حولت الحرب الدائرة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس حياة سكانه إلى صراع دائم للبحث عن أبسط مقومات الحياة من طعام ومياه وحتى الحمام.
اندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس في 7 أكتوبر نتيجة هجوم غير مسبوق نفذته الحركة الفلسطينية على إسرائيل من قطاع غزة وأسفر عن مقتل 1140 شخصا، معظمهم من المدنيين، قضى غالبيتهم في اليوم الأول، بحسب السلطات الإسرائيلية.
وردت إسرائيل على الهجوم الأسوأ في تاريخها بعملية جوية وبرية على غزة، وتعهدت بالقضاء على حركة حماس.
قتل في الرد الإسرائيلي ما لا يقل عن 20057 شخصا بحسب حكومة حماس.
ونزح نحو 1,9 مليون شخص في قطاع غزة منذ بدء الحرب، أي 85 % من السكان.
فيما يأتي تروي ثلاث نساء في قطاع غزة لوكالة فرانس برس كيف فرضت الحرب عليهن واقعا جديدا.
الطبيبة نور الوحيدي (24 عاما)
مكثت الطبيبة نور 38 يوما في مستشفى الشفاء في مدينة غزة بعد بداية الحرب، لتضطر للنزوح بعدها إلى رفح في جنوب القطاع.
وتعمل حاليا في قسم الاستقبال والطوارئ في المستشفى الكويتي في مدينة رفح.
تروي نور كيف عملت لمدة 38 يوما متواصلا، وتقول لوكالة فرانس برس: “لم أذهب إلى البيت إطلاقا، تمت محاصرة المستشفى فنزحت في اليوم الـ38 (…) منذ أكثر من شهر”.
تؤكد نور وجود “اختلاف شاسع بين حياتي السابقة في بيتي حيث جميع مقومات الحياة متوافرة، وبين وجودي في مكان غريب بدون مواد غذائية أو مياه، أي مقومات الوضع كارثي، إنسانيا واقتصاديا ومعيشيا وصحيا”.
وتقول إنها تقيم في رفح الآن مع “أكثر من عشرين شخصا في شقة صغيرة جدا، المكان لا يتسع للجميع. بقيت عائلتي من جهة والدتي في مدرسة تابعة للأونروا، أما باقي عائلتي، جدتي وعمي وعمتي، فما زالوا في غزة للأسف والاتصال بهم منقطع، مستودعينهم الله”.
وتضيف: “كل يوم أشاهد قصص معاناة لم أكن يوما أتخيل مشاهدتها. وسائل الراحة ليست متوافرة، لا يمكنني أن أرتاح وأنام بعد الدوام، عدد الموجودين في البيت كبير”.
لكنها توضح: “نحن أفضل من غيرنا”، مشيرة إلى أنها بعد تركها العمل “أعود إلى البيت (…) أطبخ معهم على النار وأقوم بإشعال النار، أقوم بالغسيل بيدي حين تتوافر المياه”.
وتلاحظ: “أصبحنا نفكر في إمدادات الطعام والشراب والمياه وشحن الهواتف النقالة وغيرها. أشياء لم نفكر فيها يوما. نفكر كيف نحيا”.
وتشير نور إلى أنها “عملت خلال العامين الماضيين أثناء تصعيدات عسكرية لكن هذه الحرب مختلفة في كل شيء”، موضحة أن “المدة طويلة وعدد الشهداء ونوع الإصابات لم يمر من قبل بسبب شدتها والنزوح”.
وتروي أنها خلال نزوحها “كنت أسير في الشوارع وأنا في حالة صدمة. لم أتخيل حجم هذه الحرب”، مشيرة إلى أن الحرب “خلقت من كل شخص فينا شخصا مختلفا تماما. لا نستحق هذه الحياة، لا أحد يجب أن يعيش هذه الحياة”.
وبعد الحرب، تؤكد نور أن “الجميع يفكر في السفر لأن البلد لم يتبق فيه شيء. لا بشر ولا حجر ولا شجر”.
وكانت نور تفكر قبل الحرب في السفر لإكمال دراستها، وتؤكد الآن: “الحرب شجعتني على ذلك وإذا نجوت (…) لكن في النهاية هذه بلدي وسأعود إليها”.
ربة العائلة سندس البايض (32 عاما)
تؤكد سندس البايض، وهي الأم لثلاثة أطفال، أن حياتها “انقلبت 180 درجة” منذ بدء الحرب.
وتعيش سندس الآن في خيمة صغيرة أمام المستشفى الكويتي في مدينة رفح، تتذكر حياتها السابقة قائلة: “حياتنا قبل الحرب كانت مستقرة وسعيدة. كان يوجد كل شيء في منزلي. كنت أقيم في شقة في مبنى يعود لعائلة زوجي. وأطفالي يذهبون إلى المدارس”، موضحة أنها تشتاق لروتينها اليومي.
وتتابع: “روتين حياتي اليومي إيقاظ أطفالي صباحا للمدرسة وتجهيزهم وتحضير الطعام قبل النوم مرة أخرى، ثم شرب القهوة مع زوجي (…) حياة بسيطة ومستقرة ليتها تعود”.
أما اليوم فتشير السيدة المتزوجة من صحافي إلى أن نزوحها مع أطفالها تم على مراحل، بينما بقي زوجها في غزة في البداية. وتوضح أنها مكثت في دير البلح لأكثر من أسبوعين لكن “أصحاب المنزل خافوا من وجودي لأن زوجي صحافي وهم يعتقدون أن الصحافيين مستهدفون، بكيت بشدة لم أعرف ماذا سأفعل”، وطلبوا منها المغادرة.
وبعدها توجهت إلى خان يونس ثم فرت مرة أخرى إلى رفح.
وتوضح: “الاستحمام صعب جدا وبماء بارد. أغسل في وعاء بلاستيكي”، مشيرة إلى أنه “لا يوجد خبز. ونحضر وجبات غذائية لكن الأطفال يرفضون أكلها. الأكل سيء جدا وملوث. ونعتمد على الخضار وبعض المعلبات” ما تسبب لهم في أعراض معوية حادة.
وتضيف: “هذه الحرب أرهقتنا نفسيا بشدة. أطفالي سلوكهم تغير وأصبحنا جميعا بمزاج حاد. جميعنا بحاجة لعلاج نفسي بعد الحرب”.
وتؤكد سندس أنها اتفقت مع زوجها على البقاء “نحن متعلقون بعائلاتنا. الغربة صعبة وفراق الأهل والذكريات صعب”.
تحلم سندس بالعودة إلى منزلها، مؤكدة: “أتمنى أن نعود إلى منزلنا وألا نضطر للجوء خارج غزة إن شاء الله. حال عدنا إلى بيوتنا سنسافر مع أطفالنا للنقاهة والترفيه لشهر أو عدة شهور لترميم نفسيتنا”.
التلميذة لين روك (17 عاما)
تعيش لين حاليا في خيمة مع والديها وشقيقها وأربع شقيقات وابنة إحداهن. ولين طالبة في السنة الأخيرة من المدرسة كانت تحلم بدراسة الصحافة.
وتوضح: “حياتي كانت روتينية لدرجة أنني كنت أتذمر منها. الحرب غيرت كل شيء. أصبحت أتمنى العودة لحياتي التي لم تكن تعجبني”.
فرت عائلة لين من بيتها في خان يونس في اليوم الثاني لاندلاع الحرب “صورنا البيت ونحن نبكي، غادرنا إلى منزل أختي لكنه لم يكن آمنا أيضا فنزحنا إلى مستشفى ناصر” في خان يونس.
وتروي: “كنت أعتقد أننا سنعود إلى المنزل بعد أسبوع كحد أقصى. مر أكثر من سبعين يوما ولم نعد بعد”.
رفضت لين الأكل والشرب في البداية “حتى لا أضطر للذهاب إلى الحمام. الحمامات قذرة وعليها طوابير طويلة”، ومرضت مرات عدة.
فقدت لين الوعي في أحد المرات، مشيرة إلى أنه تم نقلها إلى قسم الطوارئ.
وتتابع: “لم أتوقع أن أعيش هذه الحياة. في منزلنا أربعة حمامات”، مؤكدة أنها فقدت 7 كيلوغرامات من وزنها في هذه الحرب.
وتوضح لين أن العائلة تعيش على “أكل الزعتر والمعلبات. من الصعب توفير الخبز”.
الاستحمام والذهاب إلى الحمام أصبحا “معاناة. دخول الحمام كأنه سفر لأن المسافة بعيدة”.
وتضيف: “كنت أستحم يوميا قبل الحرب. والآن إذا حالفني الحظ أستحم مرة واحدة في المسجد وبمياه باردة. أغسل شعري في المغاسل المخصصة للوضوء ثم أغسل جسمي في الحمام”.
وتشير الفتاة وهي تبكي: “أشعر بالحسرة لأنني سأفقد وكل الطلاب هذا العام من حياتنا. لا أعتقد أننا سنعود إلى المدارس”.
وتضيف: “كنت متحمسة لإنهاء المدرسة بتفوق حتى أسافر وأكمل حلمي”، متابعة: “كل ما أتمناه الآن أن يعود الجميع إلى منازلهم وأن أعود إلى منزلي ويكون ما زال موجودا”.
المصدر: وكالات