في خطاب العرش الأخير أولى الملك محمد السادس اهتماما خاصا لمسألة القيم، إذ استهله بالإشارة إلى أن المغاربة معروفون “بخصال الصدق والتفاؤل، وبالتسامح والانفتاح، والاعتزاز بتقاليدهم العريقة، وبالهوية الوطنية الموحدة”، ومعروفون “على الخصوص بالجدية والتفاني في العمل”.
وتكررت كلمة “الجدية” في خطاب ذكرى عيد العرش أكثر من مرة، بتأكيد الملك أن “الجدية يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل”، لافتا إلى أنه “في ظل ما يعرفه العالم من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات، وتداخل العديد من الأزمات، فإننا في أشد الحاجة إلى التشبث بالجدية”؛ فهل تعكس دعوة الملك المغاربةَ إلى الجدية والتمسك بالقيم الدينية والوطنية قلقا لدى الدولة من تراجع هذه القيَم في المجتمع المغربي، ولاسيما في صفوف الشباب؟.
الأكاديمي المغربي خالد التوزاني، الأستاذ الباحث في الأدب والنقد والتصوف والجماليات، رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي “مساق”، اعتبر أن دعوة الملك محمد السادس في خطاب العرش المغاربة إلى التشبث بالقيم الدينية والوطنية ليست الأولى، “وإنما تكررت كثيرا في خطابات سابقة، لأنها تدخل ضمن مهام مؤسسة إمارة المؤمنين بالمغرب”.
وقال التوزاني، في تصريح لهسبريس، إن “هذه الدعوة تأتي انطلاقا من حرص الملك، بصفته أميرا للمؤمنين، على تعزيز ثوابت الهوية المغربية وحمايتها من كل انحراف أو تشويه، من خلال دعوته المغاربة في أكثر من مناسبة إلى التشبث بالقيم المغربية الأصيلة، وتمثلها في السلوك اليومي”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “المغرب تمكّن، بفضل حرص الملك على تكريس القيم، مثل الوحدة والتضامن والإخاء والتعايش والتسامح والتشبث بالجذور، مع الانفتاح على العصر والاقتراب من الآخر ومد جسور التعاون معه، وذلك مع الاحترام التام للخصوصيات المغربية… من أن يتبوأ مكانة مرموقة بين الدول في مجال التعايش الإنساني والسلم الاجتماعي والأمن الروحي والرخاء الاقتصادي”.
ويرى الأكاديمي عينه أن دعوة الملك إلى التشبث بالقيم الدينية والوطنية “لا تعكس أيّ قلق لدى الدولة من تدني الجانب القيمي لدى الشباب المغربي، بقدر ما تعني حرص مؤسسة إمارة المؤمنين على تحصين ثوابت الأمة المغربية، لأنها من ركائز المجتمع المغربي”، وزاد موضحا أن “أثر هذه القيم اليوم يبدو واضحاً في الشباب المغربي؛ حيث الولاء للملك والوطن والاستعداد للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، مع قيم دينية مثل البر بالوالدين وارتفاع نسب التدين في صفوف الشباب، والإقبال على أداء الحج والعمرة، وتزايد أعداد الطلبة في العلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، وغير ذلك من القيم الدينية والوطنية”.
وتتمثل الجوانب التي دعا الملك المغاربةَ إلى التشبث فيها بالجدية “بمعناها المغربي الأصيل”، كما جاء في خطاب العرش، في “التمسك بالقيم الدينية والوطنية، وبشعارنا الخالد: الله – الوطن – الملك”، وفي “التشبث بالوحدة الوطنية والترابية للبلاد”، و”صيانة الروابط الاجتماعية والعائلية من أجل مجتمع متضامن ومتماسك”، و”مواصلة مسارنا التنموي، من أجل تحقيق التقدم الاقتصادي، وتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية”، وفق المتحدث ذاته.
كما اعتبر التوزاني أن “مؤسسة إمارة المؤمنين على وعي تام بأن هذه القيم اليوم ينبغي أن تُسيّج بخصوصيات المغرب ومكونات هويته الحضارية، من ضرورة استحضار الوسطية والاعتدال والاقتداء بالعلماء المغاربة، ومراعاة التاريخ العلمي للبلاد؛ فلا ننسى أن بلادنا عرفت إنشاء أول جامعة في العالم، ولا ننسى أن كثيرا من علماء المغرب مارسوا التدريس والفتوى في المراكز الحضرية الكبرى للبلاد المشرقية، مثل مكة المكرمة والمدينة المشرفة ومصر وغيرها، فكان المغاربة هم من يعلمون المشارقة أمور دينهم”، مشددا على أن الشباب المغربي اليوم “لا ينبغي أن يعكس الآية ويقتبس دينه ومنهجه من خارج الوطن”.
ولفت الباحث ذاته إلى أن “خطاب العرش تضمن دعوة صريحة من الملك محمد السادس إلى الشباب المغربي كي يستعيد قيمة الثقة في تاريخنا المجيد وحضارة أمتنا وتراث أجدادنا، وقد سبقت الإشارة إليها أيضاً في خطب عيد العرش في سنوات ماضية، ومنها خطاب العرش لسنة 2015، عندما قال مخاطبا الشباب المغربي: ‘لا تسمح لأحد من الخارج أن يعطيك الدروس في دينك، ولا تقبل دعوة أحد إلى اتباع أي مذهب أو منهج، قادم من الشرق أو الغرب، أو من الشمال أو الجنوب، رغم احترامي لجميع الديانات السماوية، والمذاهب التابعة لها”.
وختم رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي “مساق” بالقول إن “الدعوة إلى التشبث بالقيم تتجدد في كل خطابٍ للعرش، لأن هذا الخطاب ليس مثل غيره، فهو رمز لملكية ممتدة عبر القرون، يرسم جلالة الملك فيه الطريق أمام المغاربة جميعاً أفراداً ومؤسسات، ومنه تُستمدُّ خطط التنمية وأنماط التدبير وأشكال التعامل مع الواقع والتحديات، كما يستشرف أفق المستقبل”.
المصدر: وكالات