مازالت مشكلة الحرائق تتهدد واحات مناطق “المغرب الشرقي”، بحيث شبّ آخر “حريق مهول”، مثلاً، أمس الأربعاء بمنطقة قصر آيت لعميرة بأوفوس، بإقليم الرشيدية؛ وهو ما استنفر نشطاء البيئة بجهة درعة تافيلالت للتذكير بالمطالب “القديمة”، المتعلقة بتوفير آبار ومسالك داخل الواحات لتكون فرصة إخماد النيران أسهل في أي لحظة عرفت اشتعالا مفاجئا، إضافة إلى توفير آليات التدخل السريع.
وخلال كل صيف ترتفع مخاوف ساكنة المجتمعات الواحية من اندلاع الحرائق، التي تهدد الأمن والاستقرار، بمعناه الاقتصادي وأيضا الاجتماعي والقيمي؛ الأمر الذي ساهم في تنامي الهجرة البيئيّة جراء “مذبحة المناخ”. وحسب التقديرات فإنّ المناطق المهددة بشكل أكبر تتعلق بواحات أوفوس وتنجداد بالرشيدية، وواحة مزكيطة بزاكورة، وواحة سكورة بورزازات…
واحات محترقة
سعيد وديجة، الفاعل الجمعوي بمنطقة الجنوب الشّرقي، قال إنّ “آخر الحرائق التي عرفتها منطقة أوفوس التهم 8 هكتارات، ودمر حوالي 300 نخلة أحرقت بالكامل، بينما 400 نخلة أحرقت بشكل جزئي”، مضيفا أنّ “وصول الحرائق إلى هذا الحد هو بسبب عدم توفّر طرق ومسارات داخل الواحات المتواجدة بجهة درعة تافيلالت، ما يجعل عمليات التدخل صعبة للغاية أمام السرعة التي تسير بها النيران بين الجريد اليابس الذي يوفر شروطا تضاهي تواجد البنزين”.
وأورد وديجة، في تصريحه لجريدة هسبريس، أنّ “التحسيس واجب أيضا بالنسبة للساكنة وللفلاحين، لكي يبادروا إلى المساهمة من جهتهم في الحفاظ على الواحات ونظمها الإيكولوجية”، مسجلاً أنّ “استنزاف الفرشة المائيّة أثّر بدوره على الواحات، وخصوصاً على الفلاحين الصّغار؛ وهذا يوضّح أنّ النشاط الفلاحيّ لم يعد كافيا لاستمرار الدورة الاقتصادية للمنطقة، رغم أنّها هي القطاع الحيوي الأصلي، ولكن الحرائق وباقي آثار تغير المناخ، كالجفاف، صارت تتهدّد إنسان الواحات في قُوته وأمنه واستقراره”.
واعتبر المتحدّث أنّ “حماية الواحة يجب أن تعود للواجهة بقوة عبر توفير المياه، التي يمكن أن تضمن الاخضرار للنخيل وتقاوم اليابس منه، لأن الأخير يشكل تهديداً حقيقيا للواحة نفسها”، مؤكداً أن “هذه الأعشاش تجب تنقيتها بشكل دوري ويوميّ لأجل محاصرة توقعات الكوارث؛ خصوصا لأن حدة التغيرات المناخية بالعالم تضاعفت وتفاقمت بشكل ساهم في تنامي الهجرة البيئية، ولهذا يبقى على السلطات دائما أن تقدم بدائل لهذه الساكنة”.
الحاجة إلى الجهود
محمد والحاج، نائب رئيسة جماعة أوفوس، قال إنّ “الجهود الرسمية المبذولة في نطاق الحفاظ على الواحات تبقى عملية، لكنّ العوامل الناجمة عن حرائق الواحات في حالات كثيرة لا نستطيع تكهّنها أو معرفة منطلقاتها”، موضحا أنّ “هناك وعيا بأنّ الجفاف وندرة المياه وتواجد الحطب والجريد اليابس يمكن أن يتسبب في حريق ما، كما حدث مثلاً أمس في واحة قصر آيت عميرة بأوفوس، حيث مازالت الجهات المختصة تحاول انتزاع الجمر من الأشجار أو إخماده لكي لا يكون فرصة لنشوب حريق آخر”.
وأفاد والحاج، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، بأنّ “الواحات مهددة باستمرار، لذلك بذلنا جهودا جميعا، جهات حكومية وغير حكومية للتصدي لهذا الخطر المهدّد للساكنة”، مشيراً إلى أنّ “الخسائر تبدو كبيرة”، وإلى أن “هناك حرائق أخرى اندلعت ولم تكن بذات الخطورة، إلاّ أنها جميعها ذكّرت بضرورة تثمين الواحات والتّفكير في إعادة إحيائها، لكون العديد من ساكنة المُجتمعات الواحيّة، سواء في واحة زيز أو درعة أو غريس، مرتبطين بشكل حتميّ بالتمور كمورد للرزق”.
وأضاف المتحدّث ذاته أنّ “وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات قادت العديد من المشاريع لتنقية أعشاش النخيل، مع إعطاء الأولوية للمناطق التي تعرف حرائق متكرّرة بشكل سنوي؛ لكن هذه المحاولات ليست كافية، وتحتاج إلى تكثيف لكي تكون استباقيّة وناجعة في مكافحة الحرائق”، موضحا أنّ “كل يوم يمرّ بدون حريق نعتبره مكسباً حقيقيّا لكوننا متأكّدين أنّ هذه الظّرفية ليست عاديّة”.
كما ذكر المسؤول ذاته أنّ “سيناريوهات الحرائق التي شوّهت الواحات قبل سنتين دائماً حاضرة، لكونها خرّبت صورة جميلة كان يلتقطها الذين يعبرون في الطريق مروراً بواحات زيز بأوفوس”، خاتماً بأنّه “في شتنبر يكون عادة إنتاج التمور، لكنّ المنتج أحرق في مناطق كثيرة خلال الصيف، بسبب أن الفلاحين لم تعد تغرهم الواحة كالسابق، ولا يذهبون لتفقدها، لكونها جافة وفارغة؛ ومن ثمّ يجب الترخيص لآبار أولا تشجع على الذهاب للواحة وعدم تركها تواجه مصيرها”.
يذكر أنّ واحات الجنوب الشرقي عرفت حرائق كثيرة متفاوتة الخطورة والخسائر في الفترة الأخيرة، رغم أنّ هناك جهودا كبيرة بذلتها وزارة الفلاحة من خلال إحداث فوهات مائية بعدد من الواحات؛ إضافة إلى وضع لوحات تحسيسية لتجنب أسباب الحريق، وكذلك توزيع فسائل أنبوبية للنخيل بالمجان على الفلاحين المتضررين من الحرائق.
المصدر: وكالات