أثار إعلان وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن لوائح المقبولين لاجتياز الاختبارات الشفوية لمباراة ولوج المراكز الجهوية لمن التربية والتكوين غضب الفعاليات الأمازيغية، التي انتقدت النتائج التي أسفر عنها انتقاء الأساتذة المتخصصين في اللغة الأمازيغية في بعض الجهات، إذ كان عدد المنتقين في بعض الأكاديميات الجهوية أقل بكثير من عدد المقاعد المخصصة لهذه الأخيرة بموجب الإعلان الأول للمباراة.
وعلى سبيل المثال فقد نص توزيع أعداد مقاعد الأساتذة المتخصصين في اللغة الأمازيغية على تخصيص 84 مقعدا بالنسبة لأكاديمية جهة مراكش-آسفي، فيما لم يتجاوز عدد الذين تم انتقاؤهم لاجتياز الشفوي 63 شخصا؛ وبالمثل لم يتجاوز عدد المنتقين بالنسبة لأكاديمية سوس-ماسة 8 أشخاص، فيما كان المطلوب في الأصل هو 10، وهو الأمر نفسه الذي لوحظ على مستوى نتائج أغلب الأكاديميات الجهوية في المملكة.
فرملة للمشروع وإرادة سياسية
تفاعلا مع الموضوع قال عبد الله بوشطارت، فاعل وكاتب أمازيغي، إن “ما أسفرت عنه النتائج الأولية لامتحانات أساتذة اللغة الأمازيغية هو أمر مخجل وتحصيل حاصل ناتج عن المخطط الحكومي لفرملة مشروع تدريس الأمازيغية ومسلسل إدماجها في المؤسسات ذات الأولوية”، مسجلا أن “هذا المخطط الذي يستهدف الأمازيغية بدأ بتسقيف سن الولوج لمهنة التدريس بموجب التعاقد في 30 سنة، وهو الإجراء الذي كانت ضحيته الأولى الأمازيغية، لأن أغلب خريجي الدراسات الأمازيغية وحاملي شهادات الإجازة والماستر تجاوزوا هذا السن، وبالتالي حُرموا من فرص الشغل الوحيدة، وحرمت الأمازيغية منهم أيضا”.
وأضاف بوشطارت أن “هذا الإجراء انعكس أيضا على مصير شعب الدراسات الأمازيغية في الجامعات، حيث ضعف الإقبال عليها من طرف الطلبة بسبب انسداد الأفق”، مشيرا إلى أن “الإجراء الثاني الذي قامت به الحكومة هو إلغاء الأستاذ المتخصص في تدريس اللغة الأمازيغية، من أجل توظيفه لتدريس اللغة العربية والفرنسية في الابتدائي، لسد الخصاص المهول الذي تعاني منه الخريطة المدرسية، وذلك على حساب الأمازيغية؛ ومن هنا تم تغيير مسالك وإجراءات الامتحانات بإضافة مواد أخرى خارج التخصص لانتقاء أساتذة الأمازيغية، وتبني معيار النقطة الموجبة للرسوب، لأن الحكومة لا تريد فقط أستاذا متخصصا في تدريس اللغة الأمازيغية، وإنما أستاذا مزدوجا تحت غطاء أستاذ الأمازيغية”.
واعتبر الفاعل الأمازيغي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “هذا ما يفسر عدم تمكن الكثير من متخصصي اللغة الأمازيغية من اجتياز الاختبار الكتابي، وفي المقابل تدفق عدد كبير من المترشحين غير المتخصصين في اللغة الأمازيغية الذين نجحوا في هذا الاختبار، لأنه يكفي الحصول على معدلات مقبولة ومتوسطة في المواد الأخرى”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن “هذا التعاطي مع الأمازيغية لا يمكن أن نسميه إلا فوضى وبعثرة للأوراق وتشويشا على ورش دستوري وإستراتيجي مهم، ألا وهو تدريس اللغة الأمازيغية”، مشددا على أن “الحكومة لا تملك إرادة سياسية حقيقية لتفعيل ترسيم هذه اللغة، وتمارس ازدواجية في الخطاب لتغليط الرأي العام الوطني والدولي؛ فهي تروج أنها تسعى إلى تعميم تدريس الأمازيغية في الابتدائي لكافة أبناء المغاربة في التعليم العمومي، وفي الممارسة تعمل على نقيض ذلك”، داعيا إياها في الوقت ذاته إلى “تحمل مسؤوليتها كاملة في ما يقع من نكوص وتراجع خطير في المكتسبات المحققة لصالح الأمازيغية بعد عقود من النضال والتضحيات”.
مقاربة تمييزية وجهات مقاومة
لحسن أوباس، رئيس الجمعية الجهوية لأساتذة اللغة الأمازيغية بجهة الدارالبيضاء – سطات، قال إن “المنطق السليم يقتضي أن يكون عدد الناجحين في الاختبارات الكتابية الذين سيجتازون الشفوي أكبر بـ50 في المائة على الأقل من عدد المناصب المطلوبة في كل أكاديمية جهوية، وليس أقل مثلما حدث الآن”، معتبرا أن “المخطط العشري الذي تمخط عن الاتفاق بين الوزارة الوصية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كان ينص أصلا على توظيف 1000 أستاذ للأمازيغية هذه السنة، قبل أن يتم تخصيص 600 منصب فقط، وعلى أهميتها، غير أن الخطير أن نتائج الاختبار الكتابي انتقت أقل بكثير من عدد المناصب المخصصة بالنسبة لبعض الأكاديميات”.
وأضاف أوباس في تصريح لهسبريس أن “الأمر بات يتطلب إجراء مباراة استدراكية لسد الخصاص في بعض الجهات، على غرار مراكش وفاس مكناس”، معتبرا هو الآخر أن السبب الرئيسي في عدم الوصول إلى المناصب المطلوبة هو “امتحان أساتذة اللغة الأمازيغية في مواد أخرى لا علاقة لهم بها، كاللغة العربية أو الفرنسية ومواد العلوم وديداكتيكها، وبالتالي يحصلون في هذه المواد على نقط موجبة للرسوب، فيما لا يتم امتحان أساتذة التخصصات الأخرى في اللغة الأمازيغية، رغم كونها لغة رسمية، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول سر هذه المقاربة التمييزية الذي اعتمدتها الوزارة في هذا الإطار”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “هذه الإجراءات إنما تروم التضييق على المتخصصين في اللغة الأمازيغية”، مسجلا أن “ما يبدو جليا أن هناك جهات داخل وزارة التربية الوطنية تريد فعلا الإسراع في ورش تعميم هذه اللغة الرسمية، غير أن هناك جهات أخرى تقاوم هذا المسلسل وتحارب الأمازيغية بفرض شروط تعجيزية تقنية، ووضع مجموعة من العراقيل للتقليص من أساتذة الأمازيغية على المستوى الوطني”.
وخلص الفاعل الأمازيغي عينه إلى أن “هذا الوضع يضع ورش تعميم اللغة الأمازيغية على المحك، إذ إن استمراره لا يمكن أن يُلتزم معه باستكمال ورش التعميم الكامل لهذه اللغة في المستوى الابتدائي في أفق سنة 2030، حسب ما جاءت به المذكرة الوزارية الأخيرة؛ ذلك أن هذا الورش يقتضي الزيادة في عدد المناصب المخصصة للغة الأمازيغية لبلوغ أهدافه وليس الخفض منها أو وضع مطبات أمام أساتذة هذه اللغة الرسمية”.
المصدر: وكالات