حذرت جمعيات حقوقية مغربية من تداعيات قانون المالية الذي صادق عليه البرلمان أمس الخميس، معتبرة أن عددا من المقتضيات التي جاء بها، لاسيما في الشق المتعلق بالجبايات، وستدخل حيّز التنفيذ ابتداء من السنة المقبلة، “ستُعمّق إضعاف القدرة الشرائية للمواطنين”.
وقال ممثلو كل من الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبارانسي المغرب)، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والفضاء الجمعوي، في ندوة صحافية قدّمت فيها قراءتها لقانون المالية 2024، إن الندوة جاءت “لدقّ ناقوس الخطر”، منتقدين استمرار السلطات العمومية في إعداد قوانين المالية “بشكل انفرادي”.
“غياب العدالة الجبائية”
عبد الكبير الميلودي، عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، قال إن الجمعيات الثلاث “تدقّ فعلا ناقوس الخطر، لأننا نتوقع أن يزداد عدد الفقراء السنة المقبلة، في ظل توجّه الحكومة إلى تفكيك صندوق المقاصة، واستمرارها في الاعتماد بالأساس على مداخيل الضرائب غير المباشرة التي تدفعها الطبقة المتوسطة”.
ورغم أن الحكومة وضعت عددا من البرامج الاجتماعية، مثل الدعم الاجتماعي المباشر، فإن الميلودي يرى أن ثقل تمويل هذه البرامج ستتحمّله الطبقة المتوسطة، التي تمثل مساهماتها من الضرائب غير المباشرة 75 في المائة من العائدات الضريبية، مبرزا أن تفكيك صندوق المقاصة، وما سيليه من ارتفاع أسعار عدد من المواد الأساسية كغاز البوتان، وأسعار الكهرباء… “سيفقّر الطبقة المتوسطة، وسيصير الجميع فقيرا”.
وانتقدت الجمعيات الثلاث استمرار “تغييب العدالة الجبائية”، إذ أشار الميلودي إلى أن خفْض الضريبة على الشركات الكبرى من 30 إلى 20 في المائة، ورفع الضريبة على الشركات الصغيرة من 10 في المائة إلى 20 في المائة، “يعني أن هناك غيابا للعدالة الجبائية”.
وتوقف المتحدث ذاته عند إعفاء الفلاحين الذين يقلّ رقم معاملاتهم عن 5 ملايين درهم من الضريبة، بينما يؤدّي الأجراء والموظفون الضريبة على الدخل، قائلا: “75 في المائة من الضريبة على الدخل يؤديها الأجراء، في حين يتم إعفاء الفلاحين الذين يربحون عشرات الملايين من الضريبة، وهذا يبيّن أنه ليست هناك عدالة ضريبية”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن هناك “تملصا كبيرا في أداء الضرائب”، مشيرا إلى أن 2 في المائة فقط من الشركات هي التي تؤدي 80 في المائة من مجموع العائدات الضريبية، ما يعني أن 98 في المائة من الشركات تؤدي فقط 20 في المائة، ومُرجعا ذلك إلى “وجود نقص كبير على مستوى الصرامة والمراقبة”.
كما اعتبر الميلودي أنَّ المستهلكين هم الفئة التي ستتضرر بشكل أكبر من الإجراءات الجبائية التي تضمَّنها قانون المالية؛ “فرغم رفع الضريبة عن بعض المواد، كالأدوية، والأدوات المدرسية، إلا أن زيادة الضريبة على مواد استهلاكية أساسية، كالكهرباء، من 14 إلى 20 في المائة، ونقل المسافرين والبضائع، ستضعف القدرة الشرائية للمواطنين”، وفق تعبيره.
“هزالة الدعم الاجتماعي”
أحمد البرنوصي، عن “ترانسبارانسي المغرب”، توقف عند البرامج المتعلقة بالحماية الاجتماعية، معتبرا أنه “لا يمكن الحديث عن تغطية صحية شاملة في ظل استمرار المرضى في أداء مقابل العلاجات والأدوية”.
وقالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، و”ترانسبارانسي”، و”الفضاء الجمعوي”، في مذكرة المطالب الخاصة بقوانين المالية التي وجهتها إلى رئيس الحكومة ورؤساء الفرق البرلمانية، وممثلي النقابات، إن الإحصائيات التي تقدمها الحكومة، وتفيد ببلوغ نسبة التغطية الصحية 90 في المائة بعد أن كانت لا تتجاوز 34 في المائة قبل عشر سنوات، “لا تتلاءم مع الواقع”.
وأشار المصدر ذاته إلى أن المستقلّين وغير الأجراء وذوي الحقوق المنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي يدبّر التأمين الإجباري عن المرض، “لا يتجاوز عددهم 300 ألف منخرط، أي 70 في المائة من الفئة المستهدفة، وليس 70 في المائة كما تدّعي الحكومة”.
واعتبر أحمد البرنوصي أن “نجاح ورش تعميم التغطية الصحية غير قابل للتنفيذ في ظل ضعف الميزانية المخصصة للقطاع، التي تمثّل 6 في المائة من الميزانية العامة، في حين أن النسبة الدنيا التي حددتها منظمة الصحة العالمية هي 9 في المائة؛ إضافة إلى الخصاص الذي تعاني منه المنظومة الصحية على مستوى الأطباء والممرضين، إذ لا يتوفر المغرب سوى على 7 أطباء لكل 10 آلاف نسمة، في حين أن المعدل العالمي هو 15 طبيبا لكل 10 آلاف نسمة”.
وبخصوص الدعم الاجتماعي المباشر، اعتبرت الجمعيات الحقوقية الثلاث أنه “ينطوي على عدة مخاطر، نظرا لهزالة المبالغ المعتمدة، وللضغط المتزايد على الطبقة الوسطى التي تعاني كثيرا جراء التضخم وارتفاع الأسعار والضرائب غير المباشرة، خاصة أنها غير معنية بالدعم”.
من جهته قال عبد الرحيم الشافعي، ممثل الفضاء الجمعوي، إن مبدأ التنمية “هو مبدأ شامل، فالحقّ في الصحة لا يعني فقط الحق في الوصول إلى العلاج، بل أن تكون هناك حالة من الرفاه النفسي والاجتماعي والاقتصادي، لاسيما أن 53 في المائة من المغاربة يعانون من اضطرابات نفسية، وقد يكون هذا راجعا إلى الأزمات التي يعيشها المجتمع”.
وانتقد الفاعل الجمعوي ذاته ما سمّاه “رهان السلطات العمومية على إضعاف المؤسسات كعنصر لتقوية الدولة”، معتبرا أن “هذا سيؤدي إلى نتائج عكسية، لأن إضعاف المؤسسات يؤدي إلى إضعاف الدولة وليس تقويتها، ومن شأن ذلك أن يُفضي إلى اضطرابات، لأنه لا يمكن خلق الدولة الاجتماعية دون مؤسسات”.
المصدر: وكالات