مع اقتراب الدخول السياسي الذي باتت تفصلنا عنه أسابيع قليلة، عادت رياح الأسعار لتلهب العديد من المواد الأساسية في السوق المغربية، الأمر الذي من شأنه أن يزيد الضغط على الحكومة وأحزاب الأغلبية ويمنح المعارضة فرصة أخرى لمهاجمة الحكومة وتقديم نفسها بشكل أكثر شراسة وعدوانية.
المحروقات، التي تمثل عصب الاقتصاد، عادت أسعارها للتحليق مجددا، وسجلت في ظرف أقل من شهر 5 زيادات، معلنة بذلك سلسلة من الزيادات في أسعار المواد الأساسية من خضر وفواكه.
كما تأتي هذه الزيادات بالتزامن مع الدخول المدرسي التي تكتوي بناره الأسر، خاصة الطبقة المتوسطة التي تمثل الزبون الرئيسي لقطاع التعليم الخصوصي، الذي أقرت غالبية مؤسساته زيادات في رسوم التسجيل والواجبات الشهرية، وهذا أحد الأمور التي تساهم في تأجيج الغضب من الحكومة يرى متابعون أن المعارضة ستستغله وتلعب عليه في الدخول السياسي المرتقب.
أمام هذه المؤشرات التي تقف بجانب المعارضة على حساب الحكومة، هناك من يرى أن المعارضة الحالية تبقى “ضعيفة” وغير قادرة على استغلال الظروف لصالحها وتسجيل الأهداف في شباك الأغلبية الحكومية.
الأكاديمي المحلل السياسي عبد الرحيم العلام واحد من الخبراء الذين يعتبرون أن المعارضة المؤسساتية “تعاني من إشكال عويص يتمثل في تعاملها بطريقة تقليدية مع الحكومة”، وذلك من خلال الأسئلة الكتابية والشفهية التي “استطاعت الحكومة أن تكبحها بسهولة”.
وسجل العلام، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية حول الموضوع، أن “رئيس الحكومة لا يحضر إلا قليلا إلى البرلمان، والوزراء غالبا لا يحضرون إلى البرلمان وينيبون عنهم زملاءهم، والأسئلة تطرح بطريقة باردة والإجابة تكون بطريقة أبرد منها”، مشددا على أن هذه الطرق “التقليدية في ظل الأوضاع المتأزمة تقدم من خلالها المعارضة هدية للأغلبية الحكومية”.
وأوضح الأكاديمي ذاته أن الطرق التقليدية التي تعتمد عليها المعارضة، خاصة أنها مكونة من فرق قليلة العدد، وبعض الأحزاب ليس لديها حتى فريق وإنما مجموعات نيابية، “لن تكون فاعلة حتى في ظل الأزمة الحالية، ولن تستغل المناخ الغاضب من الحكومة”.
وشدد العلام على أن المعارضات في مواقف مثل المعارضة الحالية بالمغرب، “تلجأ إلى وسائل غير تقليدية، من قبيل التفاعل مع الشارع العام، وتجييش النقابات وتوظيف العمل النقابي، ودعم الحركات الاحتجاجية الفئوية من داخل المؤسسات”، موردا أن الطرق التقليدية تجعل صوت المعارضة “ضعيفا”.
وأشار المحلل السياسي ذاته إلى أن المعارضة الحالية بالمغرب “ليس لديها هذا التوجه، أو ربما ليست لديها القدرة على تجييش الشارع”، لافتا إلى أن بعض المعارضات في تاريخ المغرب، سواء المعارضة الاتحادية أو معارضة أحزاب الكتلة الديمقراطية، رغم أن عددها كان قليلا، كانت قوية بالشارع، وكانت تتواصل مع الجمهور ومتواجدة في الاحتجاجات التي تخوضها الشغيلة والحركات الطلابية والتلاميذية.
وذكر المتحدث لهسبريس أن المؤسسات الموازية للأحزاب السياسية في ظل المعارضة الضعيفة عدديا، “هي التي تكون فاعلة في مثل هذه الظروف، كالحركة الطلابية والعمل الجمعوي والنقابي”، وقال إن المعارضة المغربية الحالية “مازالت لا تتقن هذه الطرق غير التقليدية”.
كما اعتبر أن حكومة عزيز أخنوش يمكن أن تكون محظوظة، “إلا أن حظ الحكومة ليس هو حظ الدولة”، مردفا بأنه عندما تكون المعارضة ضعيفة، “تغيب المعارضة المؤسساتية ويمكن أن تلجأ الشعوب إلى ممارسة السياسة بطريقة أكثر سخونة”.
وحذر العلام من أن المجتمع في أوضاع مشابهة لما نعيشه في المغرب يسير نحو “المخدرات والمنظمات المتطرفة، أو اللجوء إلى الهجرة والاحتجاجات غير المنظمة والعنيفة”. وبالتالي، فإن الثمن الذي تدفعه الدولة لتهميش المعارضة المؤسساتية، بحسبه، “هو أنها لا تعرف ما يمكن أن يقع في المستقبل”.
وأفاد الأكاديمي نفسه بأن انسحاب المواطنين من الشأن العام أو عدم الاهتمام به، “له كلفة وضريبة ستدفعهما الدولة وليس الحكومة، واللجوء إلى الأشكال الاحتجاجية الفجائية وغير المنظمة تدفع ثمنه الدولة ويشكل خطرا عليها، لأن الطبيعة تخشى الفراغ”، منبها إلى أن “الناس وهم يعيشون في الأزمات لا يمكن أن يستمروا في الانتظارية طويلا”.
المصدر: وكالات