أعادت كلمة عمر هلال، الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، على هامش “الحوارات الأطلسية” التي انعقدت بمراكش نهاية الأسبوع الماضي، بشأن إصلاح التركيبة الحالية لمجلس الأمن وتمثيلية إفريقيا في هذه الهيئة الأممية؛ (أعادت) النقاش حول الضرورة الملحة التي يكتسيها هذا الإصلاح في ظل المتغيرات الدولية الحالية، وفشل هذه الهيئة في الاضطلاع بمسؤوليتها في حماية الأمن والسلم الدوليين نتيجة الاختلافات والخلافات السياسية بين أعضائها الدائمين.
وتبنت مجموعة من الدول هذا الإصلاح، داعية إلى تخصيص مقعدين دائمين للقارة السمراء يمثلان شمال القارة وجنوبها، فيما تطالب دول أخرى بمقعد واحد ورفع الحيف والظلم التاريخيين اللذين تعرضت لهما إفريقيا على امتداد عقود من الزمن في ظل احتكار القوى الغربية سلطة القرار داخل هذا المجلس. وقد لاقت هذه المطالب قبولا مبدئيا من طرف العواصم الغربية نفسها، على رأسها واشنطن ولندن.
وبين مقعد أو مقعدين، يظل التمثيل الإفريقي الدائم في هذا المجلس، الذي تضم تركيبيته الحالية خمسة أعضاء دائمين وعشرة غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة لمدة سنتين بصفة دورية، أمرا ملحا في ظل تضارب المواقف حول الدولة الإفريقية المؤهلة لتمثيل القارة، وحول المعايير التي سيعتمد عليها في اختيارها، في وقت يبرز اسم المغرب كمرشح قوي لهذا المنصب لمجموعة من الاعتبارات والعوامل، وهو ما أكده عمر هلال نفسه الذي أشار إلى أن “الموضوعية تقتضي القول إن كافة الحظوظ تصب في صالح المملكة”.
فشل أممي وعدالة جغرافية
تفاعلا مع الموضوع ذاته قال إدريس قسيم، باحث في العلاقات الدولية، إن “الأكيد أن إخفاقات مجلس الأمن الدولي في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وفي معالجة الأزمات الدولية تعتبر أحد الأسباب الرئيسية التي تستوجب مباشرة عملية إصلاح جذرية لهذا الجهاز المركزي في بنية الأمم المتحدة، ولا أدل على ذلك فشله في الحرب الأخيرة على غزة، وقبلها الحرب الروسية على أوكرانيا، وحرب العراق وأفغانستان، وغيرها من المحطات الأخرى”.
وأضاف قسيم أن “أحد مستلزمات هذا الإصلاح ضمان عدالة جغرافية تفتح الباب أمام توازن سياسي وإستراتيجي وتوافقات جديدة في العلاقات الدولية، وضمن هذا المستوى يبرز بوضوح الظلم التاريخي الذي تعرضت له القارة الإفريقية، إذ تظل الوحيدة التي ليس لها تمثيلية دائمة في مجلس الأمن، وهي تضغط من أجل تحقيق هذا الهدف منذ 2005، بالنظر إلى كونها قارة واعدة اقتصاديا وإستراتيجيا وسياسيا، ولا يعقل أن تتسارع القوى الدولية من أجل كسب ودها السياسي واستغلال مقدراتها الاقتصادية ويتم تجاهل انخراطها في منظمة الترتيبات والعلاقات الدولية تأثيرا وتوجيها”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أنه “ليس ضرورة منح مقعد دائم إفريقي في مجلس الأمن لدولة كبرى أو عظمى، أولا لأنه شرط غير متحقق في كل الدول الإفريقية، فيما مقتضيات خلق توازن في المجلس تفرض منح هذا المقعد لدولة تشكل إفريقيا بالنسبة لها أولوية على شتى المستويات، مثل المغرب، لأنها دولة نجحت في إدماج البعد الإفريقي في سياساتها الخارجية والداخلية، وحولته إلى رهان مركزي وإستراتيجي بما يؤهلها للترافع والدفاع عن إفريقيا وقضاياها دوليا”
في هذا الصدد شدد الباحث ذاته، في تصريح لهسبريس، على أن “المغرب كذلك دولة تتمتع بسمعة دولية معتبرة، وتتسم بمواقف وتوجهات فيها الكثير من التوازن والحكمة، كما أن لها تجربة مهمة في المساهمة في الحفاظ على السلم الأمن الدوليين من خلال مشاركتها الفعالة في مهام حفظ السلام في إفريقيا وغيرها من بقاع العالم”.
مطالب عادلة ومؤهلات مغربية
أوضح جواد القسمي، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، أن “المطالبات بتمثيلية إفريقيا داخل مجلس الأمن الدولي تدخل في سياق أعم، وهو المطالب التعديلية لميثاق الأمم المتحدة لسنة 1945 برمته، بما يشمل التمثيلية والعضوية في مجلس الأمن الذي يسهر على الحفاظ على السلم والأمن الدوليين”، مردفا: “هذه المطالب قادتها مجموعة من الدول على رأسها الهند والبرازيل والأرجنتين، وبطبيعة الحال الدول الإفريقية”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “مطالب التمثيلية الدائمة لإفريقيا في مجلس الأمن لقيت ترحيبا من الكثير من الدول، منها الدول الأوربية وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، بحيث يتم الحديث في هذا السياق عن مقعدين تمثيليين للقارة، واحد من جنوبها والثاني من شمالها”.
وحول الدول المؤهلة لتمثيل القارة أورد القسمي أن “المغرب طبعا يعد من الدول الإفريقية المؤهلة إلى جانب دول أخرى لتمثيل إفريقيا بشكل دائم في مجلس الأمن، لعدة اعتبارات، منها الاستقرار السياسي والمشروعية والتاريخ والحضارة والقوة الاقتصادية والعسكرية التي تمتلكها المملكة، إضافة إلى سمعتها على المستوى القاري والدولي، التي اكتسبتها طيلة قرون طويلة مضت في علاقاتها الخارجية مع مختلف دول العالم؛ ثم اتساق مواقفها للسلام والأمن الدولي مع الدور الكبير والرائد الذي تقوم به في عمليات حفظ السلام من بدايتها في سبعينيات القرن الماضي، ناهيك عن علاقاتها الجيدة مع الدول الدائمة في مجلس الأمن”.
في السياق ذاته، أشار المصرح لجريدة هسبريس الإلكترونية إلى أن “الإستراتيجية المغربية الموجهة للعمق الإفريقي وسياسة رابح – رابح والمشاريع الكبرى التي أطلقتها والتي تنوي إطلاقها في سبيل النهوض بالقارة، وعلاقاتها المتينة مع الكثير من الدول الإفريقية، تصب هي الأخرى في اتجاه ترجيح كفة المغرب في هذا الإطار”.
وتفاعلا مع سؤال لهسبريس حول العراقيل الممكن أن تواجهها إعادة هيكلة تركيبة هذه الهيئة الأممية، لفت القسمي إلى أن “هذه الخطوة ممكنة من الناحية القانونية، لكن تحقيقها تواجهه الكثير من العراقيل والإكراهات، أهمها تضارب مصالح الدول الكبرى دائمة العضوية داخل المجلس، إضافة إلى الصعوبات المرتبطة بالنقاش حول تمتيع الأعضاء الدائمين الجدد بحق النقض (الفيتو)، الذي يبقى أمرا صعب التوقع والتحقق”.
المصدر: وكالات