تتواصل هذه الأيام حملات المراقبة “لتشديد الخناق على الأكياس البلاستيكية في دكاكين البقالة وغيرها، على مستوى نقط متفرقة من الحي الإداري بحسان بالعاصمة الرباط، مثلما عاينت ذلك جريدة هسبريس؛ ما يبرز أن عودة البلاستيك بقوة إلى الظهور في الأسواق المغربية خلال السنوات الأخيرة ما زالت تستنفر السلطات المختصة وتعرقل مسار تنفيذ القوانين المعمول بها في مجال محاصرة استعمالات “الميكا”.
المغرب بذل جهودا كبيرة لحظر استعمال هذه الأكياس المضرة بالبيئة في إطار استراتيجيته المناخية، وسوّق لهذه “المبادرة الطموحة” خلال استضافة البلد الشمال إفريقي لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية، خلال سنة 2016 بمراكش “كوب22″؛ لكن “التنزيل الحقيقي لإنهاء العمل بالأكياس البلاستيكية لا يزال متعثرا لأسباب عديدة، أبرزها “انعدام” البدائل”، حسب تعبير بعض الفعاليات.
“صعوبات في التنفيذ”
أيوب كرير، ناشط بيئي ورئيس جمعية أوكسجين للبيئة والصحة، ثمّن الجهود المغربية التي تم بذلها منذ سنة 2016 عندما دخل القانون رقم 77.15 المتعلق بمنع الأكياس البلاستيكية حيز التطبيق، مؤكدا أن “الدولة انخرطت في حملة ضخمة ساهمت فيها الفعاليات الجمعوية على مستوى مختلف مدن وجهات المغرب”، مبرزا أن “السلطات تعاملت بحزم مع الذين تورطوا في ترويج هذه الأكياس الممنوعة من خلال غرامات رادعة”.
واعتبر كرير، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن “حملات المراقبة صارت موسمية، وكان العديد من الذين عهدت إليهم هذه المهمة يتعاملون بنوع من المحاباة ويتم إثقال التاجر الصغير بالغرامات؛ لكن منبع هذه الأكياس ظل مخفيا ومغيبا من النقاش”، مؤكدا أن “حملة “زيرو ميكا”، التي جعلت المغرب يحظى بتقدير كبير، تم إفشالها بسبب غياب الحكامة في هذا الجانب، على الرغم من أنه ورش كان كبيرا ومهما ولا أحد يمكنه أن ينفي دوره في العمل المناخي”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “المغرب عاد لاحقا وأصدر القانون رقم 57.18 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 77.15 القاضي بمنع صنع الأكياس من مادة البلاستيك واستيرادها وتصديرها وتسويقها واستعمالها؛ لكن المصانع السرية ظلت منتشرة، وكانت هي الأجدر بمحاربتها لتضييق الخناق على مرور هذه الأكياس إلى الأسواق”، موضحا أن “الدولة إلى جانب ذلك لم تنجح في طرح بدائل للبلاستيك، لاسيما أن البدائل الصديقة للبيئة كالأكياس الورقية أو القفة المصنوعة من القش لم تكن مجانية، وبالتالي لم تشجع المواطن المغربي على المرور إليها”.
وأكد أن “الأكياس البلاستيكية “ثقافة راسخة”؛ وبالتالي كان الأجدر محاربة هذه الثقافة، التي انبنى عليها الوعي الاستهلاكي المغربي”، مشددا على أن “العديد من المواطنين وجدوا صعوبة في المرور إلى البدائل، لأن مجموعة من المُشتريات تكون إما سائلة أو مغسُولة بالماء مثل الدّجاج والأسماك، إلخ”، موضحا أن “وحدات صناعيّة تفطنت إلى غياب البدائل وعملت على تصنيع الأكياس بالمعايير القديمة المضرة بالبيئة وترويجها بطريقة غير قانونية، ولا يزال الإقبال عليها متواصلا”.
“ضرر بيئي كبير”
نجيب عبد الوهاب، باحث في المناخ والتنمية المستدامة وعضو “جمعية أصدقاء البيئة”، عالج الموضوع من الزاوية البيئية الصرفة، معتبرا أن “استمرار الأكياس البلاستيكيّة اليوم، بشكل مُخيف، يشكل ضررا كبيرا بالاستراتيجية المناخية المغربية، نظرا لأن “حملة زيرو-ميكا” كانت من أقوى العروض البيئية التي لها رهان مناخي لإنهاء البلاستيك لكونه من أخطر المواد؛ لأنه يستغرق عقودا عديدة حتى يتحلل وينهك النظم الإيكولوجية والبيئية”.
واستغرب عبد الوهاب، في تصريحه لجريدة هسبريس، من أن “بعض المناطق النائية والمدن الصغيرة ما زالت الأكياس فيها هي الأصل كأن المعنيين ربّما لا يعرفون حتى بوجود القانون وبهذه الحملة”، مؤكدا أن “انعدام الضمير وغياب الوعي البيئي شكل عقبة أمام مرور هذه الحملة إلى المراحل اللاحقة في أفق الإنهاء الشامل للبلاستيك الضار”، مشددا على أن “في بعض الأماكن هناك تواطؤا من السلطات المحلية مع التجار، فيتم إشعارهم بشكل مبكر بقدوم لجان المراقبة”.
ولفت الناشط البيئي إلى أن “استعمال الأكياس الورقية أو القفّة المصنوعة من القش كان يفتقدُ إلى النّجاعة بالنسبة للمستهلك المغربي؛ ما يعني أن مراعاة الطبيعة التي تحكم الإنسان المغربي في الأسواق كان لا بد أن تحضر قبل التفكير في طرح بدائل لم تجب على العديد من الانتظارات”، مبرزا أن “استمرار الحملات لكل هذه المدة يبين أن هناك خللا ما؛ لأن الوحدات السرية صارت منعشة، وهي التي على الدولة محاربتها”.
يذكر أن وزارة الصناعة والتجارة كانت، من الناحية الرسمية، أفادت بحجز 2084 طنا من الأكياس البلاستيكية الممنوعة بموجب القانون رقم 77.15 منذ دخوله حيز التطبيق في فاتح يوليوز 2016 إلى غاية 31 يناير 2023، على مستوى التصنيع والمحلات التجارية، فضلا عن 742 طنا تم ضبطها على مستوى المعابر الحدودية من طرف إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة”، موضحة أنه “تم خلال الفترة ذاتها تنفيذ 7337 عملية مراقبة بمختلف الوحدات الصناعية”.
وأكدت الوزارة ذاتها، في جواب كتابي عن سؤال لحنان أتركين البرلمانية عن فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، أنه، إلى جانب هذه الإجراءات، تمت “مراقبة أكثر من مليون و736 ألف نقطة بيع على المستوى الوطني؛ ما أسفر عن تحرير 111 محضر مخالفة متعلقة بمراقبة الوحدات الصناعية، وأكثر من 16 ألف محضر مخالفة خلال عمليات مراقبة السوق، تمت إحالتها جميعها على وكلاء الملك”، معتبرة هذه الحصيلة “إيجابية في مجملها”.
المصدر: وكالات