مازالت وضعية الطوارئ المائية التي أفصح عنها وزير التجهيز والماء، الأسبوع الماضي، تستأثر بالنقاش في العديد من المناطق المهددة، لاسيما الفضاءات الجبلية والمناطق الرطبة التي صارت مرشحة أكثر من أي وقت مضى “لزوال ضاياتها وبحيراتها وأنهارها بسبب الجفاف”؛ فالماء بهذه المناطق يتمتع بحمولة سوسيو-ثقافية واقتصادية، بوصفه من أكثر العناصر الحيوية في المناطق الرطبة عكس المناطق الجافة.
وتعيش هذه المناطق من موارد الفلاحة المعيشية وأيضا السياحة الجبلية، ما أثار المخاوف لدى الساكنة والفعاليات الجمعوية بشأن “إمكانات أن تكون لتداعيات الجفاف المتواصل آثار ضارة بالسلم الاجتماعي لساكنة المرتفعات أو الفضاءات الخصبة بشكل عام”، الأمر الذي ينذر بـ”أفق غامض” تستعد هذه المناطق لمواجهته في السنوات المقبلة، وهو ما “يسائل الجهود لتأمين حاجيات الساكنة من الماء وضمان استفادتها من مشاريع التحلية”.
مناطق رطبة مهددة
محمد الديش، المنسق الوطني “للائتلاف المدني من أجل الجبل”، اعتبر أن “آثار الجفاف على المناطق الرطبة وعلى الوديان والأنهار بالجبال، يعد أكثر خطورة؛ نظرا لكون المناطق التي تتمحور فيها هذه النقط قصية وأحيانا مرتفعة صعبة الوصول”، موضحا أن “عملية تحلية المياه التي ستتم بكلفة جد عالية ستواجه تحدي الوصول إلى هذه المناطق، وبالتالي الخوف يزداد أضعافا حين نتحدث عن الجبل، حيث تغدو مشكلة الماء أكثر مدعاة للقلق”.
وأورد الديش، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المياه المحلاة لن تصل بسهولة إلى المرتفعات، لكون تكلفة النقل ستكون باهظة”، مسجلا أن “الإجهاد المائي بلغ مداه بسبب الجفاف وبسبب الاستغلال غير المعقلن والتدبير السيء للموارد المائية الوطنية، خصوصا في المناطق الرطبة”، مشددا على أن العديد من الضايات جفت، مثل ضايتي “عوا” و”إفرح”، وأن ضايتي “الرومي” و”أكلمام” “تلفظان أنفاسهما الأخيرة بحكم توالي سنوات الجفاف”.
وأكد المتحدث عينه أن “هذه البحيرات الطبيعية تواجه مشكلة الصمود وتحدي الاستمرار أمام التغيرات المناخية الحادة”، مشيرا إلى أن “البيانات الرسمية الأخيرة المتعلقة بالماء تشكل خطرا على التنمية في المناطق الجبلية؛ فحصة الفرد من الماء ضئيلة والمنابع والعيون الكائنة في المناطق الرطبة هي خزان سوسيو-ثقافي ومورد اقتصادي، نظرا لكون السياحة الجبلية تقوم بالأساس على المناظر الخلابة والمغامرة واكتشاف طبيعة البلاد التي أضر بها الجفاف”.
وأورد الفاعل في مجال حماية الجبل أن “النظام الإيكولوجي في الجبل يقوم على الماء، لكون الطيور وباقي الكائنات الحية التي تساهم في التنوع البيولوجي تبحث عن هذه المادة، وبالتالي انتفاء هذا العنصر من الممكن أن يطرد العديد منها بشكل نهائي أو يؤدي إلى نفوقها”، منبها إلى أن “الفعاليات المدنية نبهت إلى ضرورة توفير سدود تلية وسدود أخرى في الأعالي لكون عشرات الآلاف من لترات المطر تم هدرها وراحت دون أن تستفيد منها العيون أو الساكنة”.
رصد شلالات فارغة
أيوب كرير، باحث في المناخ والتنمية المستدامة، اختار أن يؤكد أن “الندرة في المياه مشكلة وطنية اليوم، وصرنا نقترب من نسبة عالية من العجز المائي، لأن المناطق التي كانت دائمة جريان المياه على مدار السنة وكنا نعتبرها خزانا للثروة المائية الوطنية، صارت مهددة بشكل غير مسبوق”، موضحا أن “هذا الوضع الذي وصلنا إليه صار يهدد الشلالات بالجفاف وبالنضوب، وهذه سيناريوهات محتملة ومطروحة”.
كرير أوضح، في تصريح لهسبريس، أن “الوضع الذي بلغته الجبال، التي كانت خصبة، من حيث الندرة اليوم، يحاكم استهتار المسؤولين الذين كانوا ينظرون إلى موضوع التغيرات المناخية كشيء يناقش في المؤتمرات وعلى مستوى المجتمع المدني”، مشددا على “ضرورة إنقاذ المناطق الرطبة لحماية الثروة المائية بهذه الجهات، فلا يجدي الآن قطع الماء مؤقتا عن الساكنة، بل يجب أن يتم الضرب بيد من حديد على المنشآت الصناعية والضيعات الفلاحية الكبرى التي تستنزف الفرشة المائية بشكل عشوائي”.
وأبرز الناشط البيئي أن “العديد من المناطق الخضراء صارت قاحلة، والعديد من الضايات جفت أو نقصت مواردها لكونها كانت تتغذى من الأمطار أو من ذوبان الثلوج، وإلى وقت قريب كانت البحيرات والضايات متنفسا بالنسبة للمغاربة والساكنة القريبة منها للهروب من درجات الحرارة صيفا، أو التنزه والاستجمام فيها في باقي فصول السنة وعقد جلسات عائلية أو بين الأصدقاء، إلخ، فالجفاف أضر بكل شيء في المناطق الجبلية”.
المصدر: وكالات