البقاع/ تورغوت آلب بويراز/ الأناضول
تركمان وادي البقاع في لبنان، يسعون للحفاظ على تراثهم الثقافي الشفهي الذي تناقلوه من جيل إلى جيل باللغة التركية لعدة قرون.
فريق وكالة الأناضول زار قرى تركمان القره قويونلو في البقاع، وسجّل بعض الأهازيج والأغاني الشعبية المعرّضة لخطر النسيان.
عالم التركيات أوزغور قاسم أيدمير للأناضول:
– اللهجات التركمانية في لبنان تحمل جذورًا من مختلف اللهجات التركية.
– الوجود التركي الأقدم في لبنان موجود في سهل البقاع، واللهجة التركية البقاعية تحمل آثارًا من اللهجة التركية القبجاقية.
– تركمانيون للأناضول: تعلمنا الأغاني الشعبية التركية البقاعية من أجدادنا، عاصرنا الجيل الأخير الذي عاش على الأغاني الشعبية التركية.
يسعى تركمان وادي البقاع المنبسط بين سلسلتي جبال لبنان الشرقية والغربية، للحفاظ على تراثهم الثقافي الشفهي الغني الذي تناقلوه باللغة التركية لعدة قرون.
لسنوات عديدة، عاش تركمان القره قويونلو (أصحاب الأغنام السوداء) في المناطق الواقعة بين سوريا ولبنان، وعملوا في قطاع تربية المواشي، قبل أن يألفوا حياة الاستقرار في مناطق سهل البقاع في لبنان، منتصف القرن الماضي.
تركمان البقاع، الذين يحتفظون بثقافة شفهية غنية، نقلوا الأغاني الشعبية التي اعتادوا غنائها بلهجتهم التركية المميزة (التركية البقاعية) من جيل إلى جيل.
ومع ذلك، فإن هذا التراث الشفوي الفريد معرّض لخطر الاندثار اليوم، بالتزامن مع زيادة نسب التعليم داخل المجتمع والاندماج مع اللبنانيين العرب.
بعض التركمان الذين يعيشون في القرى التركمانية بالبقاع (وتعرف باسم “أوبا”)، يقولون إنهم يحاولون نقل هذا الموروث الشفوي والأغاني الشعبية التركية لأولادهم، وإنهم قد يكونون آخر ممثلٍ حيّ لهذا الموروث الفريد.
التركمان في سهل البقاع ما زالوا يتحدثون التركية بلهجة مميزة تعرف لديهم باسم “أوباتشي”، ويعيشون في 6 قرى هي “دورس”، و”شيمية”، و”النعنية”، و”عدوس”، و”الحديدية”، و”مشاريع القاع”، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 10 آلاف نسمة.
ويتركز وجود التركمان القره قويونلو في لبنان في منطقة سهل البقاع (شرق)، فيما يبلغ عدد التركمان الموجودين في عموم المناطق اللبنانية ما بين 40 إلى 50 ألف نسمة.
** الأناضول تسجل الأغنيات
فريق وكالة الأناضول زار قرى تركمان القره قويونلو في البقاع، وقام بتسجيل بعض الأهازيج والأغاني الشعبية المعرّضة لخطر النسيان.
عمار كنجو (62 عامًا)، أبٌ لـ7 أطفال من قرية الحديدية، يمثل أحد أفراد الجيل الأخير من منشدي الأغنيات والأهازيج الشعبية التركية.
وقال كنجو لمراسل الأناضول إن هذه الأغاني الشعبية سوف تظلّ بذاكرته، خاصة وأنه طالما سمع والده يغنيها.
وأضاف: “لطالما اعتدنا التحدث باللغة التركية باللهجة البقاعية، وذلك قبل انتشار اللغة العربية في القرى التركمانية (أوبا)”.
وقال: “هنا، بعض الأطفال يفهمون اللغة التركية، ولكنهم لا يستطيعون التحدث بها، في الماضي، لم يكن سكان الأوبا يعرفون اللغة العربية، وكانت التركية البقاعية هي لغة التواصل الوحيدة بين السكان”.
وأشار كنجو إلى أن “بعض الفتيات اللاتي كنّ يتزوجن من القرى التركمانية في الماضي، كنّ يتعلمن أيضًا التركية البقاعية مع مرور الوقت”.
وقبل أن ينشد مجموعة من الأغاني الشعبية بالتركية البقاعية، أبدى كنجو تَوقه لزيارة تركيا، قائلًا: “إذا كتب الله لي طريقًا، أتطلع لزيارة تركيا ولو مرة واحدة وبعدها فليتوفاني الأجل”.
** من الأجداد للأحفاد
عصرية كورلي (73 عامًا)، من قرية دورس البقاعية، تعتبر هي الأُخرى من الجيل الأخير الذي تربّى على الأغاني الشعبية التركية في البقاع.
الخالة عصرية، التي تعيش حياةً متواضعة مع ابنتيها في منزلها خارج القرية، فقدت والدتها في سنّ مبكرة، قبل أن يتزوج والدها مرة أخرى.
وأخبرت لمراسل الأناضول أنها تعلمت جميع ما تحفظه من الأغاني الشعبية التركية من زوجة أبيها.
وبحسب الخالة عصرية، فإن أبناءها وأحفادها ما زالوا يتحدثون التركية فيما بينهم، مشيرة أن سكان الأوبا كانوا لا يعرفون الكثير من اللغة العربية، لكن عدد الناطقين بالعربية زاد مع مرور الوقت.
وعندما سألناها عمّا إذا كان أحفادها يعرفون الأغاني الشعبية التركية، أجابت: أرى السعادة في عيونهم كلما بدأت بغناء الأغاني الشعبية بالتركية البقاعية.
بدوره، رافع رمضان (43 عاما) من قرية شيمية، قال للأناضول: “تعلمت الأغاني الشعبية التركية البقاعية من جدّي، حالفني الحظ برؤية الجيل الأخير الذي عاش على الأغاني الشعبية التركية”.
وتابع بلهجته التركية البقاعية المميزة: “في المساء، يأتي الشباب إلى هنا، نجلس ونغنّي الأغاني الشعبية التي تعلمناها من آبائنا وأجدادنا، وبدأت بتعليم هذه الأغاني لأولادي”.
** اللهجة التركية القبجاقية!
عالم التركيات وعضو الهيئة التدريسية في جامعة علاء الدين كيقباد التركية (ألانيا)، الأستاذ الدكتور أوزغور قاسم أيدمير، شرح للأناضول أنه “لا يمكن الحديث عن لهجة تركمانية متجانسة في لبنان”.
وأضافأن “اللهجات التركمانية في لبنان تحمل ميزات متنوعة وجذورًا عميقة من مختلف اللهجات التركية”، مشيرًا إلى أن “الوجود التركي الأقدم في لبنان موجود في سهل البقاع”.
ولفت أيدمير إلى أن “اللهجة التركية البقاعية في لبنان تحمل آثارًا من اللهجة التركية القبجاقية، رغم أن التركمان الذين يعيشون في البقاع ومناطق لبنانية أخرى مثل قضاء عكار ومدينة طرابلس ينتمون إلى قبيلة الأوغوز”، أو “الغُزّ” كما تعرف في الأدبيات العربية.
وأكد أن “لهجة تركمان القره قويونلو في سهل البقاع ما زالت تحتفظ بكلمات من التركية القبجاقية وكلمات تركية قديمة مذكورة في كتاب “ديوان لغات الترك”، وهو أول قاموس تركي عربي شامل وأطلس جغرافي أعده اللغوي التركي محمود الكاشغري في الفترة بين 1072 و1074 في بغداد.
وبحسب أيدمير، فإن “أولى التجمّعات السكنية التركية التي بدأت في القرن الثامن في لبنان، أقيمت في سهل البقاع، وأن الهجرات التركمانية الكبرى القادمة من الأناضول وصلت إلى المنطقة مع تراجع الغزو المغوليّ”.
وأوضح أن “الوجود التركي في لبنان بدأ بشكلٍ متزامن مع انتشار الأتراك في الأناضول، والبيانات اللغوية للتركمان الذين يعيشون في عكار وطرابلس قيّمة للغاية أيضًا وتشير إلى بيانات قديمة ونادرة في إطار الهوية الثقافية التركية”.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المصدر: وكالات