رحبت رابطة العالم الإسلامي بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر يوم الثلاثاء 25 يوليوز الجاري، الذي يستنكر بشدة “جميع أعمال العنف ضد الأشخاص، على أساس دينهم أو معتقدهم، وكذلك أيّ أعمال من هذا القبيل ضد رموزهم الدينية، أو كتبهم المقدسة، أو منازلهم، أو أعمالهم، أو ممتلكاتهم، أو مدارسهم، أو مراكزهم الثقافية، أو أماكن العبادة، فضلًا عن جميع الهجمات على الأماكن الدينية والمواقع والمزارات، والتي تنتهك القانون الدولي”.
وفي بيان أصدرته الرابطة ونشرته على موقعها الإلكتروني الرسمي، أشاد الأمين العام للرابطة رئيس هيئة علماء المسلمين، الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، بالإجماع الدولي الذي حَظِيَ به مشروع القرار، وأكد أهمية تحديد “الرموز الدينية” و”الكتب المقدسة” في هذا القرار، معتبرا ذلك “تحوُّلًا نوعيًّا مُهمًّا في جهود التصدي الدولي لهذه الجرائم، انتصارًا لقيم الاعتدال، ومن ذلك احترام المشاعر نحو المقدسات الدينية”.
وأوضح أن “النظرة المجتزأة” لمفهوم حرية التعبير من شأنها أن تَحْرِفَ أهدافها الإنسانية لتداعياتٍ أخرى هي أشمل وأهم وفق الأولويات “الأخلاقية” و”المنطقية”. كما أعرب عن أمله أن يسهم هذا القرار في الحدّ من أخطار الممارسات الحافزة على الكراهية، واستفزاز المشاعر الدينية، التي لا تخدم سوى أجندات التطرُّف، ومن أخطرها التحريض الإجرامي على الصدام الحضاري بين الأمم والشعوب بعامة، ومجتمعات التنوع الوطني بخاصة.
ومن المعلوم أن المملكة المغربية تقدمت بمشروع هذا القرار ضد حرق المصحف وخطاب الكراهية، واعتمدته بالإجماع 193 دولة عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وخلال تقديمه للقرار، أشار ممثل المغرب إلى ثلاثة إجراءات كفيلة بتفعيل مكافحة خطاب الكراهية، هي وضع تعريف لخطاب الكراهية متفق عليه على المستوى الحكومي عبر العالم، وعقد مؤتمر عالمي في سنة 2025 لمكافحة خطاب الكراهية، ودعوة الدول الأعضاء ووسائل التواصل الاجتماعي إلى دعم المنظومات الفاعلة لمكافحة خطاب الكراهية ومنع تنامي انتشاره، وتعزيز وصول المستخدمين إلى آليات الإبلاغ الفعالة، بما ينسجم مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وتجدر الإشارة إلى أن رابطة العالم الإسلامي ما فتئت تولي في أنشطتها ومبادراتها الدولية عناية كبيرة واهتماما متواصلا لموضوع محاربة الكراهية والتمييز العنصري. وتجلى ذلك الاهتمام أولا في وثيقة مكة المكرمة التي دعت إلى سن التشريعات الرادعة لمروجي الكراهية والمحرضين على العنف والإرهاب والصدام الحضاري على مستوى العالم الإسلامي والدولي. وأكدت أن الصراع والصدام يعمل على تجذير الكراهية واستنبات العداء بين الأمم والشعوب، ويحول دون تحقيق مطلب العيش المشترك، والاندماج الوطني الإيجابي، وبخاصة في دول التنوع الديني والإثني.
كما تجسد اهتمام الرابطة بموضوع الكراهية في توقيع اتفاقية شراكة وإطلاق “المعمل الدولي للأديان” مع جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية في شهر نونبر من عام 2022. ويهدف “المعمل الدولي للأديان” إلى بناء القدرات المضادة لمفاهيم الكراهية والعنف والصدام الحضاري، وسيكون منصّةً عالميةً للبحث والتدريب في حماية المجتمعات من كل أشكال الكراهية، ومركزَ امتيازٍ للبحث والقيادة والتدريب، مما سيعزز عوامل الحماية ضد جميع أشكال الكراهية القائمة على الدِّين أو العرق أو غيرها، كما سيعمل على تطوير برامج تدريبية موثوقة للمعلمين لردع مخاطر التطرف، وتعزيز عوامل الحماية ضد الأشكال العالمية من الكراهية والعنف التمييزي، وتعزيز الجهود المشتركة، ودعم المبادرات والبحوث الهادفة لتحسين التعايش والتعاون في صُنع عالمٍ أكثر سلاماً وتعاوناً.
وبمناسبة توقيع هذه الاتفاقية، نبه الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي إلى أن العالم اليوم مهددٌ باتّساع رقعة الكراهية والعنصرية، بل وبتمرير الذرائع الباطلة التي ينطلق منها الكارهون والعنصريون. لذا، فإن من المهم المسارعة إلى الإسهام في إيجاد عالمٍ أكثرَ تفاهماً وتعاوناً وسلاماً، ومجتمعاتٍ وطنية أكثر تعايشاً ووئاماً.
وقبل ذلك، أطلقت رابطة العالم الإسلامي في شهر مارس من عام 2021 حملة دولية للمطالبة بحظر مروّجي التخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) والمحتوى المسيء للإسلام عبر منصات التواصل الاجتماعي، وكانت هذه الحملة تحت شعار “Reject Hate” لمناشدة الجميع عدم التسامح مطلقا مع خطاب الكراهية الذي يستهدف المسلمين، وكذلك أتباع مختلف الأديان.
وقد سبق للجمعية العامة للأمم المتحدة أن صادقت يوم 11 أبريل 2011 على القرار رقم 65/224 الذي يمنع الإساءة للأديان ويحث على الحد من خطاب الكراهية.
وفي السياق نفسه، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة يوم 18 يونيو 2019 استراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهية، التي كان الغرض منها “تعميق فهم جميع كيانات الأمم المتحدة بالتأثير الغادر للكلام الذي يحض على الكراهية، وكيف يمكن للكيانات الأممية أن تعالجه بشكل أكثر فعالية من خلال عملها”.
كما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة والسبعين يوم 15 مارس من عام 2022، قرارا تحت رقم 76/254 تم بوجبه الإعلان رسميا عن “اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام”.
لكن السؤال الأساسي الذي يفرض نفسه اليوم بإلحاح هو: متى تصدر الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات تكون ملزمة وأسمى من القوانين المحلية للدول الأعضاء، وتمنع الإساءة للأديان ونشر خطاب الكراهية، ولا تعتبر ذلك حرية في التعبير والرأي، بل تفرض عقوبات زجرية رادعة على مرتكبي تلك الأفعال؟
المصدر: وكالات