في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها ليبيا يجد العديد من الأجانب المقيمين في هذا البلد، ومنهم أفراد الجالية المغربية، أنفسهم أمام واقع صعب يهدد مستقبلهم، خاصة في ظل الإجراءات الأخيرة التي أقرتها حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس من أجل تنظيم شؤون الأجانب والعمالة الأجنبية في البلاد، وهو ما خلف استياء في صفوف مغاربة ليبيا، الذين يشتكون من الزيادات المهولة في رسوم وغرامات عدم تجديد الإقامة، ومن تبعات القرارات الحكومية الأخيرة التي تزيد من مشاعر قلقهم وتوجسهم بشأن إمكانية ترحيلهم من ليبيا.
وأكد علي العابد، وزير العمل والتأهيل في حكومة عبد الحميد الدبيبة التي تتولى إدارة الشؤون العامة في الغرب الليبي، أمس الأحد في حوار إعلامي مع إحدى القنوات التلفزية المحلية، أن “أعداد العمالة الأجنبية في ليبيا تتجاوز حاجز المليونين في ظل وجود شباب ليبيين يشتكون من نقص فرص العمل”، مضيفا أن “الحكومة وجدت نفسها أمام تحد كبير وقامت بخطوة لتنظيم هذا الملف، من خلال الحصول أولا على قاعدة بيانات ومعلومات حول عدد العمال الأجانب والمهن التي يزاولونها والمناطق التي يشتغلون بها، والأهم من ذلك الطريقة التي دخلوا بها إلى ليبيا”.
وتابع المسؤول الحكومي ذاته بأن “وزارة العمل والتأهيل أطلقت منصة ‘وافد’ الإلكترونية، حيث قامت بربط كل مكاتب العمل في ليبيا بمركز توثيق المعلومات في الوزارة”، وزاد: “كما قمنا بالتوزاي مع ذلك بلقاء سفراء وممثلي الدول التي لديها عمال في ليبيا، وأبلغناهم بأننا عازمون على تنظيم هذا الملف من أجل حث مواطنيهم على التوجه إلى مكاتب العمل والتصديق على عقودهم وتسجيل بياناتهم، لأنه ستترتب على ذلك إجراءات أخرى في حق كل من يلتزم بهذه الإجراءات”.
من جهته ذكر محمد الحويج، وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة الدبيية، قبل أيام، على هامش مشاركته في أحد الملتقيات الاقتصادية، أن “خسائر السوق المحلي بسبب عدم التزام العمالة الأجنبية بالتشريعات الليبية يقدر بخمسة مليارات دولار”، مشددا على أن “ليبيا لن تسمح للعمال الأجانب بالسيطرة على أمن ليبيا الغذائي والدوائي”، على حد تعبيره.
رسوم وغرامات ثقيلة
في هذا الصدد قال محمد جغلاف، مغربي مقيم في ليبيا، إن “هناك توجهًا لدى الحكومة الليبية في طرابلس لفرض المزيد من الإجراءات على الأجانب، ومن ضمنهم المغاربة، إضافة إلى رفع بعض رسوم القوى العاملة، وفرض التأمين الصحي، وزيادة الرسوم المالية للإقامة إلى خمسة أضعاف، وفرض غرامات شهرية بالقدر نفسه تقريبًا لكل شهر تأخير في تجديد الإقامة ورسوم أخرى”، مضيفًا أن “هذه الإجراءات تثقل كاهل المغاربة، خاصة إذا أضفنا غلاء أسعار المواد الأساسية، وهو ما يؤسس لواقع صعب جدًا سيواجهه المغاربة في ليبيا في الأعوام القادمة”.
وأوضح المصرّح لهسبريس أن “الحكومة أحدثت منصة إلكترونية لحصر عدد الأجانب في ليبيا، وتسهيل تنزيل مختلف الإجراءات التي أقرتها؛ غير أن التسجيل فيها يفترض أولًا التوفر على إقامة سارية المفعول، وهو ما لا يتوفر عليه أغلب المغاربة”، مردفا: “هؤلاء تمت مواجهتهم عند توجههم لتسوية وضعيتهم القانونية بغرامات ثقيلة جدًا بسبب تأخرهم في التجديد، تتجاوز قدراتهم المالية، رغم أنهم ليسوا مسؤولين عن ذلك، بل كان الأمر نتيجة غياب الخدمات القنصلية لسنوات طويلة”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “العديد من المغاربة في ليبيا أصبح يتهددهم الترحيل، ويعيشون في توجس دائم من مستقبلهم في هذا البلد، خاصة أن منهم من أفنى حياته هنا ولن يكون بمقدوره الاندماج اقتصاديًا أو ثقافيًا في بلاده”، كما أكد أن “مغاربة ليبيا لا يعارضون تنظيم شؤون الأجانب، لكن يجب أن يتم ضمان حقوقهم؛ لذلك على وزارة الخارجية والسلطات القنصلية في طرابلس أن تتحرك لضمان حقوق رعاياها الذين يعيشون في قلق دائم”.
ضغط على المغاربة
من جهته، قال عز الدين تابيت، مغربي مقيم بليبيا: “مختلف القرارات التي اتخذتها حكومة الوحدة الوطنية الليبية لتنظيم شؤون الأجانب والعمالة في البلد، خاصة فرض غرامات شهرية ثقيلة على عدم تجديد الإقامة، وإحداث منصة ‘وافد’، ثم التوجه إلى اعتماد نظام الكفيل، كلها إجراءات خلفت استياءً كبيرًا في صفوف الجاليات الأجنبية، خاصة أفراد الجالية المغربية الذين يعيشون وضعًا خاصًا؛ فالغالبية العظمى منهم لم يجددوا إقامتهم منذ سنوات بسبب غياب التمثيل القنصلي المغربي في ليبيا”.
وأضاف المصرح لهسبريس أن “الزيادات المهولة في جميع رسوم الإقامة تقف عائقًا أمام تجديد إقامة المغاربة في ليبيا، إذ بات هذا التجديد يكلف ما يعادل أكثر من شهرين من العمل، وليس تهربًا من مسؤولياتهم تجاه الدولة الليبية”، وشدد على أن “الجالية المغربية تعاني أوضاعًا سيئة جدًا في ظل القرارات غير المدروسة التي اتخذتها حكومة طرابلس، وعدم مراعاة جملة الإكراهات التي تواجهها، وتجعل من تسجيلها في منصة ‘وافدا مستحيلًا لعدم التوفر على الوثائق الضرورية؛ وبالتالي فإن الترحيل يتهدد الكثيرين بغض النظر عن المدة التي قضوها هنا”.
وخلص تابيت إلى أن “العديد من المغاربة مستعدون أصلًا للترحيل ولم يعودوا يطيقون العيش في ليبيا، وما يمنعهم من ذلك هو عوزهم المالي، إذ يفترض للخروج النهائي من البلاد تأدية جميع الضرائب والرسوم”، وشدد على “ضرورة تدخل الدولة المغربية لمعالجة هذا الإشكال، خاصة مراجعة رفض تأشيرات الليبيين للدخول إلى المغرب، الذي يعد أحد أسباب الضغط الذي يُفرض على مغاربة ليبيا”.
بيئة طاردة
في هذا السياق قال محمد حسن الواثق، المدير التنفيذي لجمعية الصداقة الليبية المغربية، إن “لكل دولة سيادتها التي تخول لها تنظيم بيتها الداخلي بالشكل الذي تراه مناسبًا، وبما يحمي مصالحها وأمنها القومي؛ وليبيا كدولة تسعى، من خلال حكوماتها المتعاقبة، إلى تحقيق ذلك رغم كل التحديات التي تواجهها، خاصة ما يتعلق بالصراع الحاد على السلطة، والتدخل الأجنبي من قبل الدول العظمى لتحقيق هيمنتها على هذا الجزء المهم في القارة الإفريقية اقتصاديًا ولوجستيًا”.
وأضاف المصرح لهسبريس أن “ليبيا، للأسف، لم تستطع حتى الآن حماية حدودها بشكل جيد، ما يجعل تجار البشر ينشطون فيها بشكل واضح، وهو ما دفع بعض الأفارقة إلى التوجه إليها كقبلة ومحطة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا”، وواصل: “الأمر أثقل ميزانية ليبيا وقضّ مضجعها، إذ أصبح ملف هؤلاء المهاجرين من أضخم الملفات التي تسعى كل الحكومات المتعاقبة إلى تنظيمه، في محاولات يائسة في أغلبها، خاصة بالنسبة للمهاجرين القادمين عبر الصحراء الجنوبية للبلاد، وأغلبهم بدون أوراق ثبوتية ويحملون أمراضًا معدية تزيد من تعقيد الأمور؛ الأمر الذي جعل كل المحاولات لمعالجة هذا الملف، خاصة الأمنية منها، تعجز عن إيجاد حلول جذرية، كونها تصطدم بواقع غير مستقر”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “بعض دول الجوار غير متعاونة بهذا الخصوص، علاوة على ما تعرض له الدينار الليبي من انتكاسة فقد معها قيمته السوقية، مع ارتفاع مستويات التضخم وغلاء الأسعار بشكل مهول”، خاتما: “كل ذلك يحدث في غياب سياسة اقتصادية جادة ومستقرة، ما أثّر سلبًا على السكان والعمالة الأجنبية، التي أصبحت تبحث عن مخرج، ومنها العمالة المغربية التي تفكر في العودة إلى أرض الوطن؛ فهناك أصوات كثيرة من أفرادها تنادي بذلك هروبًا من واقع تراه نارًا، فهم بذلك بين المطرقة والسندان، إذ أصبح التكيف مع هذه البيئة شبه مستحيل، كونها بيئة طاردة، على الأقل في الوقت الراهن”.
المصدر: وكالات