أكد وليد كبير، الإعلامي والناشط الحقوقي الجزائري، أن “الممارسة الإعلامية في الجزائر التي تلَت مصادقة السلطات على قانون جديد للإعلام (رقم 14-23) كرّست حقيقة مفادها أن النظام لا يمتلك نية نحو الانفتاح وتحرير الصحافة والإعلام”.
كبير الذي كان يلقي مداخلة له تحت عنوان “انحسار وتراجع فضاءات الحرية في الجزائر بعد الحراك وأزمة كورونا” خلال الجلسة الثانية من الندوة المغاربية حول موضوع: “إعادة التفكير في وسائل الإعلام المغاربية: من التحدي التكنولوجي إلى الاستقلال الاقتصادي والتحريري”، المنظمة طيلة يوميْ 17 و18 نونبر الجاري بالرباط، قال إن “المتأمل في قانون الإعلام الجديد بالجزائر يخرج بخلاصة بارزة مفادها أنه لم يأتِ بنَفَس انفتاحي كبير لمختلف وسائل الإعلام”.
وأضاف شارحاً خلال الجلسة المنعقدة مساء الجمعة تحت عنوان “واقع حرية الصحافة في المنطقة المغاربية”: “كلّنا تابعنا ولاحظنا أنه قانون جديد ينظم الإعلام-كما سُمّي-غير أنه تضمَّن غرامات وعقوبات من أجل تقويض حرية عمل الصحافي، ونقطة هامة مثيرة متعلقة بمنع الجزائريين مزدوجي الجنسية من إنشاء مقاولة صحافية” مبرزا أن ذلك “يجعل سلطات الجزائر تسقُط في تناقض صريح مع المادة 35 من الدستور الجزائري المستفتى عليه في فاتح نونبر 2020، الذي نص على مبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق كما الواجبات”.
الندوة المغاربية حول وسائل الإعلام التي لـمَّت حول منصات نقاشها “شتاتَ” ثلة وازنة من المسؤولين والإعلاميين والصحافيين والفاعلين الحقوقيين من الدول المغاربة الخمس، نُظمت بمناسبة الذكرى الـ21 للرسالة الملكية الموجهة إلى أسرة الصحافة والإعلام و”اليوم الوطني للإعلام” (المحتفى به في 15 نونبر من كل سنة).
“ازدهار” تلتْه انتكاسات
ولم يفُت كبير أن يستهل مداخلته بـتقديم التحية للمنظمين (المنتدى المغربي للصحافيين الشباب)، وتهنئة أسرة الإعلام بالمغرب والصحافيين بمناسبة تخليد اليوم الوطني للإعلام، قبل أن يستعرض “كرونولوجيا حول مسار تطور التعامل الرسمي الجزائري مع مسائل تتعلق بحريات الإعلام ووسائله”.
الإعلامي الجزائري المقيم بالمغرب توقف عند سياق الربيع الديمقراطي في الجزائر بعد أكتوبر 1988، ثم دستور 23 فبراير 1989 الذي سمَح بـ”الانفتاح الإعلامي وحرية الصحافة بالجزائر إلى غاية إيقاف المسار الانتخابي”، لافتا إلى أنها فترة “تمكنت خلالها الصحافة المكتوبة خصوصا من أن تتبوأ مكانة مرموقة وتضمَن مقروئية كبيرة وانتشارا وازدهارا واسعيْن”، مع “موجة عرفت تأسيس جرائد خاصة كان لها دور كبير في الدينامية الإعلامية في بلد المليون شهيد”.
وقال وليد كبير إن “الانتكاسة وقعَت بعد إيقاف المسار الانتخابي وما تلاه من أحداث سنوات التسعينات، أو ما يُعرف بالعُشَرية السوداء التي يتذكرها الجميع بأسف”، مستحضرا “فترة العُهدات الرئاسية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة التي شهدت عدم الانغلاق التام إعلاميًا مثلما نعيشه حالياً، بل تذبذباً في ما يخص حرية الإعلام”.
للتدليل على كلامه الأخير، ضرَب كبير المثال بمدير صحيفة “لوماتان” (محمد بن تشيكو) الذي كان قد أصدر كتاباً عن الرئيس بوتفليقة “قبل أن تتم معاقبته ضريبياً والدفع بمقاولته نحو غلق الجريدة… وقد كان لهم ما أرادوا آنذاك”، وفق تعبيره.
بالانتقال إلى فترة “الربيع العربي” (2010-2011) وما بعدها، أكد الناشط الإعلامي والحقوقي الجزائري أنها فترة شهدت فيها البلاد “نوعاً من الانفتاح، لكن ليس بشكل كامل”، مشيرا إلى “برامج نقاش وحوار لم يعُد لها وجود حاليا، كان الناس حينها يناقشون بكل حرية خلال بثها”.
الإعلام بعد “الحراك الجزائري”
“ما وقع بخصوص حرية الإعلام في الجزائر بعد الحراك أمر غير مسبوق”، يشدد وليد كبير، موردا أن “النظام الحاكم في قصر المرادية فَقَدَ الشرعية الثورية التي كان يمثّلها بوتفليقة ولمْ ينَل الشرعية الشعبية، بل لجأ إلى انتهاج القمع تجاه وسائل الإعلام”.
وقال إن “فترة الحراك ومظاهراته العارمة في 2019 شاهدة على دور الإعلام البديل الكبير في نقل مسيرات الشعب الجزائري عبر مختلف مدن الوطن، لا سيما خلال أيام الجُمعة الغاضبة حينما خرج الشعب الجزائري بأعداد غفيرة”.
استغلال “ظرفية كورونا”
“النظام العسكري بالجزائر استغلّ ظرفية “جائحة كورونا” الناتجة عن الأزمة الصحية من أجل قمع الصحافة وحصار فضاءات الحرية في الجزائر إلى يومنا هذا، وهو تفسير منطقي لِـما نعيشه في الجزائر حالياً من قمع رهيب”، يقول كبير.
وأجمل بأن “هذا القمع يُرافِقه عدم اقتناع السلطة الحاكمة في الجارة الشرقية للمغرب بأن تقويضها للحريات وقمعها للعمل الصحافي سيؤثر عليها بالنسبة للمواعيد الانتخابية الخاصة بها والتي تنظمها”، ما أدى إلى “تصحُّر سياسي وتمييع للحياة السياسية، وليس أدَلَّ على ذلك من عزوف رأيناه في كل المواعيد الانتخابية التي مرت بعد تعيين الرئيس عبد المجيد تبون منذ أواخر 2019”.
المصدر: وكالات