَرَ من الحرب الأوكرانية أعطى إحياء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الجنوب العالمي الفرصة لإظهار وَحْدَته، بما في ذلك اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعو إلى هدنة إنسانية فورية في غزة في 27 أكتوبر 2023″، يضيف ولعلو، مستنتِجاً بأن “المملكة العربية السعودية، التي ترغب في تعزيز تأثيرها الإقليمي، تمكنت من جمع جزء من هذا الجنوب العالمي لصالح حقوق دولة فلسطين من خلال تنظيم ثلاث قِمَم بارزة في أكتوبر بالرياض، جامعة بين الدول العربية والإسلامية والإفريقية”.
وزاد موضحا: “كشفت الحرب الإسرائيلية- الفلسطينية الجديدة حول غزة عام 2023 أن القضية الفلسطينية لا تزال مركزية ولا مفر منها. لا يمكن تجنّب ذلك إذا أردنا بناء شرق أوسط جديد تقبل فيه جميع الكيانات بعضَها البعض وتتعايش”، لافتا إلى أن “الاعتراف بأن الاحتلال الاستعماري هو أصل الصراع يعني الاعتراف بشرعية النضال والمقاومة الفلسطينيّين”.
“في الوقت الحالي، في خضم الصراع، يبدو السلام “طوباوياً (مِثل مدينة فاضلة). ومع ذلك، يجب أن نترك فُرَصَنا لهذا السلام”، يختم ولعلو بنبرة المتفائل، مشيرا إلى أنه “على القوى العظمى اليوم، الولايات المتحدة والصين، مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والقوى الصاعدة في “مجموعة الـ20″، أن تأخذ زمام المبادرة للسماح بتأييد حل الدولتين، الذي يظل الحل الوحيد القابل للتطبيق (بشكل عمَلي وناجع)”، فيما “يجب أن تلعب القوى الإقليمية الجديدة، المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا ومصر، دورًا نشِطًا أكثر في إيجاد حلول عبر المفاوضات”، يضيف الباحث.
المصدر: وكالات
