لم تنكر وزارة التجهيز والماء أن “اللجوء إلى تحلية مياه البحر” يعد اليوم ضرورة تاريخية باعتباره “أحد البرامج المحورية التي ستضمن تأمين التزود بالماء الشروب، ودعم مياه السقي”، ما جعل المغرب يكشف أنه يسابق الزمن لتحقيق الأمن المائي ببرمجة إنشاء 16 محطة لتحلية مياه البحر خلال الفترة 2024-2030 بقدرة 1490 مليون متر مكعب في السنة.
المناطق التي ستحتضن هذه المحطات الجديدة، التي تنضاف إلى 14 محطة لتحلية مياه البحر، هي الدار البيضاء والناظور وتزنيت وطانطان، وكلميم، والصويرة 1 و2 والوليدية وبوجدور وطنجة؛ مع توسيع محطات أكادير وسيدي إفني والجرف الأصفر وآسفي وطرفاية 1 و2، ما قال عنه خبراء بيئيون ومحللون إن مواصلة إدراج الأقاليم الجنوبية في الأوراش المائية الإستراتيجية يكرس الرهان على الصحراء المغربية كرافعة أساسية للتنمية الوطنية المستدامة.
“مسابقة للزمن”
رشيد فاسح، خبير بيئي ورئيس جمعية بيزاج بأكادير التي تُعنى بشؤون المناخ، قال إن “توالي سنوات الجفاف لم يجعل للمغرب حلاّ آخر سوى هذا المشروع الإستراتيجي المتعلّق بتحلية مياه البحر”، معتبرا أن “من حظ المملكة أن لديها واجهتين ساحليتين بحريتين ممتدتين على طول 3.500 كلم، لكي يستثمرها البلد لتنويع مصادر التّزود، وأيضا لتحقيق أهدافه من التنمية المستدامة، أمام ما تابعناه جميعا من هشاشة على مستوى الأنظمة المائية التقليدية”.
وأبرز فاسح، ضمن إفادات قدمها لجريدة هسبريس، أن “دولا تُعاني الأمرين لكونها أصابها الجفاف وليست لديها سواحل”، موضحا أن “المناطق التي تم اختيارها للمحطات الجديدة تم تحديدها وفق معايير دقيقة، لكونها تعاني جفافا بنيويا ومستمرا، خصوصاً في الأقاليم الجنوبيّة، حيث لم يعد ممكنا التعويل على المخزون السّطحي والموارد الجوفية الاعتيادية، بعدما دخلنا في المغرب كاملا مرحلة حرجة صارت تستدعي تكثيف خلق محطات تحلية البحر”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “الفرص التي تتيحها التحلية لا تقتصر عائداتها على المدن حيث توجد هذه المحطات، بل أيضا على المدن الداخلية وغير الساحلية القريبة منها، أي إنها ستكون حلا مهما ومفيدا لمجابهة العجز المائي الذي صار يضرب العديد من المناطق”، مؤكدا أن “هذا الورش الإستراتيجي كان يمكن الاشتغال عليه بالمغرب مع مطلع الألفية لخلق توازن بين الموارد الاعتيادية والأخرى غير الاعتيادية، طبعا دون إغفال ورش إعادة تدوير المياه العادمة”.
وعن رفع الاعتماد على محطات التحلية بالأقاليم الجنوبية، قال الخبير البيئي إن “المغرب لديه اليوم إستراتيجية وطنية شاملة، كما أن هناك مخططا تنمويا متكاملا بالأقاليم الجنوبية يستدمجُ التنمية المستدامة، من خلال محاولة معالجة الإشكالات البيئية العالقة بمدن الصحراء المغربية”، موضحا أن “الاستجابة لمتطلبات التنمية في هذه المناطق تقتضي أن يكون الماء أحد الأسس الضرورية إلى جانب الكهرباء، ونحن الآن مقبلون على تأهيل حقيقي للواجهة الأطلسية”.
“ضرورة ملحة”
مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية للتنمية والمناخ، قال إن “المرور إلى السرعة القصوى في تكثيف محطات تحلية مياه البحر هو ضرورة حتميّة لا يمكنُ المماطلة فيها أمام النّتائج الخطيرة التي نجم عنها الجفاف، وتراجع حصة الفرد المغربي من الماء إلى نحو 400 أو 500 متر مكعب”، لافتا إلى أن “المغرب لديه وعي مرتفع بأهمية هذا الورش، لذلك هناك أيضا اتجاها للاعتماد على مختلف الوسائل لإنجاح التحلية، منها اللجوء إلى استخدام النووي لأغراض سلمية”.
وسجل بنرامل، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن “المغرب شرع منذ مدة في تفعيل أهداف التنمية المستدامة ومقاومة التّغير المناخي والحفاظ على الموارد المائيّة، وعلى الأقل الوصول إلى معدلات معقولة في مجال التّزود والتغلب على الفقر المائي”، مبرزا أن “الاستعمالات الزراعية بدورها تضررت والقطاع الفلاحي بكامله صار يعاني من تبعات خطيرة بسبب الجفاف، وهو ما تسارع الجهات الرسمية للتعامل معه من خلال البحث عما يساهم في تأهيل هذا القطاع”.
وأكد الخبير البيئي أن “التحلية ليست لها أي أضرار بيئية، وهي حل إستراتيجي يعتمد الطاقات المتجددة والبديلة والصديقة للبيئة”، مردفا بأن “خلق المزيد من المحطات سيكون في خدمة الإستراتيجية المائية الوطنية وسيجنّبنا السيناريوهات الخطيرة”، وزاد: “الاستغلال المفرط وغير المعقلن الذي لا يترك الفرصة لتجديد الفرشة بباطن الأرض أضر بالاحتياطات من الماء، كما أن الاعتماد على السدود يحتاج إلى بدائل مكملة مثل مشاريع التحلية”.
المصدر: وكالات