خلصت ورقة بحثية منشورة من مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إلى أن الولايات المتحدة، الدولة الوحيدة في التاريخ التي استخدمت القنابل النووية مرتين، عندما قصفت مدينة هيروشيما اليابانية بقنبلة نووية، وبعدها بثلاثة أيام دمرت مدينة ناغازاكي بقنبلة جديدة مماثلة، لديها “عقيدة نووية تقوم على كون التفوق الكاسح في مجال التسلح هو الخيار الوحيد لإقناع الخصوم بعدم استخدام السلاح النووي”.
وحسب الدراسة ذاتها، الموسومة بـ”عقيدة الترهيب: الإستراتيجية الأمريكية تجاه الخصوم في سباق التسلح النووي”، فإن “الولايات المتحدة منذ الولاية الثانية للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وضعت رؤية تهدف إلى تطوير قدراتها النووية”، لكن “هذه الرؤية جاءت متأخرة كثيراً من وجهة نظر الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي شهدت ولايته تطويراً شاملاً للقدرات النووية الأمريكية”.
ووفق الورقة، التي حرّرها أيمن سمير، الخبير في العلاقات الدولية، فإن “واشنطن تعمل منذ ذلك الحين وفق إستراتيجية متكاملة لتعزيز تفوقها وهيمنتها في مجال الأسلحة النووية، وفي الوقت نفسه بث الرعب لدى الشعوب التي تجاور دولاً تحظى بقدرات نووية”، معتمدة في ذلك على “تجنب القناعات الخاطئة”، بحيث “تقوم الحسابات الأمريكية على أنه لو وصلت إلى الآخرين قناعة بأن البيت الأبيض لن يستخدم الأسلحة النووية فإن هذا هو الخطر الحقيقي على أمن الولايات المتحدة وحلفائها”.
وفي سبيل نفي واشنطن أي قناعة خاطئة لدى الخصوم حول استعدادها لاستخدام الأسلحة النووية فإنها اتخذت عدداً من الخطوات، منها “كشف تسريب في أبريل 2019 عن نشر الولايات المتحدة 150 قنبلة نووية في 5 دول أوروبية، هي تركيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا”، كما “أحدثت الولايات المتحدة نحو 480 قنبلة نووية من طراز ‘بي 61-12’، وضمتها لقنابل حلف ‘الناتو’ في الدول الأوروبية بالقرب من الحدود الروسية”.
وفي الصدد ذاته، “كشف مارك أسبر، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، عن سيناريو لضرب روسيا بالقنابل النووية”. كما “ساهمت أمريكا في مناورات ‘الرعب المرن’ التي أجراها حلف ‘الناتو’ شمال شرقي أوروبا عام 2021، وشهدت تحميل القنابل النووية على القاذفات الإستراتيجية”؛ فضلا عن “إعلان واشنطن إستراتيجية لتطوير القنابل النووية، بعد أن أوضح ترامب أن بلاده تتخلف عن روسيا”، و”نشر صواريخ قصيرة المدى تحمل رؤوساً نووية”.
كما ينضاف إلى خطة “تجنب القناعات الخاطئة” “تضخيم القدرات النووية للخصوم”، الذي قال عنه كاتب الورقة إن “الولايات المتحدة الأمريكية تهدف من خلاله إلى إشاعة الرعب والخوف لدى جيران الصين وكوريا الشمالية، وتحفيز شعوب ودول أوروبا ضد روسيا، وتعميق الخلافات بين دول الخليج وإيران؛ إذ عملت واشنطن على تهويل الإمكانات النووية”، كما فعلت مع الرؤوس النووية الصينية والصواريخ البالستية لكوريا الشمالية.
وفي ما يخص الخطوة الثالثة، فهي متعلقة، وفق الخبير ذاته، بـ”توسيع رقعة الوجود النووي”؛ “فرغم الحديث الأمريكي عن ضرورة الالتزام باتفاقية عدم الانتشار النووي يؤكد الواقع أن واشنطن أسهمت في توسيع انتشار السلاح النووي، وذلك من خلال سلسلة من القرارات، أهمها نشر الغواصات النووية؛ وتمثّل ذلك في تدخل البيت الأبيض يوم 15 سبتمبر 2021 لإلغاء صفقة الغواصات التي تعاقدت عليها أستراليا مع فرنسا”.
والأكثر من ذلك فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بـ”إجراء مناورات نووية مع كوريا الجنوبية واليابان في بحر الصين الجنوبي في أبريل من العام الجاري، الأمر الذي شكل استفزازاً غير مسبوق لكوريا الشمالية والصين وروسيا”، وفق المصدر ذاته.
وأما في ما يتصل بالخطوة الرابعة والأخيرة، التي قدمها الخبير أيمن سمير، فتتعلق بـ”عدم الالتزام باتفاقية لا يلتزم بها الآخرون”، فالرئيس الأمريكي جو بايدن يسير وفق رؤية وضعها سلفه ترامب، مفادها أن الولايات المتحدة لن تلتزم بأي اتفاقية لا يلتزم بها الآخرون، ولهذا قامت الولايات المتحدة بعدد من الخطوات غير المسبوقة، ومنها تجديد اتفاقية “ستارت 3” لمدة 5 سنوات فقط عام 2021.
وأيضا، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها بمعية روسيا منذ غشت 2019 من اتفاقية منع إنتاج ونشر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، التي تحمل رؤوساً نووية في أوروبا، والمعروفة باسم (INF)؛ وهي الاتفاقية التي وقعها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان ونظيره السوفيتي ميخائيل غورباتشوف عام 1987.
المصدر: وكالات