قال عبد الحكيم العياط، باحث جامعي ومتصرف بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، إن تساؤلات تصاعدت حول الآثار الصحية المحتملة لسماعات الأذن التي تعمل بتقنية البلوتوث، لافتا إلى أن “هناك اتهامات موجهة إلى الشركات المصنعة بمحاولة التقليل من هذه المخاطر أو حتى إخفائها، سواء عبر تمويل العديد من الدراسات المؤيدة لاستعمالها أو التدخل من أجل الضغط أو إغراء دراسات مستقلة”.
وتناول العياط، في مقال له بعنوان “سماعات الأذن اللاسلكية في الميزان.. ما الذي تخفيه الشركات؟”، مجموعة من الجوانب المرتبطة بسماعات البلوتوث، خاصة ما يرتبط بـ”الأشعة اللاسلكية والتعرض المستمر”، و”نقص الدراسات العلمية المستقلة”، و”محاولات الشركات لتقليل المخاوف”، و”التدابير الوقائية والتوعية”، و”دور الحكومة في الرقابة والحماية.. بين التحديات والمساءلة”.
نص المقال:
أصبحت سماعات الأذن التي تعمل بتقنية البلوتوث جزءًا لا يتجزأ من حياة الكثيرين، سواء للاستماع للموسيقى أو لإجراء المكالمات الهاتفية؛ لكن مع تزايد الاعتماد على هذه الأجهزة تصاعدت التساؤلات حول الآثار الصحية المحتملة لها، خاصة في ظل غياب الدراسات العلمية المستقلة الكافية التي تبحث في تأثيراتها بعيدة المدى. كما أن هناك اتهامات موجهة إلى الشركات المصنعة بمحاولة التقليل من هذه المخاطر أو حتى إخفائها، سواء عبر تمويل العديد من الدراسات المؤيدة لاستعمالها أو التدخل من أجل الضغط أو إغراء دراسات مستقلة.
الأشعة اللاسلكية والتعرض المستمر
تعتمد أجهزة الاستماع اللاسلكية على تقنيات الاتصال اللاسلكي مثل البلوتوث لنقل الصوت بين الأجهزة المحمولة أو الثابتة والسماعات، وتعتبر مستويات الأشعة المنبعثة من هذه الأجهزة منخفضة نسبيًا؛ ولكن المخاوف تزداد حول التعرض المستمر لهذه الأشعة، خاصة أن السماعات اللاسلكية توضع داخل الأذن لفترات طويلة.
وأشارت بعض الدراسات العلمية إلى أن التعرض المستمر للموجات اللاسلكية قد يؤدي إلى تأثيرات ضارة على الصحة؛ مثل زيادة مخاطر الإصابة بأورام الدماغ أو التأثير على نشاط الدماغ، خاصة عند الأطفال والشباب الذين تكون أدمغتهم في مرحلة النمو. على سبيل المثال، أوضحت دراسة نشرتها مجلة « Biology and Medicine » وجود ارتباط محتمل بين التعرض للأشعة اللاسلكية وبين زيادة مستويات الإجهاد التأكسدي في خلايا الدماغ.
ومع ذلك، تظل الأدلة العلمية الحالية غير حاسمة، حيث يشير بعض الباحثين إلى أن المستويات المنخفضة للأشعة المنبعثة من هذه الأجهزة قد تكون غير كافية لإحداث ضرر مباشر؛ فيما يعتبر آخرون أن التأثيرات قد تظهر على المدى البعيد مع الاستخدام المطول.
نقص الدراسات العلمية المستقلة
إحدى القضايا المثيرة للجدل هي نقص الدراسات العلمية المستقلة التي تدرس تأثيرات أجهزة الاستماع اللاسلكية على الصحة. غالبية الأبحاث المتوفرة حتى الآن إما مولتها الشركات المصنعة نفسها أو لم تكن شاملة بما يكفي لتحديد المخاطر المحتملة بشكل قاطع.
ووفقًا لتقرير نشره معهد بحثي أمريكي، فإن العديد من الدراسات التي أجريت حول تأثيرات الموجات اللاسلكية تم تمويلها أو دعمها من قبل الشركات المصنعة للأجهزة؛ مما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية وحيادية هذه الأبحاث.
ويثير هذا النقص في الأبحاث المستقلة شكوكًا حول إمكانية وجود تأثيرات طويلة الأمد غير مكتشفة حتى الآن، ويؤدي إلى تكهنات بأن الشركات قد تكون تتجنب دعم أو نشر دراسات تكشف عن مخاطر محتملة لأجهزتها، تمامًا كما حدث في صناعة التبغ عندما أخفت الشركات الكبرى لسنوات طويلة الأدلة العلمية حول الأضرار الصحية للتدخين.
محاولات الشركات لتقليل المخاوف
في مواجهة هذه المخاوف، تحاول الشركات المصنعة التقليل من حجم القلق بين المستهلكين؛ فعلى سبيل المثال تقوم بعض الشركات بالتأكيد على أن مستويات الأشعة المنبعثة من أجهزتها تلتزم بالمعايير الدولية التي تحددها منظمات مثل منظمة “اللجنة الدولية للحماية من الإشعاع غير المؤين (ICNIRP) وتؤكد أن استخدام التكنولوجيا اللاسلكية آمن تمامًا.
ومع ذلك، يشير بعض النقاد إلى أن هذه المعايير قد تكون غير كافية لحماية الصحة العامة، خاصة عند الأخذ في الاعتبار استخدام الأجهزة لفترات طويلة. كما يثير البعض قضية تضارب المصالح، حيث قد تكون الشركات المنتجة غير شفافة بما يكفي عندما يتعلق الأمر بنشر نتائج الأبحاث التي تُظهر تأثيرات سلبية محتملة.
التدابير الوقائية والتوعية
في ظل عدم اليقين العلمي الحالي هناك توصيات عديدة من جهات صحية بضرورة اتخاذ تدابير احترازية للحد من التعرض المحتمل للمخاطر. ونجد من بين هذه التدابير: تقليل مدة استخدام الأجهزة اللاسلكية، واستخدام سماعات تقليدية عند الإمكان، والحرص على إبقاء الأجهزة بعيدة عن الجسم عند عدم استخدامها.
كما توجه أيضًا دعوات لتعزيز التوعية حول هذا الموضوع، وإشراك المستخدمين في النقاشات المتعلقة بالصحة والسلامة. كما يجب على الحكومات والهيئات الصحية أن تلعب دورًا أكبر في تمويل الأبحاث المستقلة وتقديم إرشادات واضحة للمستهلكين حول الاستخدام الآمن لهذه الأجهزة.
وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة التي تقدمها أجهزة الاستماع اللاسلكية، فإن الجدل حول آثارها الصحية المحتملة يبقى قائمًا؛ ففي غياب الدراسات العلمية المستقلة والشكوك حول شفافية الشركات المصنعة يضيفان مزيدًا من القلق للمستهلكين.
لذا، فإن الحاجة ملحة إلى مزيد من البحث العلمي المستقل والدقيق لفهم الآثار الصحية الحقيقية لهذه الأجهزة، وضمان أن تكون هذه التكنولوجيا مفيدة وآمنة للاستخدام البشري على المدى الطويل.
دور الحكومة في الرقابة والحماية.. بين التحديات والمساءلة
في ظل انتشار أجهزة الاستماع اللاسلكية في الأسواق، بما في ذلك تلك التي تكون رديئة الصنع أو مقلدة، حيث تعد هذه الأجهزة تهديدًا إضافيًا، ليس فقط لأنها قد تكون أقل كفاءة من حيث الأداء؛ ولكن أيضًا لأنها قد تُعرض المستخدمين لمخاطر صحية أكبر بسبب عدم التزامها بمعايير السلامة الدولية.
ويطرح انتشار هذه الأجهزة في الأسواق المغربية أسئلة حول فعالية الإجراءات الحكومية في حماية المستهلكين. فعلى الرغم من الجهود المعلنة لمراقبة السوق وتنظيمه، فإن الواقع يكشف عن ثغرات واضحة في تطبيق هذه الرقابة، حيث إن الكثير من الأجهزة التي لا تلتزم بالمعايير الصحية والسلامة تجد طريقها إلى أيدي المستهلكين؛ مما يثير تساؤلات حول كفاءة الرقابة الحكومية وشفافيتها.
كما أن هناك ضعفًا ملحوظًا في حملات التوعية الموجهة للمستهلكين، والتي تظل غير كافية لتحذير المواطنين من مخاطر شراء واستخدام هذه الأجهزة.
والجدير بالذكر أن الحكومة المغربية، رغم مسؤوليتها الكبيرة في حماية الصحة العامة، لم تُظهر، حتى الآن، التزامًا حقيقيًا بمعالجة هذه المشكلة بفعالية؛ فبينما يتم إصدار بيانات وإرشادات، بين الفينة والأخرى، يبقى التنفيذ الفعلي على الأرض محل تساؤل.
وفي الأخير، هناك حاجة ملحة إلى تطوير إطار قانوني أكثر صرامة يتعامل مع الانتهاكات في هذا المجال، وتفعيل العقوبات على الشركات والمستوردين الذين يتداولون منتجات مقلدة أو غير مطابقة للمعايير. ومن شأن هذه الإجراءات التعزيز من ثقة المستهلكين والمساهمة في خلق بيئة آمنة للاستخدام المتزايد للتكنولوجيا الحديثة في المغرب.
المصدر: وكالات