فقدت الكويت رجل الأعمال، الأديب والشاعر عبدالعزيز سعود البابطين عن عمر ناهز 87 عاما بعد مسيرة حافلة بالعطاء في المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والخيرية. ويعد الراحل عبدالعزيز البابطين أحد أبرز رجالات الثقافة والشعر في المشهد الثقافي الكويتي والعربي، وتقلد مناصب في عدد من المؤسسات التعليمية والأدبية في الوطن العربي ومنح من عدد من الجامعات العربية والعالمية شهادات الدكتوراه الفخرية تقديرا لعطائه المميز في مجالات خدمة الأدب والثقافة والإبداعات الشعرية، وشغل، رحمه الله، عضوية رابطة الأدباء في الكويت، واللجنة الوطنية الكويتية لدعم التعليم ومجلس أمناء المجمع الثقافي العربي وجمعية فاس الثقافية، وغيرها من العضويات التي كرسته أحد أبرز القامات الثقافية العربية.
ولد عبدالعزيز سعود البابطين عام 1936، وكان منذ طفولته لديه اهتمام واسع بالثقافة والأدب والشعر العربي تأثرا بوالده وأخيه. وكان للراحل جهود كثيرة في مجال الثقافة، متمثلة في إنشائه العديد من الجهات، مثل: جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، ومكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، ومراكز الترجمة والتحقيق، وغيرها من الجهات، اضافة الى اهدائه للعديد من الجهات التعليمية والخدمية مجموعات كبيرة من الكتب التي ساهمت في نشر الثقافة وتنمية المعرفة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، بالإضافة الى دعمه للعديد من الناشرين والمكتبات حرصا منه على دعم حركة النشر سواء اقليميا او عالميا.
ورفع الراحل اسم بلاده عاليا على مستوى الوطن العربي والدولي، ومن ذلك مثلا انه غرس شجرة السلام المهداة باسم الشعب الكويتي المعطاء رسالة سلام ومحبة منه إلى البشرية جمعاء في مركز الشرق الأوسط بجامعة اكسفورد في حفل حضرته شخصيات عربية وعالمية في 2 يونيو 2016. وعمل كذلك على نشر اللغة العربية وتكريس حضورها لغة من اللغات العالمية، وتعريف العالم بالثقافة العربية والتاريخ العربي المشرف ووجهه الحضاري الناصع، وكان في كل ذلك داعيا الى العيش مع الآخر والتسامح ومد جسور المحبة والسلام بين الشعوب.
الإبداع الثقافي
أصدر ٣ دواوين شعرية هي ديوان بوح البوادي عام 1995م وديوان مسافر في القفار عام 2004م و«اغنيات الفيافي» عام ٢٠١٧، كما قام بتأسيس مؤسسة خاصة للعناية بالشعر العربي وخدمة الشعراء العرب وهي مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري حيث تم اشهارها عام 1989 في القاهرة وهي مؤسسة ثقافية غير ربحية تعنى بالشعر، وفيها تمنح جوائز مالية كل سنتين تقدر بقيمة إجمالية 120.000 دولار، وتضم المؤسسة لجانا تحكيمية اكاديمية وعلمية وجوائزها تمنح في مجالات الابداع الشعري والنقد وافضل ديوان شعري جديد وافضل قصيدة منظومة.
وفي يوليو الماضي اعلنت جامعة اكسفورد في انجلترا انها اختارت ابياتا من إحدى قصائد الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين لتنقش على جدران إحدى قاعاتها تقديرا لمشاريع الشاعر الرائد بالشعر والأدب واللغة العربية على المستويين العربي والدولي عبارة عن ثلاثة أبيات في قصيدة «الإبداع الخالد» في ديوانه الثالث «اغنيات الفيافي» لتنقش بخط عربي سلس في لوحة خشبية انيقة معلقة بصدر قاعة الاساتذة في كلية الدراسات الشرقية بقسم العلوم الانسائية بالجامعة، ذاكرة ان اللوحة علقت في مكان مميز بالقاعة لتقع عليها اعين الزائرين خصوصا العرب، بما يشعرهم بمزيج من مشاعر الألفة والسعادة والاعتزاز بالشعر العربي وما يحمله عبر العصور من قيم انسانية رفيعة تتجسد في إبداع الشاعر الراحل.
ورعى عبدالعزيز سعود البابطين وأسس عددا من المراكز المتخصصة في مجالات عديدة مختلفة، ففي العام 2004 اطلق مشروعه مركز البابطين للترجمة الذي استطاع في غضون سنوات قليلة ان يساهم في تشجيع حركة الترجمة والتأكيد على اهميتها للنهضة العربية المنشودة، سواء من حيث اصداراته أو من حيث الترويج للاهداف والانشطة التي قام بها، وكان الراحل يرى أن رؤية مركز البابطين للترجمة تستمد من ضرورة التفاعل مع العصر والتواصل مع الحضارات الحية واكتساب المعارف التي نعاني منها نقصا.
وأنشأ البابطين، رحمه الله، مركز البابطين لحوار الحضارات عام 2005 نتيجة تنامي انشطة المؤسسة مع بعض الجامعات الاسبانية، وكان من ثمرة هذا التعاون المرحلي تنظيم دورات تدريبية في مجالات الارشاد السياحي والتاريخي والحضاري لتصحيح بعض الاخطاء التاريخية التي يقع فيها الكثير من المرشدين السياحيين حين يتحدثون عن المواقع الاثرية والمنشآت الحضارية في الاندلس. كما يشرف المركز على كراسي البابطين للغة العربية التي استحدثت في السنوات القليلة الماضية في الجامعات الاسبانية في الاندلس، وعلى جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للدراسات الاندلسية المخصصة للابحاث التاريخية التي تتناول موضوع القرى الاندلسية التي اسهمت في صنع الحضارة الاندلسية، كما وضعت مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للابداع الشعري قضية حوار الحضارات في مقدمة اولوياتها في السنوات الاخيرة انطلاقا من اهتمامها بكل ما يخص الثقافة والحضارة العربية وخاصة بعد تداعيات احداث 11 سبتمبر 2001 والهجمة الشرسة في الغرب ضد الاسلام والمسلمين والثقافة العربية عامة. ولهذا كانت هذه القضية محورا دائما في انشطة المؤسسة في اوروبا (2004 و2006).
التكريم الأخير
وكان آخر تكريم حصل عليه، رحمه الله، تكريمه من وفد رسمي من جامعة يريفان الحكومية الأرمينية في سبتمبر الماضي عبر منحه الدكتوراه الفخرية، حيث قال في تلك المناسبة «إن تكريمي لهو عزيز على قلبي وسأذكره بكل فخر واعتزاز وإني لا أنظر إليه على أنه مجرد شهادة أزين بها ديواني بل رسالة مفادها أن حياة أي إنسان تتمثل في قدرته على العطاء دون انتظار مقابل وتحقيق إنجاز ينفع به من حوله، كل حسب قدراته»، مؤكدا أهمية خدمة المجتمعات في أهم المجالات مثل التعليم والثقافة ومساعدة الإنسانية من خلال تحفيز الأفراد على الانخراط في العمل الإنساني والثقافي والدفع بالمؤسسات إلى المساهمة فيه، معتبرا أن هذا التكريم وغيره من التكريمات التي حصل عليها خلال مسيرته الثقافية هو تكريم للكويت التي أخذت على عاتقها زمام المبادرات فيما تقوم به من أعمال إنسانية في كل أرجاء الأرض وتكريم للشعب الكويتي ولكل المثقفين والأدباء والمفكرين والشعراء ودعاة السلام العادل في هذا العالم.
وفي أكتوبر الماضي ودعما لصمود أهل غزة، وجهت مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية نداء إلى جميع شعراء العربية في جميع أنحاء العالم للمشاركة في ديوان شهداء العزة الذي شهد إقبالا كبيرا من الشعراء العرب للمشاركة في هذه التظاهرة الثقافية الأضخم، حيث قال، رحمه الله: كنت واثقا أن ضمائر شعراء الأمة العربية يقظة وهذا أمر طبيعي عهدناه من الشعر والشعراء العرب، فلقد عاش شعراؤنا العرب قضايا أمتنا بكل أحاسيسهم ومشاعرهم، يفرحون لإنجازاتها وانتصاراتها الرائعة، فتفوح قصائدهم بأريج ذكي فيه عبق النصر والاعتزاز بالعروبة ويحزنون إذا ما أحاطت بأمتهم النكبات والمصائب وما أكثرها! تراهم في هم وغم، قصائدهم نسيج ألم، ودموع متدفقة لا تعرف عيونهم طعم النوم ولا نفوسهم طريق الراحة والاستقرار.
رحلة العمر
وعن مسيرة حياته، قال في أحد اللقاءات الصحافية:
عملت موظفا في مقتبل حياتي، واكتشفت أن العمل في الوظيفة الحكومية لن يكون مجديا لأن الفرص كانت متاحة وتحتاج فقط إلى العزم والمثابرة، وكنت أملك ولله الحمد منهما ما يلزمني لأبدأ وأصمم، وأنا أساسا من أسرة تعمل بالتجارة، فوالدي وإخوتي الكبار كانوا يعملون في حقل التجارة وإن كانت الظروف لم تساعدهم في ذلك على تحقيق ما استطعت تحقيقه، بعد ذلك فإنني مدين لهم، فأنا امتداد لأبي وإخوتي الكبار من أبناء أسرتي وأشقائي الذين شاركوني الكفاح من أجل أخذ مكان في وسط هذا العالم المتلاطم الأمواج الذي يدعى «التجارة»، ووطني الحبيب الكويت بلد تجار أصلا وموطن قديم للتجارة، وقد بدأت بائعا، ثم افتتحت دكانا صغيرا في محافظة حولي، لكنني أعتبر أن النجاح الحقيقي في التجارة بالنسبة لي يعود أولا إلى الصدق مع الذات والصبر والنزاهة مع الآخرين، وذلك بالابتعاد عن الشبهات والرجوع دائما الى قيمنا الدينية والأخلاقية التي توارثناها عن أسلافنا الكرام في بيئتنا المحافظة على عاداتها وتقاليدها العربية، فالتجارة وما ينشأ عنها من أموال تتكفل اليوم بتحمل جزء كبير ورئيسي مما كان يتمتع به الشعر والشاعر من اهتمام وتقدير في الماضي، هذا بطبيعة الحال إلى جانب اهتمام الدول من خلال الوزارات المعنية بالثقافة.
بدايات الشعر
وعن بدايات حبه للشعر، قال رحمه الله في أحد لقاءاته الصحافية:
نشأت في بيت كبيوت كل الكويتيين، محافظ ويهتم آنذاك بالقراءة ويهتم بالشعر في المجالس، وكان أخي الأكبر عبداللطيف يهتم بجمع الشعراء النبطيين ويأخذ منهم أشعارهم وما يروونه عن شعراء سابقين لهم، وبعد مرور 50 سنة قمت بأخذ هذه المخطوطة وطبعتها بصيغة كتاب ويعتبر كتابا نادرا، حيث إن هؤلاء الشعراء ماتوا منذ أكثر من 40 سنة ويروون عن سابقيهم أيضا بـ 50 سنة. والشعر الموجود في هذا المخطوط لم يتداول بين الناس فقمنا بطباعته ونوزع هذا الكتاب مجانا، كما هي عادة إصداراتنا، حيث لدينا أكثر من 450 إصدارا يتم توزيعها للجامعات والمكتبات العربية والمهتمين والذين يقومون بعمل أطروحات الماجستير والدكتوراه يتم إعطاؤها مجانا لهم، هذا الجو الأسري الذي كنت فيه وأثناء طفولتي في سن 7 سنوات كنت أقوم بخدمة هؤلاء الشعراء في ديوانيتنا، ونتيجة لذلك استقرت رنة الشعر في ذهني وفي ذاكرتي وكبرت معي وقلت أول قصيرة بالنبط وعمري 11 سنة، فكان أخي عبداللطيف ووالدي يأخذانني إلى الدواوين الشعرية، ونتيجة لذلك زادت عندي مفردات اللغة وقلت أول قصيدة بالفصحى في عمر 14 سنة.
ثم نمت هذه الرغبة في نفسي وكنت أتمنى وأنا صغير في عمر 8 سنوات ومن إعجابي الكبير بالشعراء تمنيت أن تكون لي بصمة في حياة الشعر العربي، وقد حقق الله هذه الرغبة في نفسي وأسسنا مؤسسة عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري في عام 1989.
وعندما سئل، رحمه الله، عن أحب إنجازاته إلى قلبه قال:
فكرة إنشاء مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري كانت حلما بالنسبة لي، نشأ في ذهني منذ طفولتي، ولكنني لم أكن أتوقع أن تكون لدي القدرة المادية على إنشاء مؤسسة تهتم بالشعر عندما كنت في ذلك العمر، ولم يكن والدي يمتلك المال الكافي ليقيم مثل هذه المؤسسة، كذلك لم تكن لدي الإمكانات المادية في ذلك الوقت، ولكن إنشاءها كان حلما يراودني بين فترة وأخرى، أملا بأن تكون لي بصمات في مسيرة الشعر العربي. والحمد لله الذي حقق لي هذا الحلم عندما شعرت بأن لدي القدرة المادية لتكون لي تلك البصمة وفكرت بها جديا سنة 1985 واستمرت دراستي لهذه الفكرة والبوح بها لأصدقائي المقربين ثم اتسعت الدائرة الى الأصدقاء أبعد قليلا، وإلى آخرين لا أعرفهم، إلى أن استطعنا والحمد لله أن ننطلق بهذه المؤسسة سنة 1989 من القاهرة التي هي مركز الإشعاع العربي.
الأوسمة والشهادات
٭ وسام الاستحقاق الثقافي من الصنف الأول من رئيس جمهورية تونس 1996.
٭ وسام الاستقلال من الدرجة الأولى من جلالة ملك المملكة الأردنية الهاشمية 2001.
٭ درع جائزة الملك فيصل العالمية.
٭ جائزة الدولة التقديرية من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت 2002.
٭ وسام الأرز برتبة ضابط من رئيس الجمهورية اللبنانية 2004.
٭ الوسام الذهبي الممتاز من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في مؤتمرها الرابع عشر لوزراء الثقافة العرب في اليمن 2004.
٭ وسام الكويت ذو الوشاح من الدرجة الأولى من دولة الكويت 2005.
٭ جائزة رئيس جمهورية السودان التقديرية للعلوم والآداب والفنون، حيث تقلد وسام العلم والآداب والفنون الذهبي برئاسة الجمهورية في الخرطوم 2005.
٭ منح جائزة المسؤولية الاجتماعية للعام 2007 من مجلة أريبيان بيزنس في أبوظبي ديسمبر 2007.
٭ تكريم من جمعية لسان العرب في المؤتمر الدولي الرابع عشر للجمعية بمقر الجامعة العربية في القاهرة نوفمبر 2007.
٭ كُرّم في مهرجان المبدعين الكويتيين لعام 2007 وأقامته جريدة الشرق يناير 2008.
٭ نال عضوية مجلس أمناء جامعة الخليج العربي بالبحرين في مارس 2008.
٭ منح الأديب عبدالعزيز البابطين وسام التميز لأكثر الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي في مجال الأدب من كلية ولدنبرج الدولية.
السيرة الذاتية
٭ ولد عبدالعزيز سعود البابطين عام 1936.
يتمتع البابطين بعضوية في العديد من اللجان والروابط الثقافية والعلمية والأدبية تشمل الآتي:
٭ اللجنة الوطنية الكويتية لدعم التعليم.
٭ رابطة الأدباء في الكويت.
٭ مجلس أمناء المجمع الثقافي العربي – بيروت.
٭ جمعية فاس سايس الثقافية – المغرب.
٭ مراسل مجمع اللغة العربية بدمشق.
٭ مجلس أمناء مؤسسة الفكر العربي.
في رثاء فقيدنا
عبدالعزيز سعود البابطين رحمه الله
الشعر يبكي..
د. يعقوب يوسف الغنيم