يواصل عبد الحق الصاري الالتزام بتنمية التحديات على الدوام، مواظبا على إيجاد أهداف أعلى كلما وصل إلى تحقيق سابقتها، وذلك منذ أن غادر المغرب للتحصيل العلمي في فرنسا، وأيضا خلال المرحلة الموالية التي دفعته إلى إعلاء سقف الأحلام من أجل التعاطي إيجابيا مع الفرص الكائنة في مونتريال الكندية.
حرص المغربي ذاته على تنمية مهاراته الشبابية في مجال المعلوميات حتى صار واحدا من علماء تقاطع الميدان مع الأداءات الاقتصادية، وواصل البذل أيضا على أصعدة متنوعة، أبرزها يتصل بالعمل الجمعوي التطوعي، ثم التحول إلى تجريب الحظ في العمليات الانتخابية بناء على الانخراط في العمل السياسي.
الإيقاع في الرباط
نشأ عبد الحق الصاري في مدينة الرباط، إذ ازداد في كنف أسرة مستقرة على مستوى ‘’حي المحيط’’ في العاصمة، ثم كبر وسط ‘’حي أكدال’’ بالحاضرة ذاتها، بينما ارتبط تكوينه بالتعليم العمومي على امتداد المسار الدراسي، وصولا إلى الحصول على شهادة الباكالوريا من ثانوية مولاي يوسف.
ويقول عبد الحق: “بالموازاة مع سنوات التدرج في المدرسة، كان هناك ارتباط عضوي بالأنشطة الموازية، وحضور آخذ في التصاعد ضمن المسرح والغناء وصل إلى المشاركة في ‘القناة الصغيرة’، برنامج الطفولة الذي كان يجذب الأنظار كل صباح أحد إلى التلفزة المغربية، كما تملكني شغف كبير بممارسة رياضة التنس”.
كما أقبل الصاري على الاشتغال بالتزامن مع التواجد في الطور التعليمي الإعدادي، إذ عمد إلى تولي أعمال مؤقتة، بدوام جزئي يتيح له امتلاك مهارات في الاعتماد على النفس، وقبل الحصول على الباكالوريا كان يقدم دروسا في المعلوميات بمجموعة من البيوت، جامعا مردودا ماليا ممن يستعينون به، حينها، بعدما اشتروا حواسيب كانوا يريدون معرفة كيفية تشغيلها بطريقة صحيحة.
بين ليون ومونتريال
حصل عبد الحق الصاري على تكوين في التعليم العالي المتاح بالجامعة المغربية، ثم عمل على الاستفادة من فرصة تجعله يتطور أكثر بعد الظفر بدبلوم للهندسة المعلوماتية في فرنسا، مستغرقا فترة زمنية للتحصيل بمدينة “ليون”، ثم انتقل إلى التراب الكندي بغية توسيع المدارك في مرحلتَي الماستر والدكتوراه.
ويستعرض عبد الحق ما وقع في ذلك الوقت بقوله: “رأيت أنني تخرجت مهندسا للمعلوميات في سن صغيرة نسبيا، وأن هذا المعطى يخلق التحفيز للبقاء مدة إضافية في الجامعة، رغبة في الارتقاء بالقدرات وفق المعايير الأكاديمية، لهذا أطلقت البحث عن آفاق جامعية مغايرة؛ مع الانفتاح على خوض التجربة الجديدة في دولة مغايرة لفرنسا”.
مال الصاري إلى استثمار جهوده في الاستفادة من الفرص التي يعطيها الانخراط في النظام التعليمي بمنطقة أمريكا الشمالية، وذلك باقتراح من المحيطين به الذين اعتبروا أن الانتقال إلى كندا يبقى مغريا للباحثين عن آفاق أرحب، ما أسفر عن توجهه نحو مدرسة التكنولوجيا العليا (ETS) وجامعة كبيك في مونتريال (UQAM)، من بين مؤسسات أخرى، لاستيفاء المأمول دراسيا.
الثابت والمتغير
يعتبر عبد الصاري أن صعوبات البداية تكون حاضرة في أي تجربة للهجرة، وتلوح حادة على مدى الشهور الأولى من هذه الطفرة، كما يشدد على أنه لم يكن استثناء في كندا رغم حصوله على خبرة سابقة زمن التواجد في فرنسا، خاصة ما تمليه الخصوصيات المناخية من إعادة ضبط لإيقاع الحياة المطلوب حتى يتماشى وقوة الطبيعة.
ويضيف المستقر في كبيك منذ 2002: “اللغة الفرنسية حاضرة على مستوى مونتريال، لكن الحمولة الثقافية للمجتمع مختلفة كليا عما هو معروف عن فرنسا، ويمكن تبسيط الوضعية بالقول إن الحالة تشبه الدخول إلى الثقافة الأمريكية باللغة الفرنسية، لذلك يصل المهاجر إلى هذه الأرض متحفزا لغويا كي ينخرط في تحدي الاندماج ثقافيا”.
كما يشدد الصاري، ضمن السياق نفسه، على أن النظام الدراسي الكندي عموما، وفي كبيك بكيفية خاصة، لديه من المميزات ما يجعله مغايرا تماما عن النماذج الأوروبية، لترتقي به إلى مكانة أرفع من ناحية الجودة، معتبرا أن تجربته في التعليم العالي بمونتريال قد وقفت، يقينا، على أن الممارسة أفضل مما هو حاضر في عموم دول أوروبا الغربية، وفي مقدمتها فرنسا.
الرصيد الوظيفي
حرص المنتمي إلى صف الجالية المغربية على ضمان مردود مالي يلبي احتياجاته عبر اشتغالات في ميادين متباينة وقت التحصيل في كندا، ثم تطور هذا الأداء كي يظفر بفرص عمل بديلة في مجال المعلوميات، إلى أن حاز ثقة أساتذة شرعوا في تكليفه بمهام ذات صلة بالتدريس الجامعي، وبعد سنتين من تنمية الشغف صار أستاذا في التعليم العالي.
في الوقت الحالي، يشتغل عبد الحق الصاري في مدرسة علوم التدبير بجامعة كبيك في مونتريال، ويتولى في مهامه التدريسية، أيضا، تطوير محتوى الذكاء الاقتصادي، بجانب تكوين الطلاب في تسيير المشاريع وتدبير التواصل والأنظمة، إضافة إلى التأطير في تكنولوجيات الأعمال والتأثيرات على التغيرات التنظيمية.
وبالتزامن مع الاشتغال في التعليم، راكم الصاري تجارب في تصميم التطبيقات الإلكترونية، من بينها ما هو معمول به في مجال توزيع المحروقات، كما واكب شرطة مونتريال 5 سنوات ضمن فريق من العاملين على تفعيل مشروع إلكتروني، وجعل التعامل مع الكاميرات المحمولة من طرف الأمنيين يتم بأعلى درجة من الكفاءة.
في التطوع والسياسة
يتواجد عبد الحق الصاري في الحياة التطوعية، متموقعا بين ممثلي الجامعات في كبيك ضمن الإطار التنظيمي الخاص بهذه البنيات الأكاديمية، كما تولى رئاسة جمعية “شمس الأيتام” قبل أن يصير حاليا نائبا للرئيس، وهي التي ترعى يتامى في مجموعة من الدول الإفريقية، من بينها المغرب، منذ تأسيس هذا التنظيم المدني سنة 2005.
وبادر الناشئ في الرباط إلى دخول المجال السياسي في مونتريال بحلول الانتخابات المحلية لسنة 2017، ملبيا رغبة المحيطين به في مساعدة الناس أكثر من موقع تدبيري، وقد كسب الرهان ليصير أول مغربي إفريقي مسلم يفلح في كسب ثقة الناخبين من أجل الدخول إلى المجلس البلدي، وصار نائب رئيس لجنة الأمن العمومي التي لديها صلاحيات على مستوى الشرطة والحماية المدنية.
وفي انتخابات سنة 2021 حضر اسم الصاري أيضا بين الناجحين، وقد خطف الأنظار في 2023 حين تولى منصب عمدة مونتريال الشمالية بالنيابة، في تجربة أسدل عليها الستار في شهر شتنبر من السنة نفسها، ليبصم على حصيلة يعتبرها موفقة للغاية رغم العناء، ومحققة الأهداف التدبيرية التي كانت مرسومة لها بدقة بالغة.
السبل السليمة
يعتصر عبد الحق الصاري تجربته الشخصية ليخلص إلى أن العيش لا يمكن أن يكون ذا معنى إن فرغ من الأحلام والطموحات، كما أن المسارات لا تعد ناجحة إن فرطت في الإحساس بالسلام الداخلي وأبعدت العائلة والأصدقاء والأحباب، مثلما نشوة الفوز المرحلي تصير مريرة إن جاءت بكسر القيم التي يؤمن بها المرء.
ويضيف ذو الأصل المغربي: “الجيل الحالي يتوفر على مستوى رفيع يغنيه عن نيل النصح من الغير، لكن التوجيه لا بد أن يحضر من أجل تفاديه التفكير في ما قد يتم نيله بسهولة تامة، لأن ذلك غير متوفر، والكلفة قد تكون باهظة في النهاية، بينما التوفيق يأتي عند مراعاة حسن النية في المعاملات”.
“التكنولوجيا ومنتجاتها في الذكاء الاصطناعي من آليات العصر التي يمكن تسخيرها لتحقيق الأهداف الفردية والجماعية، وكل الأحلام ينبغي أن تأتي شامخة ما دامت الظرفية مناسبة للاستثمار في الفرص الكائنة بكندا، واليقين أن الأجيال السابقة عرفت صعوبات أكثر مما هو بارز حاليا، ورغم ذلك توفق عدد كبير منها في النجاح والتألق، بل منهم من وصل إلى مراكز القرار في ميادين عديدة”، يختم عبد الحق الصاري.
المصدر: وكالات