قال أحمد جزولي، الخبير في الحكامة الديمقراطية والسياسات العمومية، إن “المغرب والمغاربة قد يُفَوِّتون فرصة تصحيح وضعية التمييز ضد المرأة في موضوع الإرث، والسبب الحملات غير العقلانية التي يشنها بعض الإسلاميين السياسيين”.
وحاول جزولي، في مقال له، الإجابة عن سؤالَيْ: هل يفهم الإسلاميون كيف مَكَّن الإسلام المرأة من حقها في الإرث بعدما كانت محرومة منه؟، ولماذا يُغَيَّب السياسيون الإسلاميون هذه الآية من النقاش في موضوع الإرث؟.
هذا نص المقال:
الإسلام والإسلاميون والإرث في المغرب: المساواة لماذا؟
في إطار النقاش العمومي في موضوع تعديل مدونة الأسرة قد يُفَوِّت المغرب والمغاربة فرصة تصحيح وضعية التمييز ضد المرأة في موضوع الإرث، والسبب الحملات غير العقلانية التي يشنها بعض الإسلاميين السياسيين ضد المنطق بحجة أن الإسلام قال بالتمييز ضد المرأة في الإرث، ويقدمون روايتهم وكأنها القول المطلق، وهذا خطأ.
وفي الحقيقة، الموضوع يدخل في مجال سوسيولوجيا الإسلام السياسي، حيث تعتقد الحركات الإسلامية، بصفتها حركات سياسية أولا وأخيرا، أنها كلما جرَّت المجتمع نحو الخلف كلما أكدت قوة حضورها وجدارتها باكتساب أذُن الحاكم.
إذن طرحُ السياسيين الإسلاميين في موضوع الإرث في الإسلام لا يتعلق بموضوع ما قالته الديانة، بل بما تستطيع أن تفعله الحركات السياسية الإسلامية وما يمكنها أن تفرضه على الدولة والحكومة وعموم الناس لتأكيد قوتها على الجميع.
ما تتناساه الحركات السياسية الإسلامية أنها دافعت عن شرعية قطع يد السارق، وإطلاقية تعدد الزوجات، وزواج القاصرات، ورجم الزانية لحد الموت، وما إلى ذلك من الممارسات القروسطية التي عوضها المشرع المغربي بما يتلاءم مع العصر.
السؤال العميق: هل يفهم الإسلاميون كيف مَكَّن الإسلام المرأة من حقها في الإرث بعدما كانت محرومة منه؟
أقر الإسلام حق المرأة في الإرث، وهذا كان أكثر من موقف ثوري في ذلك العصر لأن المرأة لم تكن ترث شيئا قبل الإسلام. والأصل في الإرث قوله تعالى في سورة “النساء” (الآية 7): “لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا” (دون تحديد حجم النصيب).
لماذا يُغَيَّب السياسيون الإسلاميون هذه الآية من النقاش في موضوع الإرث؟
إن هذه الآية هي الأصل، أما الفرع فهو ما ورد في الآية 11 من السورة ذاتها (أي بعد الآية السابقة) والتي جاء فيها: “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ”، وهي وصية للتأكيد على حق المرأة في الإرث أكثر من التأكيد على حق التمييز لصالح الرجل لأن الوضع ما قبل الإسلام، كما ذكرنا أعلاه، كان هو الحرمان المطلق للمرأة من الإرث.
من الناحية المنطقية، هناك الأصل وهناك الفرع. الأصل هو حق المرأة في الإرث، والفرع هو “لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ” في ذلك الوقت، أي التمييز لصالح الرجل لأن التدرج في إقرار الأشياء جوهري في منهجية التطور. للتأكيد، هذا جاء في وضع كانت فيه المرأة محرومة من الإرث بالمطلق، وكون الإسلام أعطاها نصيبا فهذا كان شيئا كبيرا جدا في وقته.
اليوم أعتقد أن القرآن لا يتعارض مع المساواة في الإرث بين الرجال والنساء بحجة قوله تعالى: “لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا”، دون تحديد هذا النصيب في نص الآية.
يعتقد السياسيون الإسلاميون أن تراجعهم عن السائد في فهم الإسلام سيقود إلى تراجعهم في التموقع السياسي في المجتمع. ويعتقدون أن استمرارهم في القدرة على جر المجتمع نحو الخلف هو عربون استمرار تحكمهم في المجتمع. وهذا كله خطأ في خطأ لأن التموقع في المجتمع ينبني على القدرة على التفاعل مع الحاجيات اليومية للناس، وليس مع معتقداتهم الدينية القديمة لأن هذه المعتقدات تبقى قابلة للتحول حسب القدرة على التأثير فيها من قبل صناع التغيير.
لهذا لا أعتقد أن هناك أي مانع ديني في المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث لأن جوهر الإسلام هو العدالة، وهذا ما يجب أن تنتصر له الإصلاحات المرتقبة في مدونة الأسرة، بحجة قوله تعالى: “لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا”.
إن تغييب هذه الآية هو أكبر خذلان لجوهر القرآن والإسلام.
إذن المساواة في النصيب من الإرث حق مشروع، وكرامة الرجال ستتعزز بالمساواة وليس العكس.
المصدر: وكالات
