يواجه نهر أم الربيع، ثاني أطول الأنهار في المغرب، انسدادا على مستوى مصبه بمدينة أزمور بسبب تراكم الرمال التي تدفعها الأمواج البحرية، لا سيما خلال الفترات التي ينخفض فيها منسوب المياه، والتلوث الناتج عن النشاط العمراني والصناعي.
ويبلغ طول النهر ما يزيد عن 555 كيلومترا انطلاقا من منابعه بمدينة خنيفرة وصولا إلى مصبه بأزمور، وهناك ثلاثة روافد أساسية تغذيه وهي “واد درنة” و”واد لعبيد” و”وادي تساوت”؛ وبذلك يمتد حوض أم الربيع على مساحة إجمالية تناهز 48 ألف كيلومتر مربع.
وتصل غزارة الوادي خلال فصلي الشتاء والربيع إلى 200 متر مكعب في الثانية، وينخفض إلى 25 مترا مكعبا في الثانية خلال فصلي الصيف والخريف، وعلى طوله تم تشييد أزيد من 11 سدا بهدف توليد الطاقة الكهربائية والري وتزويد مجموعة من المناطق بالماء الصالح للشرب على رأسها سد المسيرة وسد أحمد الحنصالي.
انسداد المصب نتج عن عوامل عديدة؛ من بينها قلة التساقطات المطرية ناهيك عن تعدد السدود على طوله، وفق ما ورد ضمن تقرير أعدته مهمة استطلاعية مؤقتة أحدثها مجلس النواب العام الماضي وقدمت الثلاثاء 17 يناير الجاري تقريرها النهائي في جلسة عمومية بحضور نزار بركة، وزير التجهيز والماء.
إلى جانب انسداد المصب، أصبحت جنبات الوادي عبارة عن برك آسنة مملوءة بالنفايات ومياه الصرف الصحي؛ وهو ما تسبب في نفوق الأسماك وانبعاث الروائح الكريهة، إضافة إلى معاناة أصحاب المراكب والصيد التقليدي في منطقة إقليم الجديدة.
5 أسباب رئيسية
المهمة الاستطلاعية المؤقتة حول “وضعية مصب نهر أم الربيع” كشفت، في تقريرها النهائي، عن خمسة أسباب رئيسية تسببت في وضعية اختناق مصب النهر سالف الذكر، فبالإضافة إلى نقص التساقطات المطرية بفعل الجفاف، فإن ثاني الأسباب يتمثل في تشييد سد المسيرة وسد سيد الضاوي بشكل ساهم في انخفاض صبيب النهر وتراجع المياه إلى أن برزت الأرض.
وأورد التقرير النهائي للمهمة الاستطلاعية المؤقتة حول وضعية مصب نهر أم الربيع أن السبب الثالث يتمثل في أخذ الحصى والصخور التي كانت تشكل حاجزا أمام الرمال موازاة مع تشييد ميناء الجرف الأصفر في إقليم الجديدة؛ وهو ما سمح للتيار البحري بجر الرمال إلى المصب. فيما السبب الرابع يتمثل في لجوء فلاحين كبار إلى إنجاز سدود خاصة لسقي الهكتارات من الأراضي من وادي أم الربيع.
أما السبب الخامس فهو مرتبط باعتماد حلول ترقيعية غير مدروسة منذ البداية، حيث كان يتم جرف الرمال ووضعها جنبات البحر بدل وضعها في أماكن بعيدة، فتعمل الأمواج على دفعها مرة أخرى إلى المصب.
وفي هذا الصدد، كشفت الوثيقة ذاتها أن شركة “درابور”، التي تعاقدت معها وزارة التجهيز عام 2001 لجرف الرمال، كانت تقوم بجلب الرمال النقية من الغابة إلى النهر ثم جرفها وبيعها باسم شركة مغايرة طيلة سنوات.
توصيات وحلول
دعت توصيات “المهمة الاستطلاعية المؤقتة للوقوف على وضعية مصب نهر أم الربيع”، التي تم تشكيلها بمبادرة من لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، إلى التعجيل بإنجاز مشروع مندمج لمعالجة الاختلالات التي يعرفها مصب النهر، لاسيما المرتبطة بمياه الصرف الصحي وتداعياتها على المنظومات البيئية والأسماك ومهنيي الصيد التقليدي العاملين في المنطقة.
وأوصى التقرير ببلورة هذا المشروع في إطار اتفاقية شراكة تساهم فيها وزارة التجهيز والماء وجميع القطاعات الوزارية المعنية، إلى جانب كل من مجلس جهة الدار البيضاء سطات والمجلس الإقليمي للجديدة والجماعات المطلة على الوادي وباقي المؤسسات الفاعلة وضمنها المكتب الشريف للفوسفاط؛ مما سيساهم في جلب الاستثمارات وتنمية المنطقة سياحيا واقتصاديا.
وحثت المهمة الاستطلاعية سالفة الذكر، في تقريرها النهائي، على مباشرة إطلاق الدراسات وتعبئة الموارد اللازمة وإعداد الشراكات والمخططات القطاعية أخذا بعين الاعتبار حجم النمو الديموغرافي واتجاه وسرعة التوسع العمراني، وتحديث تصميم التهيئة لمدينة أزمور في اتجاه توسيع مجالها الترابي ليشمل مصب وضفتي نهر أم الربيع، مع إمكانية خلق مجال ترابي خاص بمصب وضفتي الواد والمناطق المائية المرتبطة به.
وشددت التوصيات على ضرورة تجنب وضع الرمال المزالة من مصب النهر من مكان قريب منه حتى لا تعود إليه بسهولة بعد فترة وجيزة، واستغلال الرمال من طرف الإدارة لتدعيم الشاطئ ثم لدعم وتمويل مشاريع تنموية تعود بالفائدة على ساكنة المنطقة، والإسراع في إنجاز محطة معالجة المياه العادمة بأزمور، واعتبار أن أي تأخر لهذا المشروع سيؤدي إلى تفاقم نسبة تلوث مياه النهر لا سيما في ظل الجفاف والندرة.
حلول الوزارة
المهمة الاستطلاعية توصلت إلى نتائج عديدة خلال التحقيق في هذا الملف؛ فقد أفادت بأن الحالة البيئية على صعيد نهر أم الربيع ما هي إلا نموذج صغير من الحالة البيئية على صعيد إقليم الجديدة، حيث يتسبب جرف الرمال ونهبها في تعرية الشواطئ حتى أصبحت مكونة من الصخور فقط.
وشدد أعضاء المهمة على أن حل مشكل واد أم الربيع يجب أن يكون شموليا من خلال إحداث وكالة خاصة بها تضم القطاعات والمؤسسات المعنية تناط بها جميع العمليات لإرجاع الحياة إلى النهر بما فيها تهيئة المصب وضفتي الواد على اعتبار أنه “شريان الحياة بالنسبة لإقليم الجديدة، وهذه المنطقة نفسها يمكن أن تشكل متنفسا لجهة الدار البيضاء سطات إذا ما كان هناك قرار سيادي وسياسي من الدولة بالاقتناع بالاستثمار في المنطقة”.
في رده على مضامين تقرير المهمة، قال نزار بركة، وزير التجهيز والماء، إن مصالح وزارته قامت بدراسة “هيدورو- سوسيولوجية” من أجل تحليل السلوك المائي والرسوبي واقتراح الحلول المناسبة لضمان استمرار تدفق المياه بين النهر والبحر وتوصلت إلى حلين؛ الأول على المدى القريب من خلال إنجاز عمليات الصيانة للمصب بصفة منتظمة من خلال قناة بعمق متر وعلى طول ألف متر، وعلى المدى البعيد بناء حاجزين على المصب بهدف التقليل من وتيرة ترسب الرمال.
المصدر: وكالات