أفاد الباحث المغربي في علم النفس مروان المعزوزي بأنه حصل على موافقة من العالم النفساني المعرفي الأمريكي ديفيد لودن لأجل ترجمة جميع أبحاثه ومراجعاته العلمية للدراسات السيكولوجية المنشورة على منصة “علم النفس اليوم” من الإنجليزية إلى العربية، معبراً عن سعادته العارمة بأن يقترن اسمه بـ”عالم نفس حائز على مصداقية عالمية في هذا المجال، وأيضاً لكون هذه الترجمات ستغني حقل الدراسات السيكولوجية بالمغرب والمنطقة، وستنزل مجال السيكولوجيا من برجه العاجي”.
الباحث المغربي ذكر أيضا، على هامش دردشة مع هسبريس، أن “الحاجة إلى ديفيد لودن قائمة بإلحاح أمام ما تشهده الحقول المعرفية من شبه تراجع في الإنتاج كما وكيفا”، موضحا أن “الباحثين من عيار لودن يكونون في العادة عابرين للكثير من الحدود، ولا أدل على ذلك أنه على الرغم من كونه كان في بداياته متخصصا في حقول سيكولوجية اللغة، تماشيا مع تكوينه الأكاديمي والعلمي، إلا أنه بدت لديه كذلك اهتمامات مبكرة وثانوية بتاريخ علم النفس منذ بداية حياته المهنية”.
وقال المعزوزي إن “هذا العالم معروف في العالم الغربي ويُقرأ باستمرار هناك، لكونه طور من خطابه التواصلي ولم يبق حبيس الكتب فقط، وحرر مقالات وأوراقاً بحثية ودراسات غاية في الأهمية سأخصها بكل العناية المعرفية الممكنة من حيث الترجمة والبحث والتحليل”، موضحا أن “تواضعه في منح الموافقة كان دالا للغاية؛ لكونه عبر عن قيمته الأكاديمية العالية، بحيث ذكرني فقط بضرورة العودة إليه عند الحاجة وموافاته بالصيغة النهائية لأي ترجمة بعد نشرها، وهذا طلب عادي يدخل ضمن أخلاقيات الباحث العلمي، والموافقة ضرورية تفاديا للسطو الفكري أو أي زلة منهجية يمكن أن تفقد الباحث المصداقية”.
وأضاف: “سأتواصل معه قريبا لأجل موافقة أخرى لأجل ترجمة كتابه [تاريخ علم النفس الحديث]، باعتباره عملا مرجعيا بالنسبة للمشتغلين في مجال السيكولوجيا”، موردا أن “أعماله في غالبها عبارة عن مراجعات لدراسات علمية تم إنجازها، وهو لا يكتب مقالات إنشائية أو انطباعية. مثلا، أول عمل سأشتغل على ترجمته، يتعلق بعلاقة الزهايمر بالشخصية، وهذا تصور جديد لهذا المرض يُبين فطنة ديفيد لودن، لكونه التقط هذه الدراسات الجديدة وضخ فيها نفسا جديداً لكي تكون في متناول الجميع في إطار دمقرطة المعرفة”.
ومضى شارحاً: “نحتاج إلى ترجمات في كل حقول المعرفة والعلوم الإنسانية، لكون تقريب الأبحاث والدراسات من الناطقين بالعربية يشكل قيمة مضافة بالنسبة للحقل الثقافي للمنطقة، خصوصا لكونها تشكو من خصاص كبير في هذا الجانب المتعلق بترجمات مواضيع السيكولوجيا. وهنا وجب التذكير بأن العلوم الإنسانية مترابطة فيما بينها، وتبين أن الحاجة إلى المعرفة مركبة تستدعي أن يدخل أي باحث من زاوية اختصاصه لتقديم ثقافة معاصرة تنهل من مختلف المرجعيات، وتحفظ لنفسها الكثير من الاستقلال الأكاديمي، ضمانا للإبداع”.
واعتبر المعزوزي أن “الترجمة لا يمكن نهائيا الاستهانة بدورها، فالنهضة العربية في عصرها الذهبي، بالضبط في القرن التاسع، تمت عن طريق ما أتاحته الترجمة التي كانت تتم ببيت الحكمة ببغداد، وكانت تكرس التواصل مع الآخر وفهمه واستيعاب ميكانيزمات تفكيره واشتغاله في أفق خلق تصورات عربية ليست منفصلة عما ينتج، أو ما أُنتج، في الأقطار الأخرى القريبة، فحينها أدرك العرب قدرة الترجمة على الاتصال والتواصل، وكان لذلك دور في أن ينهض الفكر الإسلامي الذي لم يتحرج إطلاقاً من استدماج مقولات غيره معرفيا، خصوصا الفلسفة اليونانية”.
وعن أهمية الترجمة المضاعفة، كما يتصورها الباحث، قال إن “الترجمة كان لها دور مهم في إبراز العديد من الفلاسفة العرب حينها، كابن سينا، الرازي، ابن رشد والكندي، إلخ، كانوا منفتحين على الفكر الغربي القديم، ولم يكونوا لينتهوا إلى تلك الدرجة الرفيعة في عالم الحكمة الكلاسيكية لولا الترجمات التي كانت متوفرة وتسعف في نهضة الفكر”، مضيفا أن “الترجمة بهذا المعنى تبقى أساسية وضرورية، والتفكير في الترجمة لا يمكن أن يكون غاية، وإنما مجرد وسيلة للتواصل، فهي علم له شروطه وخصوصياته المعرفية التي لا تقبل الارتجال أو التساهل”.
وأجمل قائلا: “نحن اليوم في العالم العربي نحتاج نهضة في مجال الترجمة، ورغم وجود محاولات دالة ومهمة في المنطقة، فهي تبقى قليلة، خصوصا أنه رغم ازدهار الترجمات الأدبية والفكرية، إلا أننا مازلنا نعاني من فقر في مجال ترجمة الكثير من أمهات الكتب في العلم”، خاتماً بأن “علم النفس مازال لم ينضج بعد في منطقتنا، خصوصاً لكون المترجمين الذين يقومون بدور إعادة إنتاج بعض الكتب عربيا عددهم ضئيل. وأمام ما يعيشه العالم من أعطاب نفسية، فإن العرب يظلون بحاجة ماسة إلى أعمال مرجعية قريبة منهم لغويا، وتخاطبهم باللغة التي تشبههم ويفهمونها، بوصف ذلك هو السبيل لاستدماج العديد من مقولات السيكولوجيا في المنطقة”.
المصدر: وكالات