تناسلت عديد القراءات والتحليلات حول المقاصد غير المعلنة من خرجة أحمد عطاف، وزير خارجية الجزائر، الذي حاول تمرير مغالطات كثيرة حول موضوع العلاقات المغربية الجزائرية وموقف بلاده من ملف الصحراء المغربية، وربطها المباشر بمبادرة الملك محمد السادس القاضية بإعداد آلية سياسية مشتركة للتشاور وفتح حوار جاد بين البلدين الشقيقين في إطار اليد الممدودة.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه المنتظم الدولي قبول الجارة الشرقية الجلوس إلى طاولة حوار شامل مع المغرب، وإعلان رسمي لطي صفحات الماضي وتجاوز الخلافات العالقة بين البلدين، خاصة ما تعلق بملف نزاع الصحراء وتدخله المباشر في عرقلة بناء الاتحاد المغاربي، يصّر النظام الجزائري على التمسك بعدم الرد الرسمي على المبادرة المغربية، ومحاولة التملص منها عبر بث حوارات موجهة للمشاهد العربي وأخرى للمجتمع الأوروبي.
فحديثه عن أن بلاده تؤمن بحتمية بناء المغرب العربي الكبير، وبأن “دور الجزائر ومسؤوليتها يقتصران على تهيئة الأرضية، وهي مستعدة لذلك”، يعد هروبا إلى الأمام؛ من خلال سعيها إلى طرح نقاش يتجاوز الحوار الثنائي بينها والمغرب، ويُخلي مسؤوليتها التاريخية في إيجاد حل نهائي لنزاع الصحراء؛ الذي يشكل لب الخلاف بين الجارين والمعطل الأساس لقيام اتحاد مغاربي مشترك.
كما أن الشارع المغاربي بات يُجمع على أن بناء وحدة إقليمية مشتركة في إطار الدول الخمس يحتاج شجاعة متبادلة تبدأ بتبديد الغيوم العالقة في سماء البلدين الجارين، ومحاولة إزاحة الحواجز السياسية والنفسية بشكل يكفل إذابة الخلافات ويصون وحدة وسيادة الدول، خاصة أن المعاهدة التأسيسية للاتحاد المغاربي تحظر استخدام أراضي أي دولة عضو كقواعد لحركات تحررية معارضة ضد أي من الدول المغاربية المؤسِسة، تطبيقا لبنود الفصل “115” من الميثاق المؤسس لاتحاد المغرب العربي، الذي يحث جميع الأطراف الموقعة عليه بالالتزام: “بعدم السماح في ترابها لأي نشاط أو حركة قد تهدد الأمن والوحدة الترابية للدولة العضو أو تهدد نظامها السياسي أو الانضمام إلى أي تحالف عسكري أو سياسي موجه ضد استقلال تراب الدول الأعضاء الأخرى”؛ وهو ما ينسجم بالدرجة الأولى مع دعم الجزائر للبوليساريو كحركة مسلحة وُظفت أساسا لمناهضة هذا التوجه.
وتفاعلا مع خرجة أحمد عطاف الأخيرة، قال وليد كبير، الإعلامي والناشط الحقوقي الجزائري، إنه من المؤسف أن يصل وزير خارجية الدولة الجزائرية به الأمر حد الكذب دون خجل ولا حياء، حين يتحدث عن الموقف الإسباني تجاه قضية الصحراء المغربية، مشيرا إلى أن “عطاف أجاب إجابة صادمة وغريبة حين صرح بأن الموقف الإسباني قد تغير من قضية الصحراء، ولهذا أعدنا السفير الجزائري إلى مدريد”.
وأوضح الكاتب الجزائري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “حقيقة الأمر إسبانيا لم تغير من موقفها تجاه ملف الصحراء المغربية؛ ولعل الزيارة الأخيرة لخوسي مانويل ألباريس، وزير الخارجية الإسبانية، إلى المغرب أكدت ثبات الموقف الإسباني، وهو نفسه الموقف الذي انبثق عن الإعلان المشترك المغربي الإسباني يوم 07 أبريل 2022″، مشيرا إلى أن “إسبانيا تدعم مخطط الحكم الذاتي في إطار سيادة المغرب على الصحراء، وأن إسبانيا اختارت الاصطفاف إلى جانب المغرب فيما يخص هذا النزاع المفتعل منذ 1975”.
الأمر الثاني والذي قد يكلفه منصبه، أضاف المعارض الجزائري، هو عندما نطق في موضوع زلزال الحوز كلمة (طُلب) مني الاتصال بناصر بوريطة وزير الخارجية المغربية ولم يرد عليّ، واستعمل الفعل المبني للمجهول ولم يقل طَلب مني رئيس الجمهورية؛ مما يعني بحسبه أن “الوزير يتلقى التعليمات من عصابة العسكر وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات حول حقيقة هذا النظام”.
وشدد الخبير في الشأن الجزائري على أن “عطاف أهان نفسه بنفسه، خاصة أن الأعراف الدبلوماسية تتفق على أن تقديم التعازي ورسائل المواساة بين الدول تكون عبر المراسلات وبعث برقيات مكتوبة، تذاع بعد ذلك في وكالات الأنباء الرسمية، وهي إشارة تحاول من خلالها الجزائر تفريغ سياسة اليد الممدودة التي دأب الملك محمد السادس من محتواها في عدد من الخطابات الملكية السامية”.
وتعليقا على المحور الذي تركز على زيارة جوشوا هاريس، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، أكد كبير أن “حوار أحمد عطاف كشف حجم الضغوطات النفسية والسياسية التي يتعرض لها هذا النظام من طرف الإدارة الأمريكية”، لافتا إلى أن “هناك اعترافا من عطاف بأن الولايات المتحدة الأمريكية تضغط من خلال مبعوثها للمنطقة جوشوا هاريس على الجزائر من أجل طي هذا الملف بشكل نهائي وبدون تأخير، علما أن البيت الأبيض يدفع لفرض الحل الواقعي المتمثل في الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية على كامل ترابه”.
كما استدرك الناشط الحقوقي الجزائري أن “الخرجة الإعلامية أوضحت بشكل جلي أن نظامه هو من طلب برمجة اللقاء الصحافي بتنسيق مع الصحافية الجزائرية خديجة بن قنة”، معتبرا “الخرجة الإعلامية غير موفقة تماما تبرز عدم تحكمه في القرارات وتؤكد بشكل جلي أنه يتلقى الأوامر من النظام العسكري وليس من الرئيس عبد المجيد تبون، مما يدل على تأخر هذه السياسة الخارجية الجزائرية التي لا تمتلك إلا ملف واحد؛ وهو ملف الصحراء المغربية والعداء مع المغرب”.
وبنظرة استشرافية، أكد المعارض المقيم بالمغرب أن “من الوارد جدا أن هذا الحوار سيكلفه منصبه من خلال سقطاته المتواصلة ومن خلال طريقة رده على الأسئلة التي حاولت الصحافية الجزائرية إنقاذه وعدم إحراجه لكي لا يتورط أكثر، بحيث ظهر عليه الارتباك وظهر أنه ليس متحكما في الملف وأن من يتحكم فيه هو عصابة العسكر المتحكمة في مفاصل الدولة وليس وزارة الخارجية الجزائرية”.
المصدر: وكالات