الثامنة مساء في قلب الرباط، باب شالة، طابور شعبي ينتظر طاكسيات لنقله. المشهد مركب وله أبعاد اقتصادية واجتماعية ونفسية.
سيتم تأطير هذا المقال وتفكيك هذا المشهد تبعا للأسئلة الخمسة التي تدرس في معاهد الصحافة: أين؟ متى؟ من؟ كيف؟ ولماذا؟
أين تجري الوقائع؟
ليل خارجي. يبدأ السيناريو في باب شالة في قلب الرباط بعد الثامنة ليلا. هنا يقف مئات الركاب الذين سينطلقون من باب شالة ويتجهون إلى شمال سلا. يقصد الطاكسي أحياء الانبعاث والواد والقرية العميقة. السكن في حي الواد سهل بسبب انخفاض سومة الكراء. حي الواد قريب للمجال القروي فيه مباني عشوائية خطرة. الاسم طبيعي لا إداري. يحتضن حي الانبعاث كثافة سكانية هائلة. مظاهر الفقر واضحة. حي الانبعاث لا يطابق اسمه حاله. منذ مدة تحسن وضع حي كريمة بفضل الترامواي. كل حي بلغه الترامواي وصلته الحضارة والإضاءة والرقابة.
لذلك، فالأمكنة الأصعب هي تلك التي لم يصلها الترامواي بعد. إن الترامواي ليس مجرد وسيلة نقل. إنه عامل تغيير تحديثي.
متى تجري الوقائع؟
مساء كل يوم من نونبر 2023 حسب المعاينة. برد ورذاذ مطر. تصل الدراما ذروتها مساء السبت والأحد، وتحدث التراجيديا بعد منصف ليلة السبت، حينها قد يضطر شخص أنيق شرب كأسا لطلب درهم لاستكمال ثمن الرحلة.
من يصطف ويتزاحم ويتسابق؟
رجال ونساء عملوا بين 8 و12 ساعة. طبقة كادحة، حراس أمن خصوصي وعاملات حانات ومطاعم ومتاجر. يقفون ينتظرون بعد يوم عمل… العمل ضرورة ليواجه الإنسان وضعه ويوفر حاجياته.
نادرا ما يبقى الموظفون حتى الثامنة مساء.
هنا شابات أنيقات يعملن في مطاعم حي أكدال والرياض، حين يصلن باب شالة يرتدين جلابيب. لا يمكنهن السير في حي الواد ليلا بلباس عصري. تقارن الشابات بين مكان عملهن ومكان سكناهن. المقارنات مذلة وتنمي الحقد الطبقي.
يكشف تحمل هذه الظروف حجم حاجة الناس إلى العمل ليأكلوا. يركز ماكس فيبر على أهمية العمل الإنساني القصدي في مواجهة البشر وضعهم. لا بدائل.
يقلل الإنهاك البدني للبشر فرص سعادتهم.
كيف يتحمل البشر هذا يوميا؟
هناك صفوف طويلة وانتظار. في الصف يروي المنتظرون لبعضهم بعض قصصا تهوّن زمن الانتظار، يكملون قصص بعضهم ويتذكرون تلك التي تشبهها… أما الذين ملوا الحديث فيتسلون بتدخين إلكتروني، يجرون مكالمات هاتفية طويلة…
يطول الاصطفاف والانتظار، وفجأة يقع تحول. يصل طاكسي فيبدأ سباق الأقوى والأسرع. باي باي النظام.
لا يتحمل النقل المديني الكثافة السكانية. لذا غالبا ما تتدخل الشرطة.
وحدها الشرطة قادرة على تنظيم البشر. من لم يصدّق فليحضر ليعاين المشهد.
لماذا يتحمل البشر هذا الوضع؟ لماذا الزحام بين الرباط وسلا؟
هذا تفسير المشهد: لأن الرباط مكان عمل وسلا مكان نوم.
لأن ركوب الحافلة يستهلك وقتا أطول، ساعتان مثلا، بينما ركوب الطاكسي أسرع.
الجديد في زمن الأزمة
يريد سائق الطاكسي حمل ركاب يقصدون منطقة هي الأقصر مسافة له ليذهب ويعود ويربح. يملي السائق المكان لكن لا يغير السعر. في الرباط لا يستطيع رفع الأسعار بينما يقدر في تطوان البعيدة عن الرقابة المخزنية.
تحصل الدراما يومي السبت والأحد؛ لأن الرباط هي مكان الاستجمام بينما مدينة سلا للنوم.
النوم في سلا والاستجمام في الرباط.
هذه مادة عن الشعب محررة بمعاينة الشارع المغربي. غالبا لا تطفو أخبار الشعب إلا إذا تضمنت فضيحة. لكن حين يتعلق الأمر بمعاناة يومية صامتة فهي تحصد اللامبالاة.
المصدر: وكالات