أحيى الشعب الليبي، أمس السبت، الذكرى الثالثة عشرة لثورة 17 فبراير 2011 التي انطلقت في إطار ما بات يسمى بـ”موجة الربيع العربي” والتي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي، صاحب واحدة من أطول فترات الحكم في العالم العربي دامت لأكثر من أربعة عقود، وذلك إثر مقتله على أيدي الثوار الليبيين في الـ20 أكتوبر من السنة ذاتها في مدينة سرت الساحلية.
اليوم، وبعد مرور كل هذه المدة، ما زالت الدولة الليبية ترزح تحت ويلات انقسام سياسي حاد ساهمت في إعاقة عملية بناء الدولة الليبية الجديدة وإطالة أمد الأزمة السياسية في هذا البلد المغاربي وانتشار السلاح والجماعات الإرهابية، نتيجة تعدد المتدخلين على الساحة الليبية واختلاف أجنداتهم وأهدافهم في وقت بيرز فيه اسم المغرب كدولة واكبت ومازالت المصالحة الليبية منذ مراحلها الأولى مدعومة بالثقة التي تحظى بها الدبلوماسية المغربية لدى مختلف الأطراف في هذا البلد، حيث احتضنت جولات عديدة من الحوار الليبي- الليبي آخرها اجتماعات لجنة 6+6 للإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية.
في هذا الصدد، كانت جريدة هسبريس الإلكترونية قد علمت، من مصدر ليبي مسؤول، أن مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح والمجلس الأعلى للدولة الذي يرأسه محمد تكاله يستعدان لإجراء جولة جديدة من المباحثات في المغرب خلال مقبل الأيام.
مواكبة مغربية
إدريس أحميد، محلل سياسي ليبي، قال إنه “بعد مرور 13 عاما على الثورة الليبية في سنة 2011، ما زالت البلاد تعاني من حالة عدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي نتيجة مجموعة من العوامل؛ أبرزها التدخلات الأجنبية”، لافتا إلى أنه “على الرغم من إجراء الانتخابات في سنة 2012 والتي عرفت إقبالا كبيرا من الناخبين؛ فإنها لم تؤسس لبناء الدولة، حيث حاول الإسلام السياسي فرض منطقه وأجندته وفرض قرارات ما زالت ليبيا تعاني من تبعاتها إلى حدود اللحظة”.
وأوضح المحلل السياسي الليبي ذاته أن “ليبيا اليوم ما زالت تعاني من مجموعة من الإشكالات؛ أبرزها الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، ومشكل الفساد، وانتشار السلاح والتشكيلات المسلحة أمام انسداد أفق الحل السياسي والمصالحة الوطنية”، مؤكدا في الوقت ذاته أن “المغرب كدولة شقيقة لليبيا حاولت، منذ اللحظة الأولى، مواكبة عملية إعادة بناء الدولة الليبية من خلال احتضان الفرقاء السياسيين ومحاولة تقريب وجهات النظر فيما بينهم تماشيا مع الأهداف المغربية النبيلة المتمثلة في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة المغاربية”.
في الصدد ذاته شدد المصرح لهسبريس على أهمية الدور المغربي في الأزمة الليبية بالقول إن “دور الرباط في هذا الملف كان مهما من خلال استضافة مجموعة من محطات الحوار الليبي؛ أهمها اتفاق الصخيرات في عام 2015، وتفاهمات بوزنيقة واجتماعات لجنة 6+6″، مشيرا إلى أن “كل الأطراف الليبية تثق في المغرب وترى في احتضان المغرب لمشاوراتها ترجمة لإرادة مغربية صادقة لإنهاء هذه الأزمة بعيدا عن أي أهداف سياسة أخرى”.
ولفت المحلل السياسي ذاته إلى أن “الشعب الليبي يثق في الدور المغربي أكثر مما يثق في الدور الغربي في تشجيع الفرقاء الليبيين على تقديم تنازلات بما يؤدي إلى بناء دولة ليبية ديمقراطية ومؤسسات فاعلة منتخبة وبما يضمن كذلك أمن واستقرار الدولة والمنطقة ككل في ظل وضع جيو-سياسي مقلق تمر به المنطقة المغاربية”.
القدرة والتجربة
تفاعلا مع سؤال حول قدرة ليبيا على الخروج من أزمتها الحالية، أورد مصطفى رحاب، باحث في الشأن الليبي، أن “الليبيين قادرون على الخروج من أزمتهم الحالية؛ لكن بعيدا عن التدخلات الخارجية للدول ذات المصالح المتعارضة في ليبيا، على غرار روسيا وفرنسا”، مشيرا إلى أن “بعض الأنظمة السياسية في المنطقة هي الأخرى لا تريد رؤية ليبيا مستقرة؛ لأنهم يرون في هذا الاستقرار تهديدا لوجودهم ولحكمهم”.
وأضاف الباحث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “الحل اليوم لا يمكن أن يتم إلا في إطار حوار ليبي-ليبي، سواء في ليبيا أو في المغرب الذي يعرف الكثير عن الملف بحكم إشرافه على جولات عديدة من المشاورات والمباحثات ما بين الأطياف السياسية”، مشيرا في هذا الإطار إلى أن “الدولة الشقيقة الوحيدة التي ليس لها أي أهداف سياسية أو مصالح ضيقة في ليبيا هي المملكة المغربية؛ وبالتالي فإنها قادرة على لعب أدوار مهمة في المصالحة الليبية مدعومة بالعلاقات التاريخية بين الشعبين المغربي والليبي”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن “المغرب يشكل نموذجا سياسيا وديمقراطيا على مستوى دول شمال إفريقيا عامة وليبيا على وجه الخصوص؛ وذلك بالرغم من اختلاف طبيعة النظام السياسي في هذين البلدين”، مشددا على أن “تجربة المملكة ونجاحها في الخروج بأمان من الربيع العربي عبر إقرار وثيقة دستورية تتضمن أكثر من مطالب الشارع المغربي لهي نموذج يستحق حقيقة الوقوف عنده والاحتذاء به”.
وخلص إلى أن “تجربة المغرب كذلك في تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية بين كل مكونات المجتمع السياسي المغربي والتحام الكل من أجل إعادة بناء دولة ومؤسسات جديدة هي أيضا تجربة ملهمة للشعب الليبي”، موضحا أن “الليبيين يشتغلون، اليوم، على إعادة إنتاج النموذج المغربي في هذا الصدد”.
المصدر: وكالات