مازالت العلاقات المغربية الإسبانية تعيش “أزهى فتراتها”، متجهة نحو مزيد من التعاون المشترك في نقاش قضايا متعلقة بالسيادة، سواء تلك المرتبطة بمسألة “ترسيم الحدود البحرية” بين المملكتين أو “إدارة وتدبير المجال الجوي” فوق الصحراء المغربية حيث تدعم مدريد مبادرة الحكم الذاتي المغربية.
وسيلة الإعلام الإسبانية “Okdiario” نقلت عن “مصادر دبلوماسية”، وفق توصيفها، أن “الحكومة الإسبانية تستعد فعليا لنقل تدبير وإدارة المجال الجوي للصحراء إلى المغرب”، كاشفة أنه يتم “بالفعل التحضير لزيارة رسمية مستقبلية لبيدرو سانشيز إلى الرباط”، مرتقبة خلال الأشهر الأولى من عام 2024، وسط أنباء عن “ترتيبات جارية” للقاء “طال انتظاره” بين رئيس الحكومة الإسبانية والملك محمد السادس.
وتحاول حكومة بيدرو سانشيز (في نسختها الثانية)، حسب المنبر الإسباني ذاته، “الإسراع باستكمال إجراءات” ترتيب زيارة رئيسها إلى المغرب “في أقرب وقت ممكن”، تورد صحيفة “Okdiario”، مسجلة أن “هذه المرة، على عكس السابق، قد تكون زيارة مع الاستقبال الرسمي من طرف العاهل المغربي”.
في السياق ذاته، لـمّح المنبر نفسه إلى “إنهاء الحكومة الإسبانية-بالفعل-تفاصيل أحد العروض التي سيقدمها سانشيز إلى المغرب: تسليم المراقبة الكاملة على المجال الجوي للصحراء، الذي تُديره إسبانيا حاليا بتفويض من الأمم المتحدة”، قائلا: “في الواقع، فإن الرهان كبير، يتمثل في المجال الجوي للصحراء المغربية، الذي تُديره إسبانيا حاليًا، باعتباره يدخل ضمن خط جوي مهم للشركات التي تربط بين أوروبا وأمريكا الجنوبية”.
“المغرب سيّد صحرائه”
عبد العالي باروكي، خبير في الشؤون الإسبانية أستاذ الدراسات اللاتينية والإسبانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال في تعليقه على الموضوع، إن الأخير “يظل حبيس تجاذب بين وجهتيْ نظر: مغربية وإسبانية”، موردا أن “الرباط ومدريد كلّ يراه بعين مصلحته”.
وأضف باروكي، في شروحات قدّمها لهسبريس، أن “من وجهة نظر الرباط، فالمغرب سيّد صحرائه، ويتوفر على سيادته الكاملة في الأقاليم الجنوبية للمملكة، بالأبعاد السيادية الثلاثة: الجو والبر والبحر”، مستحضرا سياقات استكمال الوحدة الترابية للمغرب بعد استرجاع بقية الأقاليم بعد المسيرة الخضراء عام 1975. وزاد: “المغرب يناقش حتى ترسيم الحدود البحرية مع الإسبانيين في جزر الكناري، ويعتبر أن سيادته على الأجواء كاملة”.
أما بالنسبة للإسبانيين، فإنهم، بحسب الخبير نفسه، يحاولون “ربط زيارة سانشيز بالنتيجة التي قد يحققها من وراء لقاء شخصي مباشر مع الملك محمد السادس”، معتبرا أن “الزيارة تظل ترتيباتها مرتبطة بالأجندة الملكية وتنسيقها في هذا الإطار”، وهو ما يعني “ربطا غير منطقي من بعض وسائل الإعلام الإسبانية بين أجندة الزيارة المنتظرة ونقطة تدبير المجال الجوي للصحراء”.
وزاد شارحا: “بشكل أو بآخر، يمكن اعتبار زيارة وزير الخارجية الإسبانية، ألباريس، مؤخرا إلى المغرب تأتي كتمهيد دبلوماسي واضح لزيارة سانشيز”، منوها إلى أن “الزيارات وظروفها وتأكيدها، المغرب هو من يقرّر فيها، وهو ما يُلاحَظ من خلال أن المغرب في سياسته الخارجية أصبح يقرر التوقيت في جميع التحركات المتصلة بقريب أو من بعيد بملف الصحراء المغربية”.
“حسابات داخلية”
من جهته، يتفق سعيد إدى حسن، محلل سياسي باحث بجامعة كومبولونتسي بمدريد، مع الفكرة التي مفادها انفصال الموضوعين ومحاولة ربط الإعلام الإسباني بينهما عبر الضغط على سانشيز بعد نجاحه في تشكيل ائتلافه الحكومي مرة ثانية.
وسجل الباحث المتابع للشأن الإسباني الداخلي، في حديث لهسبريس، أن “بعض وسائل الإعلام بإسبانيا تسعى لتأجيج وخلق مشاكل من لا شيء، إذ تحاول ربط تلك الزيارة دائما، حسب تقديرها، بتنازلات قد يقدمها سانشيز للمغرب، وفي حال لم يقم بها تنتقده. إذن، فالموضوع تخترقه مزايدات سياسية تجعل من الزيارة المقبلة لرئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى المغرب خطوته تخضَع لضغوط من طرف اليمين الإسباني (خاصة من الحزب الشعبي والصحافة المقرّبة منه)”.
ولفت إدى حسن إلى أن “بعض وسائل الإعلام الإسبانية أطلقت العنان لتصوير سانشيز وكأنه سيقوم بتسليم إدارة المجال الجوي المدني فوق الصحراء كهديّة للمغرب خلال لقائه المرتقب مع العاهل المغربي”، معتبرا أن في هذا “تبخيساً لنوعية ومسار العلاقات المغربية الإسبانية”. وتابع موضحا بأن “إدارة وتدبير المجال الجوي المدني وتفويته لهيئة الطيران المدني بالمغرب، هي فقط نقطة ضمن نقاط مُدْرَجة في خارطة الطريق التي وقّع عليها البلدان في أبريل 2022”.
“مسألة تقنية”
استَذكر الباحث ذاته حدث “تشكيل لجنة مشتركة لدراسة حيثيات الموضوع والقضايا القانونية والسياسية والتقنية المتعلقة به، وقد توقفت هذه اللجنة عن عملها خلال الأزمة السياسية التي عاشتها إسبانيا، أما الآن بعد فوز سانشيز بتشكيل حكومة، فكل اللجان التقنية المنشأة ستستأنف عملها، وإذا ما تمكّنَت من إنهاء عملها قبل زيارة سانشيز للمملكة، فهو أمر جيد”.
ومضى بالقول: “ربما تكون زيارة سانشيز مناسبة لإعلان نتائج عمل اللجنة، وستكون النتيجة هي صدور قرار حكومة إسبانيا بتسليم المجال الجوي المدني للسلطات المغربية، والأمر ليس مستعجَلاً بالنسبة للبلدين، ولو أنه موضوع مُلّح أكثر بالنسبة للرباط، فيجب مراعاة الأمور التقنية”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “استقبال سانشيز من طرف الملك محمد السادس يتعلق بأجندة ملكية وترتيبات معينة”، معتبرا أن “هذا الحدث سيشكل دعماً لرئيس الحكومة الإسبانية يظل في حاجةٍ إليه داخليًا”.
المصدر: وكالات
