رفض مقترحات القوانين يثير السجال بين التهميش و”هشاشة البرلمان”

يتواصل الجدل داخل المؤسسة التشريعية، وخاصة بين فرق المعارضة والحكومة، بسبب ما يعتبره نواب تهميش مبادراتهم التشريعية، وعدم تعاطي الحكومة بشكل إيجابي مع مقترحات القوانين التي تتقدم بها الفرق النيابية.

هذا الموضوع الذي يؤطره الدستور والقانون التنظيمي لتنظيم وتسيير أشغال الحكومة يخضع لعدة قراءات بحسب منظور كل من الأغلبية والمعارضة، والصراع السياسي بينهما، لكنه كذلك مؤطر بقانون يلزم الحكومة بتعليل رفضها.

مبادرات ضعيفة

أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بالغرفة الأولى، اعتبر أن المبادرة التشريعية ضعيفة في التجربة البرلمانية المغربية، مشيرا إلى أنه “في عهد هذه الحكومة تمت الاستجابة لمناقشة عدد لا بأس به من مقترحات القوانين، إلا أن العدد يبقى ضعيفا مقارنة بحجم ما يصادق عليه البرلمان من تشريعات”.

من جهة أخرى أشار المتحدث ذاته إلى أن “المبادرات التي يتقدم بها البرلمانيون لا تتعدى في الغالب بعض المواد في قانون معين”، موردا أن “الاشتغال على قوانين تهم ظواهر مجتمعية ليس أمرا هينا، والبرلمان لا قدرة له لطرح مبادرات تشريعية كبيرة، لأن الأمر يحتاج إلى عدد مهم من الأطر والمتخصصين”.

وقال التويزي إن “الدستور يفرض على الحكومة أن تعلل رفض مناقشتها للمقترحات”، لافتا في الآن ذاته إلى أنه “في حال رفض الحكومة الحضور للجنة من أجل مناقشتها يمكن في إطار الدور المنوط بالبرلمانيين بعد أن يتم إخبار الحكومة بها أن تباشر اللجنة مناقشتها في جميع الحالات، وتعدلها وتحيلها على الجلسة العامة، دون انتظار حضور الحكومة وموافقتها للمناقشة”.

وأبرز الباحث ذاته أن “المبادرة التشريعية مازالت بيد البرلمان، لكن النواب لا يرغبون في إيصال المبادرات إلى مداها”، مبرزا في الوقت نفسه أن “الحكومة يمكن أن ترفض المقترحات عن طريق أغلبيتها داخل البرلمان”، ومشيرا إلى أنه “إذا تبين للأغلبية ما يتناقض مع البرنامج الحكومي الذي صوتت عليه يمكن أن تصوت ضد المقترح؛ لكن أي فريق يكون قد تحمل مسؤوليته أمام الرأي العام بعد أن تصل مبادرته إلى مداها في الجلسة العامة”.

مقترحات مهمة

إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، قال إن “عدد مقترحات القوانين التي تفاعلت معها الحكومة بالإيجاب ضئيل جدا”، مبرزا أن “هذه المقترحات في غالبها تغير أو تتمم مادة أو جزءا من مادة في قانون ساري المفعول، بينما هناك مقترحات قوانين مهمة، ومنها المقترحات التي تقدم بها الفريق الحركي التي تصل إلى 57 مقترح قانون، وتضم أكثر من 600 مادة، لم تعرف تجاوبا من الحكومة إلى الآن”.

واعتبر السنتيسي تعاطي الحكومة مع مقترحات القوانين بشكل سلبي “تبخيسا لمجهود نواب الأمة وتنقيصا من الاختصاص الدستوري للبرلمان الذي ورد في أكثر من فصل، نظير الفصل 10 والفصل 78 والفصل 82 من الدستور، بالإضافة إلى مواد النظامين الداخليين للمجلسين”.

كما قال المتحدث ذاته إن “الحكومة لا تكلف نفسها عناء الحضور من أجل دراسة ومناقشة مقترحات القوانين، خلافا للمادة 24 من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتيسير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها التي تلزمها بهذا الحضور”، مردفا بأنها “تتخذ في الغالب موقفها بالرفض بدون تعليل ولا تخبر به أصحاب المقترح”.

وفي هذا الإطار أوضح البرلماني ذاته أن فريقه تقدم بمقترح قانون تنظيمي يعدل المادة 23 من القانون التنظيمي المذكور، بحيث توجب على الحكومة إبلاغ أصحاب المقترح بموقفها المعلل تحت إشراف رئيس الحكومة، مشددا على أن “البرلمان هو المصدر الوحيد للتشريع كما أكدت على ذلك إحدى الخطب الملكية، وبالتالي على الحكومة التفاعل الإيجابي مع هذه المقترحات احتراما للدستور”.

رفض مشروط

من جهته أوضح محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية، أن الدستور الحالي منح مجلسي البرلمان في فصله 82 الحق في وضع جدول أعمال يتضمن مقترحات القوانين التي سيتم عرضها على اللجان الدائمة لمناقشتها.

كما أكد شقير أن الفصل 23 من القانون التنظيمي لتنظيم وتسيير أشغال الحكومة نص على ضرورة تخصيص يوم لدراسة الحكومة مشاريع ومقترحات القوانين التي يمكن عرضها على اللجان الدائمة، ويخول لها رفض عرض بعض مقترحات القوانين وإخبار المجلسين بذلك.

واشترط القانون المذكور، بحسب الباحث، أن يتم تعليل رفض الحكومة بما تضمنه الفصل 71 من الدستور الذي خول لها هذا الرفض في حالات استثنائية، كإخلال مضمون المقترح بالتوازن المالي أو تجاوز مجال القانون أو تعارضه مع بعض المقتضيات الدستورية.

وشدد المتحدث ذاته على أن “الإشكال لا يتعلق برفض الحكومة بعض المقترحات، بل بعدم تعليل وتبرير هذا الرفض، إذ إن بعض المراسلات التي وجهتها الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان إلى المجلسين لا تتضمن أسباب هذا الرفض أو تعليله”.

كما قال شقير إن “هذا الجدل يخفي صراعا سياسيا بين الحكومة والمعارضة التي ترى أنه يتم استبعاد مقترحاتها، ما يتعارض في نظرها مع مبادئ الديمقراطية”، معتبرا أن “صناديق الاقتراع التي هي مكون من مكونات الديمقراطية هي التي أدت إلى تشكيل الحكومة، وبالتالي فالمنطق الديمقراطي يفترض بكل إفرازات الديمقراطية الدستورية والانتخابية والحكومية”.