بعدما أُثير مرة أخرى النقاش حول “شبهة سرقات علمية”، جرى تسليط الضوء مجددا على ما يعتبره الأكاديميون “معضلة بنيوية” تنخر البحث العلمي بالمغرب؛ في الوقت الذي لا يزال فيه هذا النقاش بالمجمل يُقدم في صيغة “انطباعات”، ذاتية وموضوعية، بما أنه ليست هناك معطيات رسمية دقيقة توضح “درجات” حضور “عمليات السطو على مجهودات الآخرين” في المجال البحثي الجامعي على وجه التحديد.
وبما أن الإصلاح البيداغوجي للدكتوراه يسعى إلى جعل هذا المسلك بكل الطرافة العلمية والأكاديمية الممكنة، فإن من بين الرهانات التي يعلقها عليه الأكاديميون المغاربة هو ضرورة محاصرة وتطويق “ورم خبيث” يثيرُ قلق جميع الأوساط الجامعية وظل يسيء إلى قطاع البحث العلمي المغربي، نظرا لأن الأحاديث عن الظاهرة كثيرة، على الرغم من أن “المعطيات المحيطة به كانت في أحيان كثيرة عبارة عن اتهامات”، كما أوضح المتحدثون لهسبريس.
“نحو حكامة علمية”
عبد الصمد بلكبير، كاتب وأكاديمي مغربي، قال إن “السرقة العلمية كانت دائما من بين المشاكل التي تجعل جامعاتنا المغربية في ذيل التصنيفات الدولية، وتجعل البحث العلمي لدينا متراجعا”، معتبرا أنه “لا يقوم بها الطلبة أو الباحثون فقط بل أيضا الأساتذة والمسؤولون الإداريون”، مبرزا أن “هذه الظاهرة استلهمناها من فرنسا، حيث تنتشر وكنا نعرف منذ زمن أن هناك في الجمهورية متخصصين في إنجاز أطروحات بمقابل مادي”.
وأوضح بلكبير، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن “الإصلاح الحقيقي للدكتوراه أو لتأهيل البحث العلمي لا بد أن يشدد الخناق على الانتحال العلمي الذي أنهك مصداقية المشهد البحثي المغربي”، داعيا إلى “إحداث منصة أو مكتبة رقمية وطنية توضع فيها مجمل البحوث والأطروحات، لأجل تفادي السرقة”، وأكد أن “القضاء على هذه الآفة هو عنوان للمرور إلى حكامة علمية تكرس الأمانة وتجعل البحث العلمي غاية في حد ذاته وليس وسيلة أو عبئا على الباحثين”.
وأضاف المتحدث قائلا: “لم تعد تصدمنا الأنباء الواردة بخصوص السرقات، لأنها مسألة معروفة ولا يستطيع المسؤولون الجامعيون إنكارها”، مسجلا أن “النموذج العلمي يحتاج إلى إعادة النظر، والأطروحات أو البحوث التي يثار بشأنها نقاش، فيجب أن يتم إخضاعها للجان علمية للتحكيم والفحص، لكي تثبت درجات الانتحال ومدى حضوره الفعلي، بما أن هذه الاتهامات كانت أيضا من ناحية أخرى تصفية للحسابات في ملفات كثيرة تابعناها”.
“مجهودات وتأهيل”
خالد الصمدي، كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي سابقا، قال إن “المغرب بذل جهودا كبيرة في إطار تطويق الانتحال العلمي في الجامعات المغربية، إذ بدأنا منذ سنوات نستعين ببرنامج معلوماتي من طرف المركز الوطني للبحث العلمي والتقني”، وكان الهدف منه هو “الحد من السرقة العلمية”؛ وبالتالي “كل طالب قبل مناقشة بحثه هو ملزم، من الناحية القانونية، باستخدام هذا البرنامج الذي يستطيع الكشف والتمييز بين الانتحال والاقتباس العلمي”.
وأضاف الصمدي، متحدثا حول الموضوع لجريدة هسبريس، أن “هذا البرنامج المعلوماتي المعتمد بالمغرب يعتمدُ أيضا في الدول أجنبية؛ ذلك أنه يدعم 34 لغة وبإمكانه تحليل ودراسة المستندات بمختلف أشكالها ومحتوياتها”، مشيرا إلى أن “هنالك جامعات مغربية تتعامل بصرامة مع مشكلة السرقة العلمية، بينما هنالك جامعات تتساهل في ما يخص توظيف هذا البرنامج وتظل وزارة التعليم العالي مدعوة إلى التشديد أكثر في مسألة توظيف هذا البرنامج المعلوماتي”.
وواصل قائلا: “في حالة ما التزمت كل الجامعات ومؤسسات ومعاهد التعليم العالي المغربية بهذا الإجراء؛ فإنه، وفي ظرف سنة على الأقل، سنتمكن من التوفر على معطيات وإحصائيات مضبوطة تتعلق بمسألة اللجوء إلى الانتحال في الأعمال البحثية على الصعيد الوطني”، داعيا في الوقت ذاته إلى أن “تقوم المؤسسات الرسمية المشتغلة في البحث العلمي بإجراء دراسة شاملة ودقيقة تخرج هذا الموضوع من الانطباعات والمزايدات والاتهامات، ونناقشه بموضوعية للقضاء عليه تدريجيا”.
المصدر: وكالات