مؤشرات دالة على حركية التجارة الخارجية للمملكة المغربية سجلتها آخر معطيات وبيانات مكتب الصرف، الذي أفاد بانخفاض العجز التجاري للمغرب “بنسبة 7,6 في المائة”، بالغاً في متم نونبر الماضي 261,3 مليار درهم، مقابل 282,8 مليار درهم في الفترة نفسها قبل عام.
تقليص هوة العجز التجاري ينهي عام 2023 على “وقع أنباء سارّة”، وجاء نتيجة لواردات بقيمة 653,8 مليار درهم، مسجلة انخفاضا بنسبة 3,3%، مقابل صادرات بقيمة 392,4 مليار درهم، بانخفاض في حدود 0,3%.
البيانات الواردة في تقرير مكتب الصرف حول المؤشرات الشهرية للمبادلات الخارجية برسم الأشهر الـ11 الأولى من عام 2023 أكدت منحى “انخفاض الفاتورة الطاقية للمغرب”، التي كانت قد لامست مستويات غير مسبوقة مباشرة إثر الحرب الروسية-الأوكرانية.
بيانات فاتورة شراء منتجات الطاقة، التي طالما أثقلت كاهل التوازنات المالية لبلادٍ مازالت تستورد معظم حاجياتها الطاقية من الخارج، لا سيما واردات المحروقات، سارت، حسب ما طالعته هسبريس، لتتراجع بنسبة كبيرة (21.4% على أساس سنوي إلى 110.9 مليارات درهم)، والنتيجة ليست سوى “تراجع الأسعار بنسبة 17.6% والأحجام المستورَدة بنسبة 9.7%”، يرصد مكتب الصرف.
في سياق متصل، أكد التقرير الرسمي الصادر تزامنًا مع نهاية العام الجاري أن “معدل تغطية الواردات عبر الصادرات” في متم نونبر وصل إلى 60 في المائة، مقابل 58,2 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي، ليُنهي عام 2023 تقريبا بمكاسب 1,8 نقطة مئوية.
انخفاض الواردات في متم نونبر يعود إلى تراجع مشتريات المنتجات الطاقية بنسبة 21,4 في المائة، كي تستقر في حدود 110,9 مليارات درهم، وكذلك انخفاض مشتريات المنتجات نصف المصنعة بنسبة 11,3 في المائة، والمنتجات الخام بنسبة 21,9 في المائة.
وأبانت التفاصيل أن الانخفاض الطفيف للصادرات يُعزى-خصوصا-إلى “مبيعات الفوسفاط ومشتقاته”، التي بلغت في متم نونبر الماضي 67,22 مليار درهم، متراجعة بنسبة 38 في المائة، مع استفادتها في المقابل من “ارتفاع مبيعات قطاع السيارات بنسبة 30,2 في المائة، لتتخطى 130 مليار درهم، بقليل”. كما ارتفعت صادرات قطاع الإلكترونيك والكهرباء بنسبة 27,3 في المائة إلى 21,2 مليار درهم، في وقت زادت فيه مبيعات النسيج والألبسة بـ 5,7 في المائة، لتصل إلى 43,18 مليار درهم.
حضور التوازن
أكد عبد الرزاق الهيري، محلل اقتصادي أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، أن انخفاض العجز بقيمة 21 مليار درهم راجع أساساً إلى انخفاض الواردات بـ3.3 في المائة، أي 22 مليارا و600 مليون درهم، ملاحظاً أنه “انخفاض أكبر من انخفاض الصادرات خلال الفترة ذاتها بـ0.3 في المائة (أي مليار و100 مليون درهم)”.
ورأى أستاذ علوم الاقتصاد، في إفادات تحليلية لجريدة هسبريس، أن “انخفاض العجز التجاري المغربي يأتي في نهاية السنة، وهو مؤشر إيجابي دالٌّ فيما يتصل بهدف الحفاظ على التوازنات التجارية التي تضعها ميزانية البلاد مع كل قانون مالي”، مردفاً بأن ذلك “أدى إلى تحسن ملموس في نسبة تغطية الواردات عن طريق الصادرات، بعد تطورها من 58,2 بالمائة إلى 60 بالمائة ما بين يناير 2023 ومتم نونبر من العام نفسه”.
مدير “مختبر تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية” بجامعة فاس رصد في تحليله أن “انخفاض الواردات المغربية يعزى إلى عوامل عدة؛ أبرزُها المواد الطاقية التي جعلت الفاتورة الطاقية تنخفض بشكل ملموس”، وقال إنها تبقى “مستفيدة بشكل إيجابي من تراجع أسعار الطاقة العالمية وكذا الكميات المستوردة؛ هذه الأخيرة التي تُفسَّر بعقلنة استهلاك المواد الطاقية بالمغرب، وبالتالي انخفاض الكميات المطلوبة في هذا المجال، بعد غلائها عالميا خلال سنة 2022 وبعض شهور من 2023″، وفق تقديره.
“التحسن في العجز التجاري يمكن تفسيره أيضا بانخفاض “واردات المواد الخام”، خاصة من مادة الكبريت، بما يناهز 60 في المائة، أي بما يفوق 10 مليارات درهم، وهي مادة مرتبطة بصناعة الأسمدة وقطاع الفوسفاط المنخفضة صادراته مقارنة مع الفترة نفسها من 2022، حسب شروحات الخبير الاقتصادي.
وأشاد الهيري بـ”تنافسية صادرات المغرب”، مشددا على أهمية استكمال “مسار تنفيذ التزامات الحكومة باستبدال بعض الواردات بالصناعة المحلية من أجل تقليص العجز التجاري”.
قراءة متفائلة
قال رشيد ساري، محلل اقتصادي، إن “مجموعة من الأسباب تتقاسم تفسير تراجع العجز التجاري بأكثر من 7 في المائة”، وهو المؤشر الذي استرعى الاهتمام بين المهتمين بشؤون الاقتصاد.
ووضع ساري، في حديث مع هسبريس، المؤشرات تحت مجهر التحليل، قائلا إن الأسباب الأولى أساسا “تتعلق بالشق الدولي لتعاملات المغرب التجارية مع الخارج”، خاصا بالذكر “الفاتورة الطاقية التي انخفضت بشكل ملموس” فاسحة المجال لتقليل تبعية المغرب في هذا المجال السيادي اقتصادياً في عالم اليوم.
وأضاف ساري أن “مصفوفة من العوامل الداخلية تسعفنا في تفسير البيانات الرسمية لمكتب الصرف، أهمها ارتفاع مهم جداً لصادرات السيارات (كانت 100 مليار درهم فقط لتقفز إلى 130 مليار درهم)”، قبل أن يتوقع أن تتجاوز الرقم الأخير المعلَن رسميا عند احتساب نسبة الارتفاع (قد تقارب 50%) إلى متم شهر دجنبر عند تحديث الأرقام.
كما لفت المحلل الاقتصادي إلى أن “ارتفاع صادرات المنتجات الكهربائية والنسيج لم يكن مفاجئاً عند تتبع بيانات هذه المواد”، مقابل “انخفاضات متوقعة”، بحسبه، لصادرات المواد الفوسفاطية، متأثرة بتراجع واضح في أسعار الفوسفاط عالميًا. وزاد أنها “قد تستمر ربّما على المنحى نفسه في 2024”.
من بين العوامل التي وصفها ساري في تصريحه بـ”الإيجابية جداً”، “تحسّن مؤشر تغطية الواردات بالصادرات، ما يعني أنه مع نهاية السنة وديناميات الانتعاش الإيجابية قد نتوقع نتائج سنوية جد مبشّرة بالنسبة للتجارة الخارجية المغربية”، دون أن يغفل وجود “توجس ومخاوف من ارتفاع أسعار الطاقة مجددا في العام 2024”.
المصدر: وكالات