كان احتفال بعض المغاربة المسلمين بـ”ميلاد المسيح” ليلة الأربعاء والاستعداد للاحتفال برأس السنة الأحد المقبل فرصة لكي تعتبر بعض الفعاليات الدينية الإسلامية أن “الاحتفال مع النّصارى لا يدخل في صميم العقيدة الإسلامية السليمة”، وهو ما أعاد إلى الواجهة النقاش المجتمعي والفقهي، السنوي، الذي يرافق هذه الاحتفالات، لكون “ميلاد المسيح” أو “الكريسماس” له حمولة دينيّة خالصة، بينما الاحتفال برأس السنة الميلادية له “حمولة إنسانية”، تؤمن بها مختلف شعوب العالم من ديانات مختلفة.
وتدفع بعض الحساسيات بأنه “حتى مبدئيا، فبما أن غير المسلمين لا يحتفلون بالسّنة الهجرية إلى جانب المسلمين فإنه من غير الجائز الاحتفال بالسنة الميلادية مع المسيحيين وغيرهم”. كما أن هناك أطرافا مغربية حداثية أخرى تنتصر للتعايش من وجهة نظر دينيّة، وترى أن “الاحتفال مع المسيحيين في هذه المناسبات أو غيرها وتهنئتهم بمناسباتهم المقدّسة لا يطرح أيّ مانع، بما أن الأصل هو احترام التواصل كأبرز شروط السلام”.
في هذا الصدد اعتبر إدريس الكنبوري، الباحث في الفكر الديني، أن “الاحتفال مع المسيحيين إذا كان وفق منظور أنهم مسيحيون فهو غير صحيح من الناحية العقائدية”، موضحا أن “الغرب الذي نقول إنه مسيحي ظهر أنه صليبي، وبالتالي لا يجوز شرعا الاحتفال معه”، ومسجلا أن “التأويلات التي تتجه إلى تكفير من يحتفل أو إخراجه من الملة تظل وجهات نظر متشددة، لكن الاعتبار واضح أن الصليبيين لا تجوز مجاراتهم، لكون النقاش خرج من احتفال المسيحيين إلى احتفال الصليبيين”.
وحسب ما أبداه الكنبوري لهسبريس فإن “الاحتفال بـ’الكريسماس’ لا يدخل في إطار الخروج عن الملة إلا إذا كان إيمانا بصحّة هذا المعتقد”، موضحا أن “المواطن المغربي مادام لا يؤمنُ بأن المسيح ابن الله فلا إشكال في الاحتفال مع المسيحيين بهذه المناسبة؛ فالمسلمون المقيمون بأوروبا مثلاً يقومون بذلك لكنهم يحافظون على عقيدتهم الدينية، وكذلك المغاربة المقيمون بالمغرب يمكنهم القيام بذلك”.
وأبرز المتحدث ذاته أن “الاحتفال برأس السنة أو بـ’الكريسماس’ يصطدم هذه المرة بالحرب الدائرة على قطاع غزة، حيث علّق المسيحيون في فلسطين وفي مناطق أخرى الاحتفالات، وبعضهم قلصوها إلى الحد الأدنى، تعاطفا مع الفلسطينيين”، مشدّدا على أن “المسيحي أو المتمسّح لا كلام معه في عقيدته وما يؤمن به، ولكن دعم الغرب المسيحي إسرائيل حاليّا يبرز أنه ضد المسيحية وضد الإسلام، وبالتالي من هذا المنطلق لا يجوز الاحتفال معه أو مسايرته في أهوائه”.
من جانبه قال محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الفكر الإسلامي، إن “الاحتفال بعيد الميلاد المسيحي أو رأس السنة الميلادية لا إشكال فيه لكونه يكرس التسامح والتعايش واحترام الآخر المختلف عقديا، وبالتالي خدمة المجتمعات المدنية الحديثة”، مبرزا أن “هذا النقاش كانت بعض التيارات السلفيّة المستوردة تحاول السطو عليه واحتكاره، باعتباره نقاشا دينيا غير قابل للتفاوض، وهو ما كان بعيدا عن التدين المغربي”.
وأبرز رفيقي، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن “هناك نوعا من التكفير لدى السلفيين المغاربة”، وأن “هناك خلطا متعمدا من طرف بعض المتشددين بين أعياد الميلاد التي يحتفل بها المسيحيون وبين احتفالات رأس السنة التي هي احتفالات كونية عالمية”، مشدّدا على أن “الاحتفال والفرح من الطقوس المغربية، فالمغاربة لهم تاريخ طويل في العيش المشترك قبل دخول التيارات الأصولية الوافدة بأفكارها من المشرق لتدسّ السم في هذا النقاش”.
وأضاف المتحدث عينه أنه “من الناحية الشرعية أيضا لا إشكال في الاحتفال بعيد الميلاد، لأن المسلمين يقدّرون عيسى ابن مريم ويعتبرونه أحد أبرز الأنبياء”، لافتا إلى كون المغاربة المسلمين يحتفلون بالسنة الهجرية وبالسنة الفلاحية أيضا، “وهي مواعيد لتدشين أفق جديد ولدخول فرص أخرى من الحياة، سواء كانت لها حمولة دينية أو غيرها؛ وبالتالي صار الفكر السفلي والأصولي ينحسر ومفعوله صار من الماضي”، وفق تعبيره.
المصدر: وكالات